تتزايد التوترات يوما بعد يوم بين الولايات المتحدة والصين، وتتسارع التكهنات بشأن مستقبل العلاقات بين الدولتين، ويمكن القول إن الغموض يحيط بتداعيات ذلك على المستويين الثنائي والعالمي.

لكن أربعة أكاديميين، هم الدكتور ياو- يوان ببيه، استاذ مساعد الدراسات الدولية ورئيس قسم الدراسات الدولية واللغات الحديثة بجامعة سانت توماس بهيوستن ، وتشارلز كيه إس وو، المرشح لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوردو الأمريكية، والدكتور اوستين وانج، الاستاذ المساعد للعلوم السياسية بجامعة نيفادا بلاس فيجاس، والدكتور فانج-يو تشين، استاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية ميشجان، يجمعون على أن انتهاء الهيمنة العالمية الأمريكية يعنى حدوث تحول إلى نظام عالمي ثنائي القطبية.

وأشار الأكاديميون الأربعة في تقرير نشرته مجلة "ناشيونال انتريست" الأمريكية إلى إعلان وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرا عن مطالبتها الصين بإغلاق قنصليتها في هيوستن بغرض" حماية الملكية الفكرية والمعلومات الخاصة بالمواطنين الأمريكيين". و قال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو في تغريدة: "... إن قنصلية الصين في هيوستن ليست منشأة دبلوماسية. إنها المركز الرئيسي لشبكة الحزب الشيوعي واسعة النطاق من الجواسيس وعمليات التأثير في الولايات المتحدة".

وبالإضافة إلى هذا التشاحن الدبلوماسي، اعترضت إدارة ترامب مؤخرا على ما اعتبرته ادعاءات من جانب الصين فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، وهي المرة الأولى التي تتخذ فيها الحكومة الأمريكية موقفا بشأن النزاع في بحر الصين الجنوبي. ولكي تظهر الولايات المتحدة موقفها الحاسم، أرسلت حاملتي طائرات إلى منطقة التدريبات العسكرية. وردا على ذلك، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، بأن الولايات المتحدة" تخلق انقسامات بين دول المنطقة وتضفي الطابع العسكري على بحر الصين الجنوبي".

وذكر الأكاديميون في تقريرهم أن زيادة التوترات العسكرية والدبلوماسية هي دلالة على أن الصين تحاول إنهاء نظام الهيمنة الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة، وأنه أصبح من الواضح بصورة متزايدة أمام الكثيرين أن الجهود الأمريكية لاستغلال النظام الليبرالي العالمي الذي يتسم بتعددية الأطراف والاعتماد الاقتصادي المتبادل لمواجهة صعود نجم الصين قد حلت محلها الآن الاحتكاكات العسكرية والخلاف الدبلوماسي. وفي ضوء هذه التطورات، قد يتساءل المرء: هل نحن نشهد حربا باردة بين الولايات المتحدة والصين؟ وكيف سيغير هذا النظام العالمي؟

ويرى الأكاديميون الأربعة أن الإجابة على هذين السؤالين قد لا تكون واضحة، ولكن هناك دلائل على أن الولايات المتحدة تتباعد حاليا عن النظام العالمي. ويظهر الانسحاب من الشراكة عبر الباسيفيكي في اليوم الثاني من تنصيب ترامب، وقطع الوعود، مثل سحب القوات الأمريكية من ألمانيا، ووقف دعم انفاق الناتو، والقرار الأخير بالانسحاب من عضوية منظمة الصحة العالمية، أن الولايات المتحدة تقلص التزاماتها تجاه الدبلوماسية الدولية. ورغم الانتقاد الموجه بدرجة كبيرة لمبدأ" أمريكا أولا" الذي يتبناه ترامب، باعتباره دليلا على استراتيجيته الشعبوية ، هو رد منطقي على التكاليف التي زعم أن الولايات المتحدة تحملتها لبذل جهودها العالمية. وادت أساليب ترامب الدبلوماسية التصادمية إلى خلق كتلتين عالميتين جديدتين. وما نشهده الآن هو تحول من نظام أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة إلى عالم ثنائي القطبية يضم قوتن عظميين، هما الولايات المتحدة والصين.

ويصور مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، الصراع بين الولايات المتحدة والصين بأنه معركة بين القيم- الديمقراطية، والحرية، و اقتصاد سوق رأسمالي- وبين القيم المعارضة التي تتبناها الصين. ويشير التقرير إلى أن وجهة النظر هذه بالغة التبسيط، وأن الحقيقة هي أن كثيرا من الدول تسعى جاهدة إلى الالتزام بكتلة واحدة، ووحيدة، والنظام العالمي الحالي ليس مقسما بشكل دقيق إلى معسكرين. فبدلا من استغلال الاختلافات المؤسساتية واختلافات القيم لتقسيم العالم إلى كتلتين، تعتبر الروابط التاريخية المشتركة، ومعارضة القيادة الأمريكية، والاعتماد على رأسمالية الدولة الصينية أفضل مؤشرات لتحديد سمات الدول في النظام الدولي الجديد ثنائي القطبية. فالمملكة المتحدة ودول الكومنولث التابعة لها، وغيرها من دول شرق آسيا التي تعتمد على الدعم العسكري الأمريكي، سوف تنضم دون تردد إلى الكتلة الأمريكية. ومع ذلك، ونظرا للروابط الاقتصادية مع الصين، سوف تكون بعض الدول أكثر ترددا في أن تفعل ذلك( مثل اليابان وكوريا الجنوبية). وهذه الدول ممزقة، حيث توفر لها الولايات المتحدة الأمن، لكن الصين غالبا ما تساعدها في توفير غذائها على المائدة. وهو في الأساس خيار بين السلاح والطعام.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يميل إلى الصين الآن. ولا شك أن الصين تكسب نفوذا من خلال الاستثمارات الهائلة في الاتحاد الأوروبي في ظل خطط مثل مبادرة الحزام والطريق. وبصراحة، الصين هي أفضل خيار لدول الاتحاد الأوروبي لتخليص نفسها من الولايات المتحدة واستعادة مجدها ونفوذها السابقين. وربما كان هذا هو السبب وراء اندفاع دول الاتحاد الأوروبي في طريق تحقيق تكامل اقتصادي أكثر قربا مع الصين .

والأمر الأكثر أهمية هو أن التوترات المتزايدة في العلاقات الصينية الأمريكية وزيادة امكانية وقوع تصادم عسكري، للأسف، تؤدى إلى قصر المدة التي يمكن أن تفكر فيها هذه الدول في اختياراتها بالنسبة للمعسكر الذي تنضم إليه.

ومن المرجح كثيرا ألا يحدث كل ما سبق ذكره لأسباب كثيرة، لكن التاريخ لا يدل على قدر كبير من التفاؤل، فسوء الفهم، وسوء التقدير، وسوء الاتصال كلها أمور شائعة، كما حدث في الحرب الباردة الأمريكية- السوفيتية، والحرب الكورية، والحرب الأمريكية في العراق. والمسارات الحالية في العلاقات الأمريكية الصينية تزيد من تقليص حجم التفاؤل. وعموما فإن أي حرب صينية - أمريكية من الصعب خوضها، لكن ليس من المستحيل تخيل وقوعها.