شهدت مدينة درنة الواقعة في الشرق الليبي،منذ مايو/أيار 2018،عملية عسكرية،أطلقها الجيش الوطني الليبي في محاولة لتحرير المدينة من قبضة التنظيمات الارهابية التي بسطت سيطرتها عليها طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة في البلاد العام 2011 مستغلة في ذلك تفشي الفوضى وغياب سلطة الدولة.

وفي شهر حزيران/ يونيو 2018،أعلن الجيش الليبي تحرير المدينة الساحلية الواقعة شرقي البلاد،الشئ الذي فتح الباب أمام عودة الحياة الطبيعية للسكان.لكن وبالرغم من هذا الاعلان فإن العمليات العسكرية ظلت متواصلة وذلك بهدف القضاء على بعض   بقايا الجماعات الإرهابية التي تحصنت في المدينة القديمة وبمناطق أخرى بهدف تجميع عناصرها وشن هجمات ضد القوات الليبية.

انتهاء العمليات العسكرية

وشرعت قوات الجيش الوطني أوائل الشهر الحالي بهجوم واسع على بقايا شورى درنة المنحل في آخر معاقله بالمدينة القديمة.ودارت عمليات عسكرية وصفت بالأعنف منذ أشهر في أزقة المدينة القديمة التي تعتبر آخر الجيوب الارهابية.

وفي تطور جديد،أعلنت الحكومة المؤقتة انتهاء العمليات العسكرية في مدينة درنة وتطهيرها كاملة من الإرهاب.وقالت الحكومة المؤقتة في بيان لها إنها "تبارك انتهاء العمليات العسكرية في مدينة درنة وتطهيرها كاملة من الإرهاب كما تبارك هذا الانتصار المؤزر الذي بفضل الله تم من خلاله إنهاء جماعات الإرهاب والتطرف بكافة أفكارهم وصنوفهم من مناطق شرق البلاد".

وحيت الحكومة "صمود أهالي درنة، وباركت لهم عودة مدينتهم إلى أحضان الوطن" مؤكدة أنها لن تتوانى عن "تقديم الخدمة لهم.. لتدور عجلة الحياة في هذه المدينة التي كانت مختطفة من قبل الإرهاب وكان يعيث فيها فسادا على مرأى ومسمع الجميع".مؤكدة أنها وقفت إلى جانب الجيش وسخرت كافة إمكانياتها لخدمته منذ إعلانها صراحة عن الجماعات الإرهابية في بيان غات وحتى إعلان تحرير درنة.

وقبل ذلك،أعلنت مديرية أمن مدينة درنة الليبية،السبت، في بيان مقتضب، انتهاء العمليات العسكرية بالمدينة وتحريرها بالكامل من الجماعات الإرهابية.وكشفت تقارير اعلامية عن أن قوات الجيش الوطني أنهت العمليات العسكرية في محور وسط مدينة درنة شرقي البلاد، مؤكدة أن القوات بدأت مرحلة التطهير وملاحقة فلول الجماعات الإرهابية في المنطقة.

وأعلنت وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المؤقتة أواخر العام الماضي، عن وضع خطة بالاشتراك مع الجيش لتأمين درنة ومحيطها بعد تحريرها من قبضة الجماعات الإرهابية.وهدف تحرك الوزارة للخروج بخطة مشتركة بين كافة الوحدات الأمنية والعسكرية في درنة تنشد تشديد الأمن في المدينة ومحيطها والعمل مع القوات المسلحة في تنفيذ الخطط والبرامج الأمنية التي من شأنها تعزيز الأمن في تلك المناطق.

قيادات ارهابية

وفي غضون ذلك،يواصل الجيش الليبي اصطياد القيادات الارهابية في المدينة،حيث تمكنت القوات المسلحة الليبية، من القضاء على أبرز القيادات العسكرية لدي الجماعات الإرهابية عبدالعزيز الجيباني الشهير بـ"زيزو" والمعروف " 45 " خلال المواجهات في محاور وسط المدينة بالمدينة القديمة "الأزقة الأربعة" في درنة.

وكانت تقارير اعلامية تحدثت عن أن الجيش الليبي يحاصر جيبا ارهابيا صغيرا مكون من منزلين في حي المدينة القديمة يختبئ فيه قياديون في الصف الأول.ونقلت التقارير عن مصادر استخباراتية في الجيش الليبي أن من ضمن القيادات المحاصرة بالمنزلين زيزو الجيباني ومحمد التومي بالإضافة  إلى عناصر أخرى تحمل كنى الأصمع و حذيفة و طلحة.

وقال مسؤول التغطية الإعلامية بمجموعة عمليات عمر المختار عبد الكريم صبره، في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية إن قوات الجيش تعكف على تطهير آخر نقطة تماس بين الجيش والجماعات المتطرفة والتي تبلغ مساحتها أقل من كيلو متر واحد.وبين صبره أن العناصر المتطرفة تستميت في الدفاع عن نقطة التماس الأخيرة بالمدينة القديمة متحصنة في عدد من المباني المهدمه موضحا أن تلك العناصر هي من الصف الأول في الجماعات المتطرفة وقد رفضت الاستجابة للدعوات الموجهة إليها بتسليم اسلحتها.

وصرح العميد أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، الأربعاء الماضي، بأنه تم القضاء على أبرز قيادات الإرهاب في درنة خلال الـ72 ساعة الماضية، مؤكداً أن "المعركة تقترب من نهايتها".وأضاف المسماري، في مؤتمر صحفي من بنغازي، أن "القوات المسلحة الليبية تقاتل الآن جماعة الإخوان ومجموعات إرهابية أخرى في مناطق جنوب البلاد، وتتقدم في درنة، وأن العدو أصبح محاصراً في منطقة صغيرة".

وشهدت الأشهر الماضية،سقوط العديد من قيادات وعناصر الجماعات التكفيرية في درنة التي شكلت خلال السنوات الماضية تهديدا كبيرا من خلال أنشطتها الإرهابية التي طالت ليبيا وجوارها.ومن أبرز القيادات الإرهابية التي سقطت،الإرهابي المصري هشام عشماوي،أحد أخطر قيادات الجماعات الإرهابية الذي مثل سقوطه،بحسب المراقبين ضربة قوية للإرهاب العابر للحدود.

أهمية التحرير

ومع اعلان التحرير الكامل،شهدت مدينة درنة فرحة عارمة،وونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن السكان المحليين،أن معظم أحياء المدينة قد شهدت مساء أمس احتفالات واسعة، شارك فيها الجنود وسكان درنة بمناسبة تحرير المدينة، التي كانت تعد آخر معاقل الجماعات المتطرفة هناك.وأطلق الجنود أعيرة نارية في الهواء احتفالا بالمناسبة، فيما كانت أبواق السيارات تدوي أيضا في معظم الشوارع.

ويمثل تحرير مدينة درنة حدثا كبيرا في الأوساط الليبية،فالمدينة الواقعة في الشرق الليبي،تعتبر من أجمل المناطق السياحية في ليبيا بسبب المناظر الخلابة التي تتمتع بها وشلالات المياه التي تزينها، وكانت وجهة مفضلة للسائحين بسبب المراكز الترفيهية والسياحية التي تزخر بها.وقد لقبها أهاليها بـ"درة المتوسط".ويمثل تحريرها ضربة موجعة للمتطرفين وأملا لليبيين في تحرير كامل البلاد.

ويرى مراقبون أن تحرير درنة يعني عودة كامل الشريط الساحلي لشرق ليبيا إلى سيادة الدولة، وغلق المنافذ أمام أية محاولات لاختراق المنطقة الشرقية عن طريق البحر، كما أنه قضى على آخر موقع لتجمع الإرهابيين في إقليم برقة، بعد أن كانت المدينة منذ 2012 منطلقاً لتصدير الإرهابيين الى سوريا والعراق ودول الجوار وكذلك لاستقبال إرهابيين عرب وأجانب.

وبعد أكثر من سبع سنوات مرّت على اختطافها من جانب الجماعات الإرهابية، يفضي تحرير مدينة درنة لتحولات استراتيجية مهمة في المشهد الليبي،فالمدينة التي أطلق عليها اسم قندهار ليبيا، ومثّلت أول إمارة تابعة لتنظيم القاعدة على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط،وكانت مصدر قلق تجاوز ليبيا الى دول المنطقة عموما، عادت إلى حضن الوطن بعد أن دحرت الارهاب ليكون تحريرها انتصاراً لمشروع الدولة وكسرا لمشروع التطرف.