هل تستطيع السلطات التنفيذية الليبية الكبرى ممارسة مهامها تحت سيطرة الميلشيات في العاصمة طرابلس ؟ عاد هذا السؤال ليطرح نفسه بقوة خلال الأيام الماضية بعد أن استأنف أمراء الحرب تحركاتهم للتجمع والتجييش والتحريض ضد المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بهدف إجبارهما على التراجع عن مواقفها سواء كانت سياسية أو متعلقة بالتعيينات في المؤسسات السيادية
ويرى المحللون أن الميلشيات التي لا زالت تحول دون فتح الطريق الساحلية بين شرق وغرب البلاد رغم التوافق الحاصل داخل اللجنة العسكرية المشتركة والقرارات الأممية والدعوات الصادر عن أغلب دول العالم ، باتت تهدد خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي وتبناها مجلس الأمن الدولي لحل الأزمة ، وهي تعمل بكل قوة لمنع توحيد المؤسسة العسكرية وترفض علنا إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة عن غرب البلاد ، إضافة الى سعيها الواضح لترهيب حكومة الوطنية بعد مواقف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش من ملف المسلحين الأجانب ، والمجلس الرئاسي على إثر قراره بتعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات العامة مقرب من قيادة الجيش
وفي هذا السياق ، انتقد عضو مجلس النواب سعد مغيب الحكومة على ممارسات الميلشيات ، وطالب بعدم صرف ميزانية لها ، قبل أن يكشف رئيسها عبد الحميد الدبيبة عن موقفه من أمراء الحرب والجماعات المسلحة ،
ودعا مغيب إلى إخراج الميلشيات من طرابلس وفتح كل الطرق التي تسيطر عليها ،مشيرا الى أمراء الحرب دخلوا في حالة من السكون المريب والغريب، بعدما نالت الحكومة الثقة، في مدينة سرت، ولم تخرجهم منها إلا تصريحات وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ثم قرار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بتعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات العامة.
واعتبر مغيب أن قادة الميلشيات كانوا ينتظرون معرفة توجه المجلس الرئاسي وبعض وزراء الحكومة، كما كانوا ينتظرون اعتماد الميزانية لكي يرجعوا إلى عاداتهم القديمة في ابتزاز الوزراء وتخويفهم والضغط عليهم بسبب ومن دونه تحت ما يسمى بالشرعية الثورية ، وأن أول ما سيتولون نهبه من الميزانية، هي الأموال التي طلبوا الحصول عليها مقابل فتح الطريق الساحلية.
وبدوره ، بين عضو مجلس النواب محمد العباني، أن انتشار السلاح وحمله من قبل جماعات لا تأتمر بأوامر الدولة، يزيد من سطوة المليشيات وعتو بارونات الحرب ومن اتساع رقعة الانفلات الأمني وانتشار الجريمة ،مشددا على أن “لا أمن ولا أمان ولا سلم ولا سلام في مدينة مدججة بالسلاح يمتشقه أشخاص خارج سلطة الدولة” ،ومعتبرا أن وجود مليشيات في مدن معينة يخرجها عن القدرة على استيعاب سلطة الدولة التي تحتاج إلى بيئة آمنة لتتفاعل وتنتج
وفيما سجلت الأيام الماضية عودة قادة الميلشيات الى استعراض قوتهم من خلال اجتماعاتهم الحاشدة على موائد الإفطار في مدن كمصراتة والزاوية وغريان والعاصمة طرابلس ،والى تصعيد اللهجة ضد المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية ، عادت الأصوات المنادية باعتماد مدينة سرت عاصمة مؤقتة للبلاد ، لترتفع من جديد ، مبررة موقفها بأن عمل مؤسسات الدولة من داخل طرابلس يواجه صعوبات جمة ، ومن أبرزها إصرار الميلشيات على التدخل في القرارات السياسية والمالية والاقتصادية وفي التعيينات الحكومية على غرار ممارساتها خلال السنوات الماضية
وطالبت عضو اللجنة القانونية بملتقى الحوار آمال بوقعيقيص بأن ينتقل مقر حكم السلطة التنفيذية الى مدينة سرت، حتى لا تكون تحت سلطة المليشيات المسلحة ، وخاطبت الرئاسي والحكومة بالقول :«سرت مقر الحكومة ، فلا تكابروا ، والحقيقة ساطعة فلا تجعلوا انفسكم تحت سطوة الغوغاء»
وفيما شدد المحلل السياسي رضوان الفيتوري على أن انتقال حكومة الدبيبة إلى سرت بات مطلبا وطنيًا ملحا إذا كان رئيسها عبد الحميد الدبيبة يريد أن يسير بحكومته الى بر الأمان وإلى إجراء الانتخابات ، اعتبر مراقبون أن اعتماد سرت كعاصمة مؤقتة كان مطروحا بقوة قبل ملتقى الحوار السياسي بتونس في نوفمبر الماضي ، سواء من قبل رئيس البرلمان عقيلة صالح أو من القوى الوطنية والأطراف الدولية بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة، لكن تعهدات القوى المؤثرة في طرابلس بعدم المساس من السلطات الجديدة سواء من قريب أو من بعيد أطاحت بالفكرة ، الى أن تبين مؤخرا أن الميلشيات عادت الى ممارساتها الاستفزازية ، فيما أكد رئيس الحكومة أن هناك من يعمل على الدفع بالبلاد الى الحرب من جديد ، في تزامن مع تقارير عل محاولات قوى الإسلام السياسي وحلفائهم العمل على عرقلة الجهود المبذولة لإجلاء القوات الاجنبية والمرتزقة و تأجيل الانتخابات المقررة للرابع والعشرين من ديسمبر القادم
ومع عودة الدعوة الى إنتقال السلطات التنفيذية الى سرت ، أصدر مجلس الوزراء قرارا بإنشاء صندوق سيادي لإعادة إعمار المدينة ، ويقضي باعتبار مدينة سرت شخصية اعتبارية ولها ذمة مالية مستقلة بقيمة مليار دينار ( حوالي 240 مليون دولار ) كما ينص على أن يكون الصندوق تابعا لمجلس الوزراء ومقره مدينة سرت.