خلال التطورات الأخيرة في ليبيا وضعت اليونان نفسها في حالة تأهب دبلوماسي، بعد تعزيز تركيا لوجودها العسكري وإصرارها على مساندة رئيس حكومة الوفاق فائز السراج في المعركة ضد الجيش الليبي. وتأتي التحركات اليونانية وسط توترات بين الطرفين بدأت خاصة عقب توقيع أردوغان لاتفاقية "تعاون" يُسمح لتركيا من خلالها بالتحركة على كامل المياه الإقليمية بين البلدين بكل ما يمكن أن يؤدي ذلك من انتهاك للسيادة الليبية.

يذكر أن أثينا تعتبر أن الاتفاق باطل وينتهك القانون الدولي، وترى أنه ينطوي على سوء نية ومصمم لتقويض تطوير عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط وزعزعة استقرار المنافسين، بما فهمت منه اليونان سوء النية التركية، وقد أيدتها في ذلك قبرص التي تشاركهما أيضا في سواحل المتوسط.

التحركات اليونانية بدأت على أعلى مستوى وسط حديث عن أخبار تشير إلى تساهل للناتو مع تركيا بحجة الضغط على الدور الروسي في ليبيا وهو الذي تعارضه أعلب الدول الغربية المتخوفة دائما من نوايا موسكو، حيث نوقشت هذه الملفات بين وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح خلال مكالمة هاتفية جرت بينهما الخميس حسبما نقلت وسائل إعلام يونانية.

كما أشارت المصادر نفسها إلى أن الرجلين أكدا الحاجة إلى حل سلمي للأزمة وشددا على أهمية تعيين مبعوث خاص جديد للأمين العام للأمم المتحدة في أقرب وقت ممكن، وإلى ضرورة الالتزام بحظر الأسلحة وإدانة صفقة الحدود البحرية بين تركيا وحكومة طرابلس باعتبارها اتفاقية باطلة ومصدرًا لعدم الاستقرار.

وأضافت المصادر إلى أن صالح قدّم للمسؤول اليوناني تصورات للحل السياسي في ليبيا يتم من خلالها منح التمثيلية للأقاليم وتعيين لجنة خبراء لصياغة دستور البلاد الجديد. وكان دندياس قد تواصل مع السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند بطلب من الأخير من أجل الحديث حول آخر التطورات التي تعيشها الساحة الليبية، خاصة أن الأمريكان هم الصوت الخافت في الأزمة الليبية أو هم اللاعب في الكواليس والمنتظر لرجوح الكفة من أجل اتخاذ الموقف وهذه عادة عند الأمريكيين.

في غضون ذلك، عبرت أثينا يوم الجمعة الماضي عن احتجاجها على الممارسات التركية بسبب تحديها للسيادة اليونانية في منطقة في الجزء الجنوبي من نهر إيفروس واستيلاء قوات تابعة لها على أرض عند مجرى النهر الذي يفصل بين البلدين وبعد تغيير في قاع النهر بسبب الفيضانات الأخيرة، وهو ما نفته أنقرة زاعمة أن "مجرى النهر تغير بشكل كبير لأسباب طبيعية واصطناعية، منذ العام 1926 حين أقيمت الحدود، وأن الحل يتطلب تنسيقا تقنيا."

من جانبه قال وزير الدفاع اليوناني نيكوس باناجيوتوبولوس يوم الجمعة إن "المناورات الخطيرة" التي تقوم بها تركيا في بحر إيجه لا تؤدي إلى علاقات حسن الجوار و "تزيد من خطر وقوع حادث"، مشيرا إلى أن سلوك أنقرة الأخير قد أثير مع الناتو، باعتبارها يؤشر إلى توتر قادم محتمل قد ينتهي إلى نتائج غير محسوبة العواقب وقد يتضرر منها الجميع.

تركيا اليوم لم تعد متدخلا في الشأن الليبي فقط، هي اليوم حالة إشكال حتى مع جيرانها الأوروبيين في عدد من المسائل. أنقرة برئاسة رجب طيب أردوغان تعيش حالة من الغرور التي ستؤدي بها نحو منزلقات خطيرة عليها وعلى الدول المتدخلة الأخرى. الغريب في كل ذلك أن الغرب في إطار التحالف الدائم معها يعاملها بمنطق الرضى دون أخذ في الاعتبار خطورة ذلك على أمن الإقليم، وخاصة المنطقة العربية التي ترتع فيها على أكثر من واجهة في ظل وجود حلفاء إسلاميين يحلمون بأنه ستقودهم نحو مجد لم يجدوه في السابق.