في ظل التطورات المتواصلة في الساحة الليبية والتي ياتي في مقدمتها اقتراب موعد الانتخابات المزمع عقدها في 24 ديسمبر / كانون الأول القادم،احتضنت فرنسا، الجمعة 12 نوفمبر الجاري،مؤتمرا ضم العديد من الدول المهتمة بالشأن الليبي بهدف الدفع من أجل دعم الاستحقاق الانتخابي القادم والتأكيد على ضرورة إخراج القوات الأجنبية من البلاد، وانهاء الصراع السياسي المتنامي الذي يهدد بإفشال عملية سلام مستمرة منذ عام.
وجاء مؤتمر باريس قبل أسابيع قليلة من موعد إجراء الانتخابات العامة بليبيا في محاولة أخيرة للدفع نحو الاستقرار والسلام ببلد عانى ويلات الحرب لعقد من الزمن.وبحث الاجتماع العديد من القضايا والملفات الشائكة وعلى رأسها إجراء الانتخابات، وانسحاب القوات الاجنبية والمرتزقة، وحشد الجهود الدولية لدعم الاستقرار في ليبيا.
ودعا المجتمعون في مؤتمر باريس حول ليبيا في بيانهم الختامي،إلى التزام لا لبس فيه لكل الأطراف الليبية بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعدها المقرر، ودعمهم جهود مفوضية الانتخابات لإنجاح هذا الاستحقاق، وهددوا بفرض عقوبات على من يعرقل الانتخابات.
وأكد البيان "أهمية التزام كل أصحاب المصلحة الليبيين بشكل لا لبس فيه بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر وفق ما نصت عليه خارطة الطريق وقرارات مجلس الأمن، ونشيد بالخطوات الفنية لمفوضية الانتخابات، بما فيه تسجيل 2.8 مليون ليبي على القوائم الانتخابية".
وشدد البيان على أن "الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها الذين قد يحاولون عرقلة العملية الانتخابية أو تقويضها أو التلاعب بها أو تزييفها سوف يخضعون للمساءلة، وقد يتم إدراجهم من قبل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن".
وشهد مؤتمر باريس الذي عقد برئاسة مشتركة فرنسية إيطالية ألمانية توسيع دائرة الدول المشاركة وخصوصا المعنية بالشأن الليبي،إضافة إلى الأمم المتحدة.ودعيت 30 دولة ومنظمة للمؤتمر، بينها دول جديدة معنية بالأزمة الليبية مثل تشاد والنيجر ومالطا، بحيث أنه أصبح أوسع من سابقه الذي عقد في برلين، بحسب ما نقلت تقارير اعلامية عن مصدر رئاسي فرنسي.
وحرص قادة الدول المشاركة في المؤتمر على تاكيد دعمهم للانتخابات والاستقرار في ليبيا،وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "لقد تم بالفعل اتخاذ خطوة أولى بإعلان اللجنة العسكرية الليبية المشتركة أمس سحب 300 من المرتزقة لمغادرة ليبيا. هذه مجرد بداية، لكنها بداية أساسية تعطي المصداقية في النهاية".
بينما عبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن املها أن يتم الانتهاء من الاستعدادات للانتخابات وقبول نتائجها، مضيفة أنه "لا يمكن للجميع الفوز، هذا هو حال الانتخابات، وخاصة بالنسبة لهذه العملية الهشة".وتابعت ميركل قائلة إن "ألمانيا مستعدة لتدريب كتيبة من مراقبي وقف إطلاق النار الليبيين في ألمانيا، لأن موضوع الأمن سيكون على جدول الأعمال لبعض الوقت".
كذلك حض الأمين العام للامم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كل الأطراف السياسية الليبية على المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية قائلا إنها "الخطوة المقبلة الضرورية على الطريق نحو السلام والاستقرار".وقال غوتيريش في كلمة عبر الفيديو أمام المؤتمر: "أدعو كل الأطراف الليبية إلى المشاركة في العملية الانتخابية واحترام نتائج الانتخابات".
وعبر رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، عن أمله في إقرار هذا القانون الانتخابي وأن تعمل جميع الأحزاب معا في الأيام المقبلة لإجراء انتخابات في 24 ديسمبر.فيما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الليبيين إلى طرد "كل أجنبي ودخيل" من بلادهم.
وقال السيسي، في كلمته أمام المؤتمر التي نشرها المتحدث باسم الرئاسة المصرية، إنه "لا يمكن لليبيا أن تستعيد سيادتها ووحدتها واستقرارها المنشود إلا بالتعامل الجاد مع الإشكالية الرئيسية التي تعوق حدوث ذلك، والمتمثلة في تواجد القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب على أراضيه".
وقوبلت مخرجات مؤتمر باريس بترحيب من المجلس الرئاسي الليبي الذي أعرب في بيان له عن تثمينه جهود المجتمع الدولي في الوقت الذي يتطلع فيه مواطنوه لرسم مستقبل بلادهم.وقال المجلس، في نص بيانه: "إن مؤتمر باريس الذي اختتم أعماله أول أمس الجمعة، يأتي في وقت مفصلي يتطلع فيه مواطنوه لاستقرار دائم ينعمون فيه بالأمن والحياة الكريمة والتعايش السلمي، لاستعادة القرار الوطني وتعزيز السيادة الوطنية وإنهاء حالة التشرذم والانقسامات والتدخلات الأجنبية السلبية.
وأشاد "الرئاسي الليبي" بجهود المجتمع الدولي، وبما توصل إليه المؤتمر، مشددًا على 5 نقاط أساسية للمرحلة المقبلة، حتى الانتقال السلمي للسلطة في ليبيا،ابرزها التأكيد على أهمية إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة وفقًا لما هو مقرر، وتثمين الرئاسي لجهود المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ومساعيها لإنجاح العملية الانتخابية في كل أنحاء البلاد.
كما أشاد المجلس بجهود ونتائج أعمال اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، وخطواتها لوضع خطة شاملة لانسحاب كامل لجميع المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية.وشدد المجلس الرئاسي، في نقاط بيانه، على أهمية الجهود الدولية للمساعدة في تأمين ومراقبة العملية الانتخابية،مشددا على تمسكه وسيره بخطى ثابتة لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة اجتماعيًا وسياسيًا، بما يحقق توحيد الصف وطي صفحة الماضي.
وبالرغم من التفاؤل الذي احدثته مخرجات مؤتمر باريس فان الخلافات السياسية مازالت تطرح نفسها بقوة في الساحة الليبية حيث أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، رفضه لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالقوانين التي أصدرها البرلمان.وقال الدبيبة في كلمة، خلال إشرافه على تأسيس المجلس الوطني للشباب، إن "الشعب الليبي يريد الانتخابات، لكن ليس بالقوانين المعيبة والمفصلة على مقاس بعض الأشخاص، بل بقاعدة دستورية يتفق عليها الجميع".
واضاف الدبيبة أنه "لا يمكن أن نرضى بهذا القانون المعيب"، مشيراً إلى أن الانتخابات "تمر بمشكلة كبيرة جداً".واتهم الدبيبة أطرافاً لم يسمها بخلق صعوبات من أجل عرقلة إجراء الانتخابات، مضيفاً أن الليبيين يريدون برلماناً نزيهاً وانتخابات تقوم على قوانين عادلة.وتابع: "يريدون ليبيا في مفترق طرق، ونحن نريد الانتخابات بقاعدة دستورية واضحة يتفق عليها الجميع".
 ولا يزال الخلاف الحاد بين القوى السياسية في ليبيا حول القاعدة الدستورية للانتخابات العامة المزمع عقدها في 24 ديسمبر المقبل، يمثّل أهم تحدّ تواجهه البلاد قبل الانتخابات وخاصة بعد صدور نتائجها.وفي وقت سابق، حرض رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على حصار مؤسسات الدولة وطالب بمنع مرشحين محتملين من خوض الانتخابات المقررة نهاية العام.
كما أعلن قادة مجموعات مسلحة غرب ليبيا رفضهم لقانوني انتخابات الرئيس الليبي ومجلس النواب المقبلين.وهدد قادة قادة "عملية بركان الغضب" في بيانهم، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وأعضاء من مجلس النواب، مدعين أنهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن العواقب "الخطيرة التي قد تنسف بالكامل ما تحقق من خطوات إيجابية داعمة للاستقرار وبناء الثقة والتخفيف من حدة الاستقطاب بين الليبيين".
وكعادته سارع مفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني،الى دعوة الميليشيات المسلحة للخروج إلى الساحات من أجل منع الانتخابات عن طريق حمل السلاح.وطالب الغرياني،المقيم في تركيا، خلال ظهور تلفزيوني له عبر قناة "التناصح"، من وصفهم "بالقوة الفاعلة والثوار والوطنيين والأحرار" إلى الاجتماع وتوحيد الصفوف، وأن يصدروا "بياناً قوياَ مصحوباً بقعقعة السلاح" وأن "لا يسمحوا أبدا بالانتخابات"،وفق زعمه.
ويحرض المفتي المعزول على مقاطعة الانتخابات ومنعها في ليبيا،وكذلك قيادات تنظيم الإخوان، الذين يرفضون إجراء الانتخابات  بتعلة رفضهم القوانين التي أصدرها البرلمان واعتمدتها المفوضية العليا للانتخابات، ويرفضون كذلك ترشح سيف الإسلام القذافي لها وكذلك قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، كما توعدوا الناخبين الراغبين في المشاركة بها.
وأعلنت ميليشيات مسلحة غرب ليبيا رفضها لترشح سيف الإسلام القذافي إلى الانتخابات الرئاسية، وحملت المفوضية العليا للانتخابات مسؤولية ما سيترتب عن قبولها مطلب ترشحه، كما هددت بغلق المراكز الانتخابية، وحذرت الليبيين والمجتمع الدولي من أن هذه الانتخابات ستعود بليبيا إلى الدائرة الأولى و سينتج عنها حرب لا تعرف مداها ولا نتائجها.
وخرجت مليشيات في مدينتي الزاوية والزنتان إلى الشوارع وقامت باستعراض عسكري بالأسلحة الثقيلة والصواريخ، والقى هذا التطور الضوء على حالة الفوضى الامنية التي يشهدها الغرب الليبي وهو ما سيكون له تأثيرات كبيرة على الانتخابات القادمة بحسب الكثير من المتابعين للشأن الليبي ويهدد بعودة العنف ونسف العملية السياسية.
كما يستمر التعنت التركي حيث يصر نظام أردوغان على تجاهل القرارات الدولية وبدا ذلك واضحا مع غيابه عن مؤتمر باريس فيما سارع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين غداة مطالبة مؤتمر باريس بضرورة خروج القوات الاجنبية والمرتزقة من ليبيا الى اعتبار حضور بلاده العسكري في ليبيا "قوة استقرار".
وقال كالين لوكالة فرانس برس: "أحيانا يثير حلفاؤنا هذه القضية كما لو كان الوجود التركي المشكلة الرئيسية في ليبيا، الأمر ليس كذلك(…) نحن هناك كقوة استقرار ولمساعدة الشعب الليبي".وأضاف "عسكريونا هناك بموجب اتفاق مع الحكومة الليبية. لذلك لا يمكن وضعهم في مستوى المرتزقة الذين جيء بهم من دول أخرى،وفق زعمه.
ويعتمد النظام التركي على اتفاقات سابقة وقعها مع حكومة الوفاق لمحاولة شرعنة بقائه في ليبيا والسعي للسيطرة على ثرواتها النفطية بما يخدم مصالحه،وبالرغم من المليارات التي نهبها النظام التركي خلال الفترة الماضية عبر صفقات أسلحة واتفاقيات مشبوهة،فان الحقول النفطية تبقى المنطقة الأهم في مخططات أردوغان وأطماعه.
ويشير المتابعون للشأن الليبي،أن تركيا تخشى من فقدان حلفائها في طرابلس للسلطة فيما لو اتجهت ليبيا الى استحقاقات انتخابية قادمة لو نجحت المشاورات الحالية.ولذلك يسعى النظام التركي لتصعيد  استفزازاته أملا في اعادة مسلسل الاحتراب بما يضمن استمرار وجود حلفائه من تيار الاسلام السياسي والمليشيات الموالية لهم والمسيطرة على غرب البلاد.