نشرت وكالة بلومبرج المتخصصة في التحليلات الاقتصادية والسياسية تقريرا تحدثت فيه عن مستقبل قطاع النفط في ليبيا بعد تسع سنوات من الصراع والعديد من المبادرات الإقليمية والدولية لإحلال السلام. 

وقالت بلومبرج بعد سنوات من النكسات والبدايات الزائفة عادت ليبيا إلى لعبة النفط. وأدى الجمود في المعارك بين القوات المسلحة التي تقاتل للسيطرة على الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك إلى هدنة غير مستقرة ما اعاد معظم الحقول والموانئ التي كانت مغلقة بسبب القتال إلى العمل .

وانتهى الحصار الذي فُرض على العديد من منشآت الطاقة في البلاد الشهر الماضي وتعمل المؤسسة الوطنية للنفط الليبي على زيادة الإنتاج بوتيرة أسرع مما توقع العديد من المحللين. وتجاوز الانتاج نصف مليون برميل يوميا للمرة الاولى منذ يناير. استأنف حقل الشرارة -أكبر حقول ليبيا- الضخ ، وأصبحت سبع من محطات التصدير التسعة مفتوحة الآن أمام الناقلات لتحميل النفط. إذا تم تنفيذ الهدنة فقد يصل الإنتاج إلى مليون برميل يوميًا بحلول مارس. 

ويبقى تساؤل ما إذا كانت ليبيا قادرة على الحفاظ على الانتعاش والبناء عليه؟ مطروحا على الساحة. لا تزال البلاد بعيدة عن ضخ 1.2 مليون برميل يوميًا التي كانت تزودها قبل حصار يناير ناهيك عن ضخ بقيمة 1.8 مليون برميل قبل أحداث 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل معمر القذافي وأثارت قرابة عقد من الصراع والقتال.

وتعثرت الجهود المتكررة للتوسط في سلام دائم بين حكومة فايز السراج المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر. لكن الخصمين مددوا الهدنة يوم الأربعاء مما وفر شعورا نادرا بالاستقرار لواحد من أكثر منتجي النفط الذين دمرتهم الحرب في العالم.

ما هي كمية النفط التي يمكن أن تضخها ليبيا هذا العام؟

وضخت ليبيا 80 ألف برميل يوميًا في أغسطس وهو أقل كمية منذ تسع سنوات. وفضل استئناف العمل في حقل الشرارة فهي تورد الآن نفطًا أكثر من العديد من نظيراتها في منظمة البلدان المصدرة للنفط. ويضخ حقل الشرارة في غرب ليبيا 160 ألف برميل يوميًا وقد يصل إلى 300 ألف الأسبوع المقبل ، وفقًا لشخص مطلع على الوضع.

ولم يتم إعادة تشغيل حقل الفيل لقريب. نظرًا لأن الفيل يعتمد على الكهرباء من جاره الأكبر-حقل الشرارة-  فإن الحقل الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 70 ألف برميل يوميًا يتبع عادةً دورات تشغيل الشرارة ومن المرجح أن يستأنف قريبًا. ومن المقرر أن يبدأ حقل أبو عطيفل الشرقي  والذي يمكن أن ينتج 70 ألف برميل يوميًا الضخ الأسبوع المقبل. ويرى المحللون أن الإنتاج سيصل إلى مليون برميل يوميًا بنهاية العام.

هل يمكن أن تحافظ على زيادة الإنتاج؟

قبل الإغلاق في يناير كان لدى ليبيا خطط طموحة لزيادة الإنتاج إلى 1.5 مليون برميل يوميًا هذا العام وأكثر من 2 مليون بحلول عام 2024. تبدو هذه الأهداف صعبة بشكل خاص الآن نظرًا للحالة المتدهورة للبنية التحتية النفطية في البلاد.

وصرح رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط ، مصطفى صنع الله  لبلومبرج في يونيو أن إصلاح رؤوس الآبار وحدها سيكلف أكثر من 100 مليون دولار. وأدى الافتقار إلى خدمات اليانة الأساسية للصواميل والمسامير إلى تآكل خطوط الأنابيب وانهيار صهاريج التخزين. إن المؤسسة الوطنية للنفط تعاني من ضائقة بسبب السيولة التي تحتاجها للاستثمار ولا يساعد الانهيار في أسعار الخام العالمية وسط جائحة فيروس كورونا. إن العودة إلى السلام ستمكّن الشركة على الأقل من تلبية احتياجاتها الأكثر إلحاحًا.

ماذا تعني عودة ليبيا لأسواق النفط؟

من المؤكد أن الزيادات الإضافية في الإنتاج الليبي ستهز أوبك وحلفائها مثل روسيا والمكسيك. في ضوء الحرب الأهلية في البلاد أعفىها تحالف أوبك + من تخفيضات الإمدادات التي سنتها المنظمة في مايو لتعزيز أسعار النفط. لا يزال النفط الخام منخفضًا بنحو 35٪ هذا العام. بينما لا يدعو أحد في أوبك علنًا ليبيا للانضمام إلى تخفيضات الإنتاج فإن البراميل القادمة من الدولة الواقعة في شمال إفريقيا تضغط على أسعار النفط في الوقت الذي تقوض فيه قيود الفيروس في العديد من البلدان الطلب على الوقود.

هل سيسود السلام؟

أثبتت السنوات التسع الماضية من الاضطرابات أن تدفقات النفط الخام الموثوقة من ليبيا مستحيلة بدون استقرار سياسي. ومن القضايا الرئيسية التي لم تحل بعد بين الجيش الوطني الليبي والحكومة في طرابلس هي تقاسم عائدات النفط بين الشرق والغرب. دعا المشير حفتر إلى توزيع أكثر إنصافًا للثروة وهو مطلب دفعه في البداية إلى إغلاق الحقول والموانئ.

قالت الأمم المتحدة يوم الأربعاء إن الخصمين اتفقا على إعادة هيكلة حرس المنشآت النفطية وهي القوات المسلحة المكلفة بحماية المنشآت النفطية في البلاد. تم تشكيل الوحدة شبه العسكرية في الأصل لحماية البنية التحتية النفطية لكنها تحولت إلى قوة منعت موانئ التصدير وسط الصراع الليبي الأوسع. يمكن أن تكون صفقة إعادة تنظيم الحرس خطوة مهمة نحو زيادة إنتاج النفط الخام والصادرات.

وتجتمع الأطراف المتنافسة الليبية في جنيف حتى 24 أكتوبر في جولة رابعة من المحادثات العسكرية بهدف إنهاء الحرب الأهلية.

قال المحلل السياسي كريستوف بوتجيتر من جنوب إفريقيا "نتوقع استمرار وقف إطلاق النار مما يعني أن استئناف الأنشطة العادية في الموانئ ومنشآت التخزين المتبقية ليس سوى مسألة وقت"، مضيفا "نحن أقل تفاؤلاً بشأن احتمالية التوصل إلى صفقة أكثر شمولاً واستمرارية".