تُمثّل جماعة "بوكو حرام" أحد أهمّ الحركات الجهاديّة في غرب إفريقيا ,و التي تتّخذ من منطقة بورنو شمال نيجيريا معقلاً لها ,و التي أصبحت تُمثّل خطرًا حقيقيًا يؤرق الحكوم النيجيريّة و الدّول المجاورة كالكاميرون و النّيجر و على المصالح الغربيّة في المنطقة خاصة منذ تولّي زعيمها الحالي "أبوبكر شيكاو" القيادة في 2009 على أعقاب وفاة زعيمها السّابق محمّد يوسف على يد الشّرطة النيجيريّة بعد إلقاء القبض عليه أثناء أحداث ثورة يوليو/تمّوز من نفس العام التي خاضتها الجماعة ضد الحكومة المركزيّة ,فشيكاو و منذ تولّيه إمارة الجماعة قام بتوسيع نطاق عمليّاتها لتشمل المصالح الغربيّة بالتفجير و العمليات الإنتحاريّة و الخطف آخرها القس الفرنسي جورج فاندنيوش و الذي أفرجت عليه الجماعة بداية العام الحالي بعد أسابيع من الرّهن "لأسباب إنسانيّة" و بدون مقابل مادي .
عند نشأتها في العام 1995 كانت الجماعة تُعرف بإسم "أهل السُنّة و الهجرة" و قد أسّسها "أبوبكر لوان" في جامعة مادوجيري في مدينة بورنو شمال البلاد قبل أن يسافر في العام 2002 إلى الملكة العربيّة السّعوديّة لإتمام دراسته في "العلوم الشّرعيّة" ,ليتسلّم قيادة الجماعة في نفس العام محمّد يوسف و لتأخذ معه المنظمة أسماء متعدّدة منها "المهاجرون" "طالبان نيجيريا" "بوكو حرام" "جماعة أهل السُنّة للدّعوة و الجهاد" ,و لتتحوّل معه أيضًا إلى جماعة جهاديّة تتبنّى العنف و خيار المواجهة المسلّحة مع الحكومة النيجيريّة الشيء الذي لم تُعرف به في عهد مؤسّسها لوبان .
و كلمة "بوكو حرام" تعني في لغة الهوسا "التّعليم الغربي حرام" ,و هي التّسمية التي لا يبدو أنّ الجماعة تُحبّذها من وسائل الإعلام عند الحديث عنها لأنها تفضل استخدام إسم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد",ففي بيان لنائب أمير الجماعة معلّم سانس عمّار صدر في أغسطس/آب 2009 قال هذا الأخير :"إن اسم جماعة بوكو حرام لا يعنى بأي حال (التعليم الغربي حرام)، كما يستمر الإعلام الكافر في تصويرنا؛ بل يعني أن (الحضارة الغربية محرمة). ويكمن الفارق في الانطباع الذي يخلفه المعنى الأول الذي يعطي الانطباع أننا كجماعة نعارض التعليم الرسمي الآتي من الغرب وهو أمر غير صحيح؛ بل يعني الاسم الحقيقي للجماعة اعتقادها في سمو الثقافة الإسلامية (وليس تعليمها). لأن مفهوم الثقافة شامل يشمل التعليم؛ ولكن لا يحدده التعليم الغربي" .و منذ تسلّم محّمد يوسف في العام 2002 قيادة الجماعة أصبح العنف و العمليات الجهاديّة هي المنهج الذي تعتمده لبلوغ هدفها المتمثّل في قلب نظام الحكم العلماني في نيجيريا و إقامة دولة إسلاميّة تُطبّق الشّريعة في البلاد حيث قامت في :
-24 ديسمبر/كانون الأوّل 2003 بهجوم إستهدف مراكز شُرطة و مباني عامة و منشآت حكوميّة في مدن وجيام و كناما في ولاية يوبي .
-العام 2004 حصل تحوّل مهم في تاريخ الجماعة حيث أعلنت تأسيس قاعدة في قرية كانما شمال يوبي أطلقت عليها إسم قاعدة "أفغانستان" الشيء الذي جعل منها ركزًا لإستقطاب الشباب و الطلاّب و تتحوّل الى مركز جهادي كبير .
-21 ديسمبر/كانون الثاني 2004 قامت الجماعة بمهاجمة مركز شُرطة في باما و غورزا في ولاية بورنو أسفرت عن مقتل عدد من رجال الشّرطة و سرقة ذخائر و أسلحة .
و تواصلت العمليات من هذا النّوع من 2002 حتّى يوليو/تمّوز 2009 حين اشعلت الجماعة حركة ثوريّة كبيرة و انتفاضة مسلّحة ضد الحكومة المركزيّة في الولايات الشمالية الخمس: بوشي، بورنو، كانو، كاتسينا ويوبي حيث إستمر القتال من 26 إلى 30 الشّهرنفسه ذهب ضحيّتها اكثر من 1000 شخص معظهم من أفراد "بوكو حرام" التي تمكّنت السلطات خلال هذه المواجهات من إعتقال عدد كبير من مقاتليها و على رأسهم أميرها محمّد يوسف الذي قتل في ظروف غامضة اثناء إعتقاله الأمر الذي جعل الحكومة عرضة للعديد من الإنتقادات المحليّة و الدّوليّة لتصوغ الحكومة فيما بعد رواية أنّه لم يقتل تحت التعذيب أو الإستنطاق بل أثناء محاولته الهروب من السّجن .

"شيكاو" الزّعيم الجديد و تطوير المناهج :

بعد وفاة محمّد يوسف في 2009 أعلن الرّجل الثاني في التّنظيم "أبوبكر شيكاو" نفسه أميرًا للجماعة التي دخلت معه طورًا جديدًا من التّنظيم و التكتيكات و وسّعت من دائرة المواجهة لتشمل المصالح الغربيّة ,و صار الإعتماد كبيرًا على العمليات الإنتحاريّة ,الأسلوب الذي لم تعتمده الجماعة من قبل ,ففي :
-السادس عشر من يونيو/حزيران2011 :شنت الجماعة أول هجوم انتحاري لها على الإطلاق ضد المركز الرئيسي للشرطة في العاصمة الاتحادية أبوجا الذي نفّذه الإستشهادي محمد مانجا (35 عامًا) العمليّة التي أصبحت تُعرف منذ ذلك الحين بهجمات 16/6. 
-26 أغسطس/آب2011 :قامت بهجوم إنتحاري إستهدف مبنى الأمم المتّحدة في أبوجا أسفرت عن قتل 23 شخصًا و جرح العشرات الآخرين ,العمليّىة التي فهمها الجميع على أنّها "تدويل" للمعركة التي تخوضها الجماعة ,العمليّة التي نفّذها الإستشهادي محمد أبو البرا (27 عامًا) .
-4 نوفمبر/تشرين الثاني2011 :نفّذت الجماعة هجوما إستهدف مقر فرقة القوات المشتركة في مايدوجوري، ولاية بورنو شمال البلاد أسفر عن وفاة أحد الجنود و منفّذ العمليّة أبو يوسف البالغ من العمر 26 عاما .
-8 مارس/آذار 2012 :هجوم إنتحاري يستهدف كنيسة كاثوليكيّة في ولاية جوس وسط نيجيريا أسفرت عن 8 قتلى .
-26 إبريل/نيسان2012 :عمليّة انتحاريّة إستهدفت ساحة فيها مقار مجموعة من الصّحف في ولاية كاندو أسفر عن مقتل 3 أشخاص و جرح 25 آخرين 
-30 إبريل/نيسان2012: هجوم إنتحاري إستهدف موكب مفوض شرطة تارابا بجلينغو ولاية تارابا ,أسفر عن مقتل 11 شخص .
و في الفترة ما بين يونيو/حزيران2011 ونوفمبر/تشرين الثاني2012، نفّذت "بوكو حرام" قرابة الثلاثين هجومًا انتحاريًا على الأقل في شمال نيجيريا، وكان لولاية بورنو النصيب الأكبر من تلك الهجمات.
كما بدأت الجماعة تحت إمرة "شيكاو" بتوسيع عملياتها الى مناطق خارج شمال نيجيريا الذي يُعتبر مجال نُفوذها و حاضنتها الشّعبيّة .وقد أعلنت الحكومة النيجيرية في نوفمبر 2012 أنها ستمنح مبلغا قدره 50 مليون نايرا (ما يعادل 317 ألف دولار) للذين يدلون السلطات عن مكان أبوبكر شيكاو و الذي أدرجته الحكومة الأمريكية إضافة إلى اثنين من قيادات الجماعة وهما أبو بكر آدم قنبر وخالد البرناوي على قائمة الإرهابيين في يونيو / حزيران 2012 .

أسئلة الهيكلة و التّنظيم و العضويّة و التّمويل :

تعتمد "بوكو حرام" ككل الجماعات الجهاديّة على هيكل تنظيمي هرمي بستّ مستويات يبدأ بالقمّة كمستوى أوّل حيث "أمير الجماعة" المنصب الذي يشغله الآن و منذ 2010 أبوبكر شيكاو و الذي خلف فيه الزّعيم السّابق للجماعة محمّد يوسف .
-مستوى ثاني :و فيه نائبا الأمير الأوّل و الثّاني.
-مستوى ثالث :و فيه أعضاء مجلس الشّورى المتكوّن من 18 عضوًا .
-مستوى رابع :القادة الميدانيون على مستوى الولايات .
-مستوى خامس :القادة الميدانيون المحليون .
-مستوى سادس :الخلايا القاعديّة التي تقوم بالعمليات العسكريّة و الإستعلاميّة الميدانيّة المباشرة على الأرض.
و يُذكر أنّ شيكاو قد قام عند تولّيه "الإمارة" و في إطار منهجه التكتيكي الجديد بتخفيف حدّة هذه المركزيّة في القرار المتمثّلة في ضرورة العودة دائمًا الى قمّة الهرم ,بإعطاء الكثير من الصّلاحيات لقيادات الخلايا القاعديّة و منحهم حريّة أكثر في إتخاذ القرارات و التخطيط .
و يصعب فعلاً تحديد و إحصاء أعضاء الجماعة و لكنّ إمتدادها "الجغرافي" يشمل كلّ ولايات الشّمال النيجيري التسعة و تتوسّع كذلك الى خارج البلاد في مناطق من النيجر و التشاد و الكاميرون ,إلاّ أنّ قواعدها في سوادهم الأعظم ينحدرون من أوساط إجتماعيّة متدنّية من أبناء الفقراء و العاطلين عن العمل ,و خاصة من أطفال الشّوارع المعروفين بإسم "الماجيريس" التي أُحصي منها في نيجيريا ما لا يقل عن تسعة ملايين ونصف مليون في العام 2010، وتتواجد نسبة 80% منهم في الشمال النيجيري ,وظاهرة "الماجيريس" عبارة عن عادة نيجيريّة شعبية قديمة يتم بموجبها إرسال الأطفال للتعلم على أيدي مدرسين مسلمين معروفين في بعض المدن في شمال البلاد و تكون ظروف الدّراسة صعبة للغاية تجعلهم عرضة للتجنيد من طرف الجماعات المتشددة. أما فيما يتعلّق بالتّمويل فإنّها تعتمد أساسًا على الأموال التي يضخّها رجال أعمال و ساسة و تجّار يتبنّون أفكار الجماعة ,كما تعتمد بصفة كبيرة أيضًا على أعمال التّهريب و تجارة البضائع المهرّبة و السّلاح عبر الحدود الشماليّة ,ومن المصادر الماليّة المهمة لــ"بوكو حرام" هي العمليات التي تستهدف البنوك و عمليات "الإحتطاب" إضافة إلى أموال الفدية التي يدفعها أهالي المخطوفين ,كما تملك علاقات واسع مع الجماعات الجهادية النّاشطة في منطقة السّاحل و الصّحراء .
و في سياق متّصل يطرح مراقبون مشروع تحالفات جديدة ممكن أن تعقدها الجماعة في المستقبل مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حتّى تصل حدّ المبايعة في إطار (مشروع توحيد الحركات الجهاديّة في إفريقيا تحت رايه واحدة و إمارة واحدة) و هو المشروع الذي طرحته قيادة القاعدة منذ العام 2007 و الذي كان من ثماره إنضواء "الجماعة السّلفيّة للدّعوة و القتال" بقيادة عبد المالك درودكال تحت لواء القاعدة لتصبح فرعاً لها في المغرب العربي و كان آخرها أيضًا التّحالف الذي عقدته جماعتي "الموقّعون بالدّماء" بقيادة الجزائري مختار بالمختار و حركة "التّوحيد و الجهاد" بقيادة المالي عماد آغة غالي تحت إسم جماعة "المرابطون" في يونيو/حزيران العام 2013 .