ركت حركة النهضة عديد المترشحين للرئاسة الطامعين في دعمها المباشر في التسلل بعد أن تركت الحرية لقواعدها لاختيار من يريدون من المترشحين في الدور الاول ، وهو موقف أربك عديد المترشحين وأولهم الرئيس المتخلي منصف المرزوقي الذي تفيد توقعات المراقبين حول عدد الأصوات التي يمكن أن يتحصل عليها من حزبه " المؤتمر من أجل الجمهورية وبقية الأحزاب الصغرى والجمعيات التي أعلنت مساندته أو يتوقع منها ذلك 250 ألف صوت دون أصوات النهضويين ، وهي حصيلة لا يمكن أن تضعه في الدور الثاني ٠

يذكر التونسيون ما صرح به الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي بعد خروجه من مكتب الاقتراع بالقنطاوي ، يوم 26 أكتوبر الماضي  في اتجاه بعض المواطنين الذين رفعوا شعار ديقاج في وجهه ، اذ قال لهم انه عائد اليهم بمعنى انه سيعود لهم رئيساً دائماً ، وكان وقتها يحس بثقة في الفوز كان يستمدها من قوة حزبه " المؤتمر" وبعض الجمعيات  " الثورجية "التي استمالها وأدخلها القصر ، وأيضاً من دعم منتظر من " شعب " النهضة ٠

هذه الثقة تحولت الى ارتباك واضح تجلى في التشنج الواضح في خطاب المترشح الحريص على تمديد بقائه في القصر ، والذي لم تجلب زياراته واجتماعاته غير مئات من الأنصار ، اضافة الى أن  قيادة" النهضة " لم تدع الى مساندته ودعمه وتركت الباب مفتوحا لقواعدها٠

ويعلم المرزوقي وعديد المترشحين والمراقبين أن النهضة ، ورغم أنها " لاعب احتياطي " في سباق الرئاسية ،فإنها يمكن أن تفتح باب القصر عن بعد لمن تريد أو على الأقل أن تقلص من قوة أبرز المنافسين ، فهي تمتلك خزانا يحمل 900 ألف صوت ، تقدر من خلاله على توجيه السباق وإمكانية إنهائه في دورته الأولى ٠

لكن هذه القوة ليست بيد القيادة ولا يمكن لها أن تتحكم فيها كلها،  رغم الانضباط المعروف لدى الأحزاب العقائدية ، فللنهضة أجنحة ومجموعات متباينة  لا تخفى على من يعرف الحركة من الداخل ، وان تبدو موحدة ويحكمها الولاء ل " المرشد "٠

ارتباك المرزوقي الأخير يتأتى من تضخم الانتقادات الموجهة اليه باعتبار اعتماده على مجموعات نادت بالقتل والسحل وهددت  المنافسين بالعنف ، وهو ما تجلى يوم الاحد الماضي في شارع بورقيبة ، وفي اجتماعات أخرى ، اضافة الى تصريحات من عناصر أجنبية دعت التونسيين من قطر الى انتخاب المرزوقي ونشرت كتابات وصور في هذا الشأن ٠

الاحراج والتوتر يتأتى أيضاً من ملاحظات وتشكيات من بعض الاطراف من استعمال المرزوقي لوسائل وتمويلات عمومية في حملته الانتخابية ، وهو أمر بيد مجلس هيئة الانتخابات ، الذي يملك وحده قرار ان كان ذلك يدخل في خانة التجاوزات ٠

وجاء اجتماع " الشيخين " السبسي والغنوشي وحديثهما عن الانتخابات الرئاسية والحكومة القادمة ليقلص من حجم الحلم بالدعم " الأزرق " للمرزوقي وبالتالي حلم البقاء في قرطاج ، لأنه يعلم أن السنوات الثلاث التي قضاها في القصر أساءت الى الصورة التي سوقها لنفسه كرجل حقوقي جاء من الشعب لخدمته وللحفاظ على وحدة التونسيين ووحدة البلاد ، وبالتالي فان أصوات أنصار حزبه وبعض الأحزاب الصغرى التي أعلنت دعمه لا تكفي وان صراع البقاء تحسمه قواعد النهضة فقط ٠

فهل يتحقق حلم المرزوقي ويستمر في قرطاج وبالتالي يتواصل الاستقطاب الثنائي الذي طبع المشهد السياسي التونسي وانعكس على نتائج الانتخابات التشريعية ؟

الإجابة قد تكون مبكرة قبل أسبوعين من دخول الناخبين الى مكاتب الاقتراع لاختيار ساكن قرطاج المقبل محتكمين فقط الى ضمائرهم وحرصهم على اختيار شخصية قادرة على إنقاذ البلاد من أزمة شاركت أنتجتها منظومة 23 أكتوبر بدرجة أساسية ؟