شهدت مدينة درنة الواقعة في الشرق الليبي،حالة من عدم الاستقرار وغياب الأمن بعد أن استوطنتها التنظيمات الارهابية طيلة سنوات تخللتها حروب ومعارك طاحنة.ومع نجاح الجيش الليبي فى استئصال جذور الإرهاب منها وإنهاء سيطرته عليها،تسعى المدينة الجميلة الى نفض غبار الارهاب والحروب والعودة مجددا الى البناء واستعادة بريقها من جديد.

ففي مدينة درنة،تتواصل جهود الجيش الليبي لتأمين المدينة من مخلفات الارهاب الذي عايشته طيلة السنوات الماضية،حيث كشف آمر قوات سلاح الهندسة العسكرية التابع للجيش الوطني الليبي في منطقة الجبل الأخضر، شرقي البلاد ، العقيد محمود بوحقفه، عن إتلاف كميات كبيرة من مخلفات الأسلحة العسكرية للإرهابيين في مدينة درنة شرق البلاد.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن بوحقفه إن "الكمية الموجودة لدى قوات سلاح الهندسة العسكرية في الجبل الأخضر تعد كمية كبيرة ولم تتلف جميعها نظراً لقوة الانفجار الذي ستخلفها"، وتابع: "قمنا بإتلاف المجموعة الأولى والتي تفوق السبعون قذيفة من مختلف الأنواع وتم تفجيرها على مرحلتين".مشيرا الى أن "تلك المخلفات من الأسلحة هي عبارة عن دانات متنوعة وكانت تستعملها الجماعات الإرهابية في التفخيخ في مدينة درنة وضواحيها".

ويسعى الجيش الليبي لتأمين المناطق التي كانت تتمركز فيها العناصر الارهابية حيث تتواجد مخلفات حربية تشكل خطرا على المدنيين.وأوضح آمر قوات سلاح الهندسة العسكرية أنه "لازالت الجهود متواصلة في الوديان المحيطة بمدينة درنة وكافة المناطق التي كانت تشهد اشتباكات عدة قبل تحريرها من قبل قوات الجيش الوطني الليبي".

وعادت الحياة من جديد الى مدينة درنة التي شهدت الأحد الماضي،انطلاق فعاليات مهرجان درنة الزاهرة الثاني.وقالت اللجنة المنظمة، إن افتتاح المهرجان كان على خشبة المسرح الوطني بالمدينة، وكانت أولى أعماله "زيارة ذات مساء" للكاتب "عبد العزيز الزني"، والمخرج "حسن مكائيل" وبطولة الممثل "رمضان العريبي".وأضافت عبر صفحتها أن المهرجان سيستمر حتى السابع من نوفمبر الحالي وذلك بحضور كبير من الفنانين ونجوم المسرح والتلفزيون من جميع المدن الليبية.

وتسعى السلطات في شرق البلاد لإعادة احياء المدينة،حيث خصصت رئاسة الوزراء بالحكومة المؤقتة،في أكتوبر الماضي،مبلغ 4 ملايين دينار لصيانة فرع جامعة عمر المختار بمدينة درنة.ومنحت رئاسة الوزارء في قرار بالخصوص الإذن ، لجهاز تنمية وتطوير المدن التابع لها، بمباشرة اجراءات التعاقد بطريق المناقصة المحدودة لتنفيذ مشروع الصيانة.

كما افتتحت الحكومة المؤقتة ،أقسام الباطنية بمستشفى الوحدة درنة المركزي التعليمي.وقام وزير الصحة في الحكومة الليبية الدكتور سعد عقوب،في الخامس من أكتوبر الماضي،بجولة داخل أقسام المستشفى ،التي تبلغ سعة سريرية للأقسام إلى " 60" سريرًا.و تعهّد عقوب بتقديم الدعم الكامل عن طريق وزارة الصحة، لكل أقسام المستشفى، بما يضمن تقديم أفضل الخدمات الطبية للمرضى، من بينها: قسم غسيل الكلى، وقسم النساء والولادة.

الجهود الحكومية رافقتها جهود فردية لاعادة اعمار مدينة درنة،حيث قام عدد من المتطوعين بمدينة درنة بصيانة أحد أهم معالم درنة الجامع الكبير او ما يعرف عند الدراونة بالمسجد العتيق وذلك بالمجهودات الذاتية من رجال الأعمال والمتطوعين.وأكد أحد المشرفين على أعمال الصيانة في تصريح خاص لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"،في أكتوبر الماضي أن المسجد تضرر بعد الحرب الحاصلة مؤخرًا في مدينة درنة ضد التنظيمات الإرهابية المختلفة وذلك لوقوعه وسط المدينة القديمة.

وأطلق ناشطون ليبيون في فبراير الماضي حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #إيدينا_في_إيدين_بعضنا_نبنوها"،دعوا فيها إلى إعادة بناء المنازل ومعالم المدينة، التي شوهتها الحرب، من ضمنها سوق الظلام، والبياصة الحمراء، والمسجد العتيق.ودعا الشباب في حملتهم التي أطلقوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى التركيز على ترميم المدارس والمؤسسات الخدمية لتشجيع مواطني المدينة إلى العودة إليها.وأصبح عدد المشاركين في الحملة، يزداد ويشهد إقبالا من شباب المدينة الذين اضطهدوا، أبان تواجد داعش ومجلس الشورى في درنة.

ويشير مسؤولون ليبيون الى تحسن الأوضاع في درنة بعد انهاء سيطرة التنظيمات الارهابية عليها،وكان وزير الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الموقتة عبد الهادي الحويج،قام بزيارة إلى المدينة،في يونيو الماضي قال خلالها إن المدينة "تعيش الآن الحياة الطبيعية"، معلنا أن الحكومة المؤقتة بدأت في عملية إعادة إحياء المدينة اقتصاديا بعد استعادتها من قبضة تنظيمي القاعدة وداعش من قبل قوات الجيش الليبي.

وأوضح المكتب الإعلامي للوزارة، أن زيارة الحويج تأتي بهدف توجيه رسالة إلى العالم بأن هذه المدينة لطالما حاربت اَي فكر متطرف،داعيا كافة دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية الحكومية وغير الحكومية الى تحري الصدق وعدم نشر الأخبار التي لا تعبر عن واقع الحال لمدينة درنة ما بعد التحرير وما تشهده من تحسن أمنى واقتصادي ملحوظين.

وتعتبر مدينة درنة الواقعة في الشرق الليبي،من أجمل المناطق السياحية في ليبيا بسبب المناظر الخلابة التي تتمتع بها وشلالات المياه التي تزينها، وكانت وجهة مفضلة للسائحين بسبب المراكز الترفيهية والسياحية التي تزخر بها.وقد لقبها أهاليها بـ"درة المتوسط"،قبل أن تقع في فخ التنظيمات الارهابية التى إستغلت حالتي الفراغ السياسي والأمني لتجعل من المدينة مركزا رئيسيا لتجميع وتدريب العشرات من الإرهابيين الذين شكلوا تهديدا أمنيا في ليبيا والمنطقة بصفة عامة.

وظلت مدينة درنة خلال السنوات الماضية، ورقة مهمة في أيدي المتطرفين الذين جعلوا منها مركزا لتجمع عناصرهم ومنطلقا لشن العمليات الإرهابية داخل وخارج ليبيا.وقد خضعت المدينة الساحلية، التي تبعد بألف كيلومتر عن العاصمة طرابلس،لسيطرة "مجلس شورى مجاهدي درنة"، ويضم ميليشيات إسلامية متشددة،والذي نجح في السيطرة عليها،منذ يوليو 2015، بعد معارك دموية مع تنظيم داعش،الذي سارع حينها بتعويض خسارته لدرنة بالسيطرة على سرت لأكثر من سنة.

وشهدت المدينة منذ مايو/أيار الماضي،معركة عسكرية،تتالت فيها إنتصارات الجيش الوطني الليبي،وإنتهت بإعلان التحرير،الذي فتح الباب أمام عودة الحياة الطبيعية للسكان، في أعقاب طرد المجموعات الإرهابية ودك معاقلها في أغلب مناطق المدينة الساحلية الواقعة شرقي البلاد.وأشار مراقبون إلى أن نجاح العمليات في درنة أفقد التنظيمات الإرهابية موقعاً استراتيجياً مهماً.

ويأمل سكان درنة التي كانت مركزاً للأدب والثقافة والفنون والحياة بأن ترجع أفضل من السابق علها تمحو سنوات الظلام العجاف،وهي ذاتها الآمال التي تتوق اليها كل المدن والمناطق الليبية،حيث يأمل الليبيون في انتها الصراعات والانقسامات بين الفرقاء السياسيين وتوحيد الصفوف من أجل تطهير كامل الأراضي الليبية واستعادة لطة الدولة بما يضمن ارساء الأمن والاستقرار ومواجهة التحديات القائمة.