27 عاما مضت على رحيل الرئيس الخامس لبوركينا فاسو وزعيم الثورة البوركينية "توماس سانكارا" 1984- 1987).. انسياب سريع للزمن لم يمح هذه الشخصية من ذاكرة أنصاره أو "السنكاريين" الذين ما يزالون إلى اليوم - على تفرّقهم - يحيون ذكرى مقتله، ويتبنّون إرثه الإيديولوجي في صياغة أحزابهم وأهدافهم، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية القادمة.. ويتشبّث هؤلاء بمعارضتهم لترشّح الرئيس الحالي "بليز كمباوري"، أحد أصدقاء سانكارا، لولاية رئاسية جديدة عبر استخدامه لورقة التعديل الدستوري للمادة التي تقف في طريق ترشحه في انتخابات العام المقبل.. معارضة تبقى نتائجها رهن الوزن السياسي الذي أصبح عليه أنصار "سانكارا" بعد أكثر من ربع قرن على رحيله.

الإرث السياسي للزعيم "سانكارا"  الذي توفي 15 أكتوبر 1987، تبلور من خلال ظهور أحزاب، انطلاقا من العام 1991، اتّخذت من تلك الشخصية المناهضة للرأسمالية رمزا ونموذجا احتذت به.

أكثر القيادات السياسية المعارضة تمثيلا للزعيم الراحل، هو بلا منازع "ستانيسلاس بينيويندي سانكارا"، مؤسّس "الاتّحاد من أجل النهضة"، الحزب "السانكاري" الأبرز في بوركينا فاسو.. ورغم التشابه في الألقاب بين الشخصيتين، إلاّ أنّه لا قرابة دم تجمع بينهما، وتبقى وحده الجوار الإيديولوجي ما يربط بينهما.

قدّم "ستانيسلاس سانكارا" ترشّحه لرئاسيات العام 2005، إلاّ أنّ نصيبه من الأصوات كان مخيّبا لآماله باستعادة أمجاد "السانكاريين" في الحكم، حيث لم يحصل، حينها سوى على 4.94 % من الأصوات. والهزيمة ذاتها تكّبدها في انتخابات العام 2010 (6.3 %).. ورغم تواتر الهزائم، لم يفقد المحامي المتفائل أمله في النجاح، وهو، حاليا، بصدد شحذ أسلحته للمشاركة في المعركة الانتخابية المقررة في 2015.

غير أنّ فشل "سانكارا" الرفيق في الانتخابات الرئاسية قابله نجاح نسبي  في التشريعية، على الأقلّ مقارنة ببقية الأحزاب السانكارية،  ذلك أنّ حزبه "الاتّحاد من أجل النهضة" هو الوحيد من بينها الذي تمكّن من الحصول على 4 مقاعد في البرلمان البوركيني.

اليوم، وإثر التحوّلات الجذرية التي شهدتها بوركينا فاسو، لم يتبقّ من الزعماء التاريخيين الأربعة الذين ساهموا في تغيير النشيد الوطني واسم البلاد (من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو)، سوى "بليز كمباوري" الرئيس الحالي للبلاد، وهذا ما يفسّر هذا التداخل في الانتماءات للورثة السياسيين لـ "سانكارا" الرئيس السابق. فالبعض منهم ينتمي لأحزاب المعارضة، والبعض الآخر فضّل الانضمام لمعسكر السلطة. ومعظم الطبقة السياسية الحالية تنحدر من الثورة البوركينية. و"الأغسطسيين"، وهي التسمية التي ظهرت في علاقة باحتجاجات الرابع من أغسطس/ آب 1983، والتي قادها شقّ من الجيش ضدّ نظام الرئيس البوركيني الأسبق "جون بابتيست ودراوغو"، أو رفاق الأمس الذين توزّعوا، اليوم، على مجموعات متفرّقة.

ثمّ هناك أولئك الذين شكّلوا، فيما بعد، أحزابا سياسية، قالوا إنّها تهدف لـ "استكمال مشوار الرفيق الرئيس"، بينهم "إرنست ودراوغو" وزير الداخلية البوركيني السابق، والكاتب "جون هوبيرت بازييه"، وهو أيضا صديق الرئيس السابق "سانكارا".

وإلى جانبهم، يوجد أولئك الذين انسحبوا من المشهد السياسي، على غرار "عبد السلام كابوريه"، المسؤول السابق في "المجلس الوطني للثورة" (هيكل عسكري تمكّن من الوصول إلى السلطة في أغسطس/ آب 1983)، إضافة إلى "بيير ودراوغو" الرئيس السابق للميليشيات الثورية "لجنة الدفاع عن الثورة".

في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1987، أي عقب الانقلاب الذي قاده "كمباوري" ضدّ رفيق دربه في السلاح "توماس سانكارا"، اختارت الدفعة الأولى من "السانكاريين" الانضمام لصفوف الحاكم الجديد، فيما تريّث البعض الآخر، غير أنّهم سيلتحقون به في مرحلة موالية. وانتظم الشقّ الموالي لـ "كمباوري" صلب "منظمة الديمقراطية الشعبية وحركة العمل"، قبل أن ينظمّوا، في وقت لاحق، لبعض المنشقّين عن الأحزاب الأخرى، ويؤسّسوا "المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدّم"، الحزب الحاكم حاليا.

وإثر الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/ آيار 2002، في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد، حصلت معظم التيارات السياسية على مقاعد في البرلمان، فيما حصدت الأحزاب "السانكارية" 7 مقاعد، مسجّلة بذلك أوّل انضمام لها للسلطة التشريعية في بوركينا فاسو.

ومنذ ذلك الحين، تكثّفت الجهود الرامية إلى توحيد الأحزاب "السانكارية" المعارضة ، إلاّ أنها لم تتمخّض عن نتائج تذكر، ليحافظ بذلك الورثة السياسيون لـ "توماس سانكارا" على صدارة الترتيب في لائحة الأحزاب الأكثر انقساما ضمن الطبقة السياسية البوركينية.

"أرميل سوادوغو" من النشطاء "السانكاريين" القدامى، اختار الانسحاب من الساحة السياسية جرّاء ما تسبّبه له من إزعاج، عقّب على الموضوع قائلا "الإشكال الحقيقي الذي يواجه الأجزاب السانكارية يكمن في غياب زعيم قادر توجيه الأنصار، ففي الوقت الراهن، يوجد اكتظاظ على مستوى الزعامة".

وأضاف بأسف بأنّ تعدّد الأحزاب السانكارية "نجم عنه تشتّت القوى التي كان من المفترض أن تقود المعركة ضدّ النظام الحاكم، حتى أنّها كانت تتقاتل فيما بينها لأسباب مختلفة تحت أنظار الماسكين بزمام السلطة الساخرة والمتسلّية والراضية".

وفي خضمّ هذا التشتّت يأتي إحياء الذكرى 27 لمقتل الزعيم "توماس سانكارا"، ليخلق نوعا من التقارب بين القوى "السانكارية"، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في  نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.. فـ "السانكاريون" استغلّوا هذه الفرصة ليعربوا عن رفضهم لترشّح الرئيس البوركيني الحالي لولاية ثالثة، وهو ما يسعى الأخيره لتحقيقه عبر تعديل المادة 37 من الدستور، والتي تحدّ الولايات الرئاسية في بوركينا فاسو باثنتين.

ومن جملة الأحزاب المؤيّدة لـ "سانكارا" والبالغ عددها 6، لم تتمكّن سوى 3 أحزاب من الاتحاد ضمن  "الجبهة التقدمية السانكارية"، والتي خرجت للنور في 11 أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري، فيما من المنتظر أن تتّحد الأحزاب الثلاثة المتبقّية، في 25 من الشهر نفسه، في حزب "اتّحاد بوركينا الثوري"، والذي من المتوقّع أن يضمّ أحزاب "تحالف الديمقراطيين الثوريين" و"تقارب الأمل".

أمّا "الجبهة التقدمية السانكارية" فتضمّ أحزاب "الاتحاد من أجل النهضة"، و"المعاهدة الثورية الوطنية"، و"جبهة القوى الاجتماعية"، وقد تعهّدت بأن "تكون إلى جانب الشعب من أجل بديل سانكاري في العام 2015"، بحسب المحامي "سانكارا" والذي عيّن رئيسا لهذا التحالف.