تحصي وزارة الاتصال الجزائرية أكثر من 55000 صحفي يعملون ضمن القطاعين العام والخاص في مختلف وسائل الإعلام و لا يختلف اثنان كون عملهم الميداني لا يتمتع بالحرية المطلوبة دائما خاصة إذا ما تعلق الأمر بفتح الملفات الرسمية أو التي لها علاقة بالمسؤولين و أصحاب النفوذ في البلاد لتبقى حمايتهم الأمنية و القانونية ابعد مما تشير إليه القوانين المحلية بما فيها قانون الإعلام الجزائري. ومع تصاعد الأصوات الإعلامية بضرورة منح بطاقة الصحفي المحترف لتسهيل العمل الصحفي وكسب مزيد من الحماية دخلت العملية مخاضاً طويلا عسيراً بداء بتحديد و تأطير اللجنة القائمة عليها ووصولا إلى ماهية مستحقيها من أبناء المهنة.

ما ذا تعني بطاقة الصحفي المحترف.

لا عجب أن تلاحظ اللبس لدى بعض الصحفيين أنفسهم بخصوص ما ستقدمه هذه البطاقة من إضافة لهم و كذا عن آليات التحضير لها. ورغم أن البطاقة المهنية بلاحدود أخذت ومنذ زمن طويل مكانا لها في عالم الصحافة العالمية بما فيها تغطية الأحداث الدولية إلا أن الترقيم الدولي للصحفي الجزائري لا يُعرف له وجود كما أن تنظيم عمل ابناء المهنة و منتسبيها من صحافة عمومية و خاصة ومستقلين. فقد جاءت في مشروع مسودة الوزارة الوصية المنظم تسليم هذه البطاقة في مادته  18  شروط تسليمها من خلال تقديم بيان يثبت ممارسة المهنة في النشرية أو النشريات التابعة للصحافة المكتوبة أو الإلكترونية ووكالات الإعلام أو مؤسسات الاتصال السمعي البصري كيف ما كانت، ونسخة مصادق عليها من عقد العمل الذي يربطه بالمستخدم، وفي حالة الصحفي المستقل اشترطت المادة تقديم "تصريح شرفي يثبت من خلاله أن الصحافة مهنته الأساسية والمنتظمة ومصدر كسبه أو تقديمه رقم التعريف الجبائي"، كما شددت المادة على ضرورة " التعهد باطلاع اللجنة عن كل تغيير يطرأ على وضعيته المهنية التي قد ينجر عنها تعديل في التصريحات و التي بموجبها منحت له اللجنة البطاقة المهنية"، وجاء في الفقرة الأخيرة من المادة 18 تقديم "تصريح شرفي بإعادة البطاقة الوطنية إلى اللجنة في حالة فقدان صفة الصحفي المحترف". وعن الفئات الأخرى التي يحق لها الحصول على البطاقة، نصت المادة 28 من المسودة المقترحة على "حق الصحفيين المحترفين المحرومين من العمل لأسباب خارجة عن إرادتهم الحصول على بطاقة وطنية للصحفي المحترف وتكون محل أحكام تحددها اللجنة"، كما يحق للصحفيين المتقاعدين الملتمسين لطلب هذه البطاقة، وكذا الشخصيات الوطنية التي ساهمت في تطوير الصحافة الجزائرية والصحافة بصفة عامة الحصول على بطاقة وطنية شرفية للصحفي المحترف التي تكون محل أحكام خاصة تكميلية تحددها اللجنة"، وفي حالة الصحفي الأجنبي الذي يعمل لحساب جهاز صحفي جزائري حددت المادة 21 ضرورة حصوله "مسبقا على بطاقة العمل المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما".

و حددت المسودة المرفوعة إلى الإعلاميين والصحفيين عبر ثلاث جهات وطنية للمداولة والنقاش صلاحية البطاقة ب 4 سنوات قابلة للتجديد وعن إمكانية سحبها فقد جاءت المواد 16 و 23 و 24 لتأخذ فيها اللجنة بعين الاعتبار قرارات وآراء المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة في عملية السحب و تبليغ المعني قبل قرار السحب والتعليق أو الرفض في أجل أقصاه شهر ابتداء من تاريخ التبليغ، لتقديم التوضيحات التي يراها مناسبة فيما أعطي المعني بالقرار  حق الاعتراض على قرار اللجنة بالسحب أمام لجنة خاصة بالطعون تجتمع مرة واحدة في السنة.

السلطة المقص الرقيب على الإعلام

يجمع المتتبعون لشأن الجزائري أن السلطة أحكمت قبضتها على دهاليز كل المؤسسات الاعلامية العامة والخاصة منذ استقلال البلد عام 1962 على الرغم من تبني مبدأ التعددية الإعلامية منذ بداية تسعنيات القرن الماضي بعد التعدد الحزبي والسياسي في الجزائر اثر أحداث أكتوبر 1988 وما تلاها. وقد يستثنى في ذلك السنوات الأولى لهذه التجربة التعددية بعدما فقدت أجهزة الدولة الأمنية ممثلة في خلية الإعلام التابعة للمخابرات توازنها المرحلي موازاة مع فوز الجبهة الاسلامية للإنقاذ المنحلة بمحليات و تشريعيات جوان 1992 حين عرفت الصحافة المكتوبة وحتى التلفزيون الرسمي الحكومي وقتها قفزة في مستوى التعاطي مع الأحداث بما فيها السياسية، لكن أجهزة الدولة الأمنية سرعان ما أعادت إحكام  السيطرة من جديد للتدخل هيمنة السلطة على الإعلام مرحلة أخرى أعمق بعد سنة 2000 وهي السنة الأولى من حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي رفض فتح المجال السمعي البصري إلى غاية آخر سنة من نهاية عهدته الثالثة والتي زامنت ما يعرف بالربيع العربي على الرغم من ثورة عالم الإتصال الكبيرة بقنواته الفضائية المتعددة وتكنولوجياته المتسارعة. وكان بوتفليقة قد  أعلن  في بدايات حكمه انه رئيس تحرير وكالة الأنباء و التلفزيون وهو ذات سياق الذي انتهجته قبل ذلك خلية الاتصال بجهاز المخابرات الجزائري منذ التعددية الإعلامية التي مست قطاع الصحافة المكتوبة منذ أكثر من عقدين من الزمن في شكل حرية صورية تتعدد فيها النشريات والمجلات والصحف دون وجه حرية التعبير في كر وفر بين الجانبين الغالب فيهما دوما أجهزة الدولة التي وكأخر حل بعد تأزيم عمل المطابع وتوجيه الإشهار للإعلام المنضوي تحت لوائها تكون المتابعات القضائية على غرار ما حدث لهشام عبود السنة الماضية و منعه من السفر و توقيف صحيفته "جريـــــــــــدت" و"مونجورنــــال" من الصدور بعد  نشره أنباء وصفها النظام بالخاطئة حول صحة الرئيس لما كان في رحلة العلاج إلى "فال دوغراس" الفرنسية قبل صيف 2013. 

 و تأخر فتح المجال السمعي البصري بالجزائر كثيراً بالنظر إلى إمكانيات البلد المالية والبشرية. و يعتقد مراقبون أن التأجيلات المتكررة لإصدار قانون السمعي البصري، تتعلق برغبة السلطة بإرجاءه إلى ما بعد وضوح الرؤية السياسية للمرحلة المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في إبريل 2014 ومنها تسمية رئيس جديد قد يختلف في الرؤى مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي احكم الإغلاق على القطاع ورفض تسمية فتح المجال.

فتح المجال أمام قنوات تلفزيونية خاصة

بارك الرأي العام الجزائري فتح قطاع السمعي البصري من خلال قنوات تلفزيونية اختصت بعضها في الأخبار، ويتابعها المشاهد الجزائري منذ أكثر من سنة تقريبا من خلال  12 قناة تهتم بالفن والسياسة والاجتماع وآخري متخصصة كعالم الطفل ممثلة في قناة "جرجرة" وعالم المرأة والطبخ من خلال قناة سميرة وغيرها في انتظار تدعيمها بأخري سنة 2014. و تتابع هذه القنوات رغم أن الإطار القانوني لها كمؤسسات لم يمرر رسميا عبر البرلمان من خلال تحديد القانون النهائي الذي يحكمها ومنها صدور قانون السمعي البصري إلا أنه وبحيلة مباركة من السلطات الجزائرية سجلت لدى وزارة الاتصال الوصية كونها قنوات أجنبية تعمل في الجزائر بفروع ومكاتب، ووجدت نفسها تضطر إلى بث برامجها من الخارج كالأردن في عمل أشبه برحلات "الترانزيت" وهو ما أثر على نوعية الصورة التي تقدمها والتزام برامجها بالأوقات المحددة لها ناهيك عن المضامين التي خلقت بعضها جدالا اجتماعيا كبيرا تجلى في مواقع التواصل الاجتماعي. وبالمقابل تم مقايضة ما تقدمه هذه التلفزيونات الخاصة بهدنة ضمنية مع السلطة في وقت يرى فيه العامة من المواطنين أن ما تثيره بعض البرامج الإخبارية السياسية والاجتماعية عين الحرية والانفتاح وعلى النقيض من ذاك يرى متتبعون من رجال الإعلام المحليين أنه وبدل أن تثري هذه المساحات الجديدة الساحة بموضوعية وجرأة تكون قد ساهمت بما تقدمه في دفن المغزي الحقيقي من فتح قطاع السمعي البصري بالجزائر وأظهرت تلبية المطلب الشعبي الملح بفتحه في آن واحد وهو ما يصب في خانة تحكم السلطة وأجهزتها في القطاع عموما بشكل غير مباشر.

يرعى اعلاميون بارزون بقنوات خاصة أن ما يقدمونه الآن يلبي حاجيات كثير من المشاهدين الجزائريين على الرغم من قلة الإمكانيات ويعزون ذلك  لملل الجمهور الجزائري من مشاهد التلفزيون الحكومي بقنواته الخمس وبعد طول انتظار جعلهم يتوجهون الى قنوات عربية وفرنسية بدرجة اولى غالبا لا تفهم خصوصيهم ولا تعكس ثقافتهم.