بعد سنوات من تخلي الولايات المتحدة عن دورها السلبي المراقب في ليبيا بدأت الولايات المتحدة تستعيد تموقعها عبر الدخول المباشر  في اتهام موسكو بدعم الجيش الليبي، وتلميحها بإمكانية نشر قوات رقابية في تونس من أجل التغلغل في الساحة الليبية وسط توتر داخلي وإقليمي كبير، وهو الأمر الذي نفته موسكو في أكثر من موقع.

والحديث عن دور روسي في ليبيا حرك واشنطن، وأشارت تصريحات مسؤوليها إلى أن الوجود الروسي سيضعف هيمنة الناتو على البحر الأبيض المتوسط. وفي 26 من مايو ، ذكر موقع المونيتور، أن قائد القوات الجوية الأمريكية في أفريقيا، قال إنه إذا حصلت روسيا على قواعد ساحلية دائمة في ليبيا ، فإن "خطوتها المنطقية التالية ستكون إدخال أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى، وهو ما يمكن أن يشكل تهديدًا لوصول الناتو إلى جنوب المتوسط".

وفي تصريحات سابقة قال الجنرال في الجيش الأمريكي ستيفين تاونسند إنه "من الواضح أن روسيا تحاول قلب الميزان لصالحها في ليبيا". "تمامًا مثلما كانت تفعل في سوريا، وهي تسعى اليوم إلى التواجد العسكري في إفريقيا". لكن الروس حافظوا على ردود ضعيفة من قبيل ألاّ دور لهم في ما يحصل في ليبيا ومشيرين دائما إلى أن وجود مسلحين من جنسيات روسيّة لا يعني بأي شكل من الأشكال سياسة روسية مبرمجة.

وأشار مراقبون إلى أن تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا لا يمكن أن يكون حسب رغبة روسيا. فلروسيا مصالح سياسية واقتصادية قوية في ليبيا، وتسعى إلى تركيز موقعها وهي استراتيجية تتخوف منها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ومن غير المستبعد أن تتعاون واشنطن وأنقرة مع بعضهما البعض مؤخرًا.

وعند القول حلف شمال الأطلسي، يعني آليا الحديث عن الدول الأوروبية، التي وجدت في دخول واشنطن فرصة لتصفية حسابات مع موسكو لم تكن قادرة على إثارتها معها. ففرنسا وإيطاليا البلدان المتصارعان بدورهما على الساحة الليبية، لا يرضيهما أن تدخل قوة مثل موسكو قد تجدان صعوبات في وجود اتفاقات معها في المستقبل وعلى ذلك يسعيان إلى الاستنجاد غير المباشر بالولايات المتحدة لتخفيف الضغوطات عليهما.

وفي إحالة إلى التدخل الروسي في ليبيا عبرّت الرئاسة الفرنسيّة عن انتقادها بحجة مزيد توتير الأوضاع، مضيفة التدخل التركي في إطار صراع آخر حول المصالح في البحر المتوسط. وقالت باريس إن "هناك خطر انفلات الأزمة الليبية بسبب التدخلات الروسية والتركية والأخرى". والواقع أن باريس ومن ورائها بقية الدول في حوض المتوسط، تعيش حرجا في مواقفها، ففي الوقت الذي تصمت فيه على التدخلات التركية في ليبيا ومساهمتها الجوية في حسم بعض المعارك، تعبّر في جانب آخر عن انتقادها لها في التنسيق مع موسكو في بعض الملفات، وسط إشارات بأن الطرفين يخططان للعب دور مشترك يزيح بقية القوى الدولية.

في جانب آخر مازال الكثيرون لا يطمئنون للمواقف الروسية، حيث تحافظ على علاقة قوية بتركيا وهي على تنسيق متواصل معها في الأزمتين الليبية والسورية، ولعل زيارة نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى موسكو بالتزامن مع زيارة فائز السراج إلى أنقرة دليل على تنسيق ثنائي بين الجانبين.

وليبيا الغنية بالنفط مازالت تعاني صراعات كبيرة، منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي خلال تدخل حلف شمال الأطلسي عام 2011، حيث تعيش البلاد انقساما أثر حتى خارجيا لكن واشنطن وجهت سهامها في الفترة الأخيرة نحو موسكو وسط مخاوف من أن تفتك لها مصالح كانت تعتقد أنها مضمونة في المنطقة.