"رغم أن للوقت مكانة هامة في هذه الشعائر-فإنها بطرق عدة- تتجاوز حدود الزمان والمكان؛ لأنها تذكّر المسلمين على الدوام أنهم يتحركون بخطى ثابتة نحو النهاية الحتمية لمصيرهم على هذه الأرض وهو الموت، ومن ثم إلى الحياة التالية، وإلى نظام خلق مختلف جدًا عن نظامنا الدنيوي؛ حيث الزمان سوف يغدو غريبًا ووهميًّا"، بهذه الكلمات وصف جيفيري لانج، بروفيسور الرياضيات ومؤلف كتاب "حتى الملائكة تسأل"، رحلته إلى المشاعر المقدسة.

وقال لانج في كتابه: "يخبرنا القرآن أن نبي الله إبراهيم عليه السلام هو أول من أذن في الناس بالحج" ثم أكمل يقول: "عندما يؤدي المسلمون شعائرهم فهم يدركون أنهم لا يمارسون الدين وحسب الذي علمهم إياه النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل يعودون بذلك إلى الدين الحنيف الذي يتجاوز حدود الزمان والذي أنزله الله على جميع الأنبياء".

أثناء الحج، سمع لانج حديثًا جانبيًّا عندما كان ينتظر في طابور لاستخدام الهاتف، "قد يكون ألمانيًّا" تساءل الأول ثم رد الآخر، "لا، لابد أنه أمريكي". طلب ثالثهم أن يسألونه. عندها التفت لانج ورد بالإنجليزية "أنا أمريكي". ابتسموا وطلب أحدهم أن يسأله سؤالًا أجاب لانج بالموافقة مع أنه كان يعرف ما السؤال. سأله الشخص بابتسامة فضولية: "كيف أصبحت مسلمًا؟"
قال في كتابه "بدأت أخبره بقصة إسلامي في حين أخذ هو دور المترجم للجمهور الذي بدأ يتزايد من حولي. بعضهم كان يبتسم والآخر كان يتنهد وفريق منهم كان يومئ برأسه بالموافقة. بعض العيون التي كانت مثبتة عليّ أغرورقت بالدموع.
استغرق مني شرح الموقف نحو عشرين دقيقة، ثم إني أجبت عن بعض الأسئلة التي طُرحت علي مدة نصف ساعة. وأخيرًا كان دوري بالاتصال بالهاتف وقمت بمخابرة زوجتي. وعندما انتهيت من مكالمتي التفت إلى الجمهور ولوّحت بيدي مودعًا وقائلًا لهم: السلام عليكم، وكأنني كنت شخصية مهمة. أجاب الجميع بالقول: وعليكم السلام".

في أيام الحج التالية، تكرر المشهد مع كثير من الحجاج الفضوليين بنفس الأسئلة. في البداية لم يمانع لانج الأسئلة وكان يجيبها باهتمام مع بعض النكات. يذكر في أحد كتبه: "نادرًا ما يكون لديّ جمهور متحمّس كهؤلاء. ولكن سرعان ما بدأت أشعر وكأنني معروضة متحف، وأخذت أشعر بالملل من إعادة القصة التي بدأت أشعر أنها أصبحت بالية وقديمة من كثرة تكراري لها".

مع زيادة الأسئلة بدأت أجوبة لانج تتضاءل. شعر بحاجة أن يكون وحيدًا في مكان هادئ بعيدًا عن الناس. هذا بالطبع محال في الحج. أخذ يمثل أنه نائم حتى يدعه الناس وشأنه.

بعد إتمام حجه شعر لانج أن حجه ليس كاملًا وكأن هناك شيئًا ينقصه مما جعله يشعر بالإحباط.

ركب باصًا ليأخذه إلى منى. كان يبحث عن كرسي يمكّنه من الجلوس وحده ومشيَ مشيحًا بنظره للأمام لتفادي التواصل البصري مع الركاب. يذكر في كتابه "لقد سُئلت عن جنسيتي وإسلامي أكثر من مائتي مرة في الأسبوع الماضي. أما الآن فقد فاض بي الحال، وكنت مستعدًا كي أوجّه لكمة في وجه أي شخص يسألني عن ذلك بعد الآن".

استلقى على الكرسي وأغمض عينيه ودعا ربه ألا يكلمه أحد. عندما فتح عينيه لثانية، شاهد رجلًا في الكرسي الأمامي يحدّق به مع ابتسامة. أغمض عينيه وتمنى أن يبقى الشخص في مكانه. شعر بعد ثوان أن هناك شخصًا جلس بجواره. 

سأله الرجل بكل أدب السؤال المعتاد الذي تكرر عليه. أجاب في ٣٠ ثانية بكل برود وهو مغمض العينين. تكلم عن ماضيه وعن الأجوبة المنطقية التي وجدها في القرآن مما قاده للإسلام. عندها نظر خلسة نحو الرجل ليجده تأثر من قصته الباردة وسالت الدموع على خديه.

شعر لانج بالحرج وطلب المغفرة من الله على غروره. دعا ربه أنه يعطيه إيمان هذا الشخص الذي جعله يدرك عظمة الله بالرغم من الطريقة التي حكى فيها القصة. عرّف لانج بنفسه وتعرّف عليه. اسمه أحمد من بنجلاديش.

أخذ أحمد يصف يوم وصولهم وتهليل الحجاج "لبيك اللهم لبيك". وتعجبه من إبراهيم عندما أذن في هذا المكان. لم يسأل لماذا أنادي في هذا المكان الخالي. إيمانه جعله يجيب أمر الله ونادى في الخلاء. قال أحمد "ليت إبراهيم يشاهد اليوم الملايين من الحجاج القادمين من كل بقاع الأرض يلبون مناداته. ليته يرانا اليوم في هذا الباص المتجه إلى منى، أنا من بنجلاديش وأنت من الولايات المتحدة، نجلس إخوة".

أوشك لانج على البكاء إلا أنه قاوم. لقد عرف ما ينقص حجه. شعر أن حجه ينقصه مشاعر الأخوة والوحدة. أحس أنه سمح لنفسه أن يشعر بفوقيته و أنه قام بشعائر الحج على أنها شيء خاص ومن المفترض أن تكون عكس ذلك. عرف خطأه من كلام أحمد. عندما وصل الباص، قال لانج لأحمد "كنت محظوظًا بأن رأيتك يا أحمد، فليبارك الله فيك، والسلام علكيم ورحمة يا أخي أحمد" رد عليه أحمد "وعليكم السلام يا أخي جيفيري".