لا تكف ميلشيات حكومة فائز السراج عن  محاولاتها المستمرة لإشعال الحرب في زمن الكورونا  على مختلف محاور القتال سواء في طرابلس أو في طوق  مصراتة ، وذلك بخرقها المتعمد  للهدنة الإنسانية ، فما يهمها هو إستفزاز الجيش والدفع به الى رد قوي ، يدفع نحو إستئناف المعارك والعودة بها الى ما كانت عليه قبل 12 يناير الماضي ، ولعل في هجوم الأربعاء على قاعدة الوطية الجوية المتاخمة للحدود مع تونس ، الدليل الكامل على أن الأمم المتحدة والدول الكبرى لا تزال تعيش ذات الوهم الذي تورطت فيه منذ عقود ، وهو الوثوق في ميلشيات تحمل السلاح دون أي إنضباط أو وعي بالقوانين والاخلاقيات والأسس المرجعية للعسكرية كعمل يخضع لضوابط حرفية وتراتبية تجسدها الجيوش النظامية بإعتبارها تخضع لقيادات قابلة للمساءلة ، بينما تفتقد إليها الميلشيات التي عادة ما تتشكل من أفراد غير مهيئين لفهم القوانين الدولية أو للتعامل مع أخلاقيات الميدان ، بقدر ما يندفعون بغرائز البحث عن مكاسب سواء مالية أوسياسية أو إجتماعية أو خدمة مشاريع عقائدية أو حزبية أو جهوية أو فئوية أو طائفية كما هو الحال في دول عدة مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان

في ليبيا ، كل المعطيات تشير الى أن الأيام الماضية شهدت نقل المزيد من المرتزقة والسلاح من تركيا الى طرابلس ومصراتة ، في تحدّ معلن للقرارات والمواقف الدولية ، هناك إتفاق بين الميلشيات والراعي التركي وقوى الإسلام السياسي على أمرين مهمين وهما إستهداف تمركزات الجيش ، والإدعاء بأنه المسؤول عن إنهيار الهدنة ، فأحداث السنوات الماضية علمت الميلشيات والإخوان أن العالم لا ينتبه الى الحقائق الميدانية بقدر ما ينتبه الى من يصرخ أكثر ، ومن يتفوق على غيره في فبركة الأكاذيب وإعتماد التضليل الإعلامي وخاصة عندما يكون مدعوما من الممول القطري

تعمدت حكومة الوفاق تكوين مركز للعزل الصحي لمرضى كورونا في قاعدة معيتيقة الجوية التي تحولت الى مستعمرة تركية ، والتي يشهد جناحها المدني الإستمرار في نقل المرتزقة عبر رحلات جوية لم تنقطع حتى بعد الإجراءات الإحترازية التي أقرتها حكومة السراج للتوقي من الفيروس التاجي ، بينما بات جناحها العسكري مخصصا للخبراء والضباط الأتراك ، ولإطلاق الطائرات المسلحة على الأهداف العسكرية والمدنية ،هذا يعني أن على الجيش أن لا يستهدف تلك القاعدة وإلا أصبح متهما محليا ودوليا بتعمد قصف مقر لعزل مرضى كورونا

فتح مركز العزل الصحي تزامن مع الإعلان عن أول حالة كورونا أعلنت عنها وزارة صحة حكومة فائز السراج مساء أول من أمس ، وفي ذلك إشارة الى أن قاعدة معيتيقة المحتلة من قبل الأتراك ، أصبحت محصنة إنسانيا من الإستهداف العسكري ، لتنطلق ميلشيات أسامة الجويلي المدعومة بالمرتزقة بعد ساعات في الهجوم على قاعدة الوطية  الجوية الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني منذ العام 2014 ، والتي تعتبر أكر قاعدة من نوعها في البلاد ، والوحيدة غير المهيئة إلا للأعمال العسكرية ، عكس بقية القواعد التي تضم أجنحة للنشاط الجوي المدني

الجويلي الذي ينتمي الى مدينة وقبائل الزنتان قاد في هجوم أمس مسلحين محليين ومرتزقة سوريين وآخرين أفارقة لإستهداف قاعدة أغلب العاملين فيها من أبناء مدينته وقبيلته الموالين للجيش الوطني ، هذا وحده كاف لمعرفة ما يتم التخطيط له في الغرف المظلمة ، فالميلشيات تسعى الى تأجيج حرب أهلية حتى بين أبناء المنطقة وربما الأسرة الواحدة

كذلك ،وعلى جميع محاور القتال تقريبا تقوم الميلشيات المدعومة بمرتزقة أرودغان بالتحرش بالجيش ، يحدث هذا في عين زارة وطريق المطار وصلاح الدين والمشروع والهيرة والرملة ، جنوبي طرابلس ، وفي شرق وجنوب مصراتة ، بهدف جر القوات المسلحة الى خوض معركة ، يقول أمراء الحرب أنها باتت محسومة لفائدتهم بفضل الدعم التركي وآلاف المرتزقة الذين تم نقلهم من شمال غرب سوريا الى شمال غرب سوريا تحت أنظار العالم

لا تقف الميلشيات عند ذلك ، وإنما ترفع من وتيرة إرهابها بقصف الأحياء المدنية في ترهونة وقصر بن غشير ، ويخرج من بين قادتها من يقول أن هدفهم مسح مدينة ترهونة من على الأرض ، والسبب واضح وهو أنها الحاضنة الأساس لتمركزات الجيش في المنطقة الغربية ، وهي منطلق اللواء التاسع المعروف بدوره الحاسم في ساحة المواجهات

كما لا تتورع الميلشيات وجحافل المرتزقة عن  توجيه قذائف عشوائية الى مواقع ومؤسسات مدنية ثم إلقاء المسؤولية على الجيش ، هذا الأمر سبق وأن قامت به سابقا ، فدماء الأبرياء لا تعني شيئا لدى المؤدلجين والمرتزقة من محترفي الموت تحت شعارات الدفاع  عن الثورة والحرية والدولة المدنية ، كما أن المسلحين سبق وأن إستفادوا من فبركة الأحداث وتزوير الوقائع  منذ العام 2011 وخاصة على الصعيد الدولي الذي لا يزال متمسكا بالحكم على الأحداث من خارجها ،

خلال الأيام الماضية ، وصل الى الميلشيات والمرتزقة أمر تركي قطري بالدفع نحو الحرب ، وذلك لعدد من الأسباب منها ، أولا إعتقاد نظام أردوغان أن الجيش الوطني منهمك في الإشراف على تنفيذ إجراءات حظر الجولان التي فرضها في المناطق الخاضعة لسيطرته ، أي في أكثر من 90 بالمائة من مساحة البلاد ، وثانيا إنصباب إهتمام العالم كافة بما فيه الدول المؤثرة في الملف الليبي على أزمة كورونا وبالتالي ليس بوسعه إتخاذ أي إجراء مؤثر  يخص الوضع في ليبيا ، وثالثا لأن بقاء الجيش في مواقعه الحالية يمثل إنتصارا له عشية إحياء الذكرى الأولى لإطلاق عملية طوفان الكرامة في الرابع من أبريل القادم ، ورابعا لأن حالة الجمود الميداني ستدفع الى إستمرار غلق الحقول والموانيء النفطية بما يزيد من الضغط المالي والإقتصادي على حكومة السراج ، ومن ورائها على سياسة النهب الممنهج التي يعتمدها أردوغان في ليبيا

كما لم يعد خافيا أن عمليات الإستنزاف التي يمارسها الجيش تواصلت خلال الفترة الماضية وأدت الى مقتل أعداد من المرتزقة ، وإنهيار معنويات أعداد أخرى ، حتى أن ما لا يقل عن ألف مرتزق سوري  طلبوا علانية إعادتهم الى بلادهم ، كما بات واضحا أن هناك صراعا خفيا بين ميلشيات محلية  باتت ترى أنها مستهدفة من وزير الداخلية فتحي باشاغا وجماعات المرتزقة التي تمارس نوعا من المكابرة إضافة الى الحظوة التي تحظى بها ماليا ، وأصبح هناك من يؤكد أن تجاوز الحساسيات والخلافات بين الطرفين هو الدفع بهما معا لميادين القتال في حرب يراد لها أن تندلع في أقرب وقت

قد تندد الرئيسة المؤقتة للبعثة الأممية ستيفاني ويليامز بالعمليات العسكرية وتنادي بوقفها ، وتتبنى إدعاءات الميلشيات بأن الجيش الوطني هو من يخرق الهدنة أو يقصف المدنيين ، مثلما فعلت أول من أمس الثلاثاء في بيان عن إسهتداف سجن الرويمي بعين زارة ، ولكن الواضخ والمؤكد أن هناك دفعا للحرب الطاحنة ، وفق رهان تركي قطري إخواني ميلشياوي  على إستغلال الطرف المحلي والدولي وتحميل المسؤولية  في ذلك الى القيادة العامة للقوات المسلحة ، لن الرياح لن تجري بما تشتهيه سفن أردوغان ، لأن الجيش الليبي كذلك لديه مهمة يريد أن يتمها ، ولن يقف مكتوفي الأيدي أمام إستمرار العدوان على مواقعه وعلى السكان المدنيين في المناطق الموالية له

الهجوم الذي شنته مليشيات السراج ومرتزقة أردوغان أمس على قاعدة الوطية ، كان جزءا من مخطط توتير الأوضاع بشكل لا عودة فيه للهدنة الإنسانية ، وقيادة ما يسمى ببركان الغضب أعلنت أنها أطلقت عملية تحت مسمى غضب البركان لضرب الجيش وإخراجه من المواقع المحررة ، هذا يعني أن النظامين التركي والقطري قررا إعادة خلط الأوراق ميدانيا ، فهل ستندد الأمم المتحدة بذلك ، أم أنها ستنادي كالعادة بالتهدئة ، الى أن تعاود الميلشيات كرّتها ، ويستمر الوضع على ما هو عليه : إنضباط عسكري من الجيش ، إنفلات ميلشاوي ، تجييش تركي و تمويل قطري للمرتزقة ، وتخطيط إخواني جهنمي تدعمه حكومة السراج بعجزها على مواجهة حماتها من الغضب الشعبي

هاجمت  ميلشيات الجويلي قاعدة الوطية وهلل رئيس حكومة الوفاق فائز السراج للحدث وتبناه بقوة ، وقال المتحدث باإسم القيادة العامة أحمد المسماري في بيان له إن “السراج ونيابة عن الحاكم التركي في طرابلس يتبنى الهجوم الفاشل على قاعدة عقبة بن نافع الجوية بمنطقة الوطية والتي أطلق عليها عملية عاصفة السلام على غرار العملية التركية غصن الزيتون في شمال سوريا في الوقت الذي سبق وأن طالب بإيقاف القتال لظروف إنسانية للتصدي لوباء كرونا” . وأضاف المسماري “هذه هي تعهداتهم وهذه هي أكاذيبهم وتظليلهم لرأي العام” وتابع “هذا دليل نضعه أمام بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على عدم احترام حكومة السراج الغير شرعية للالتزامات الواجبة حيال الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني والقانون الدول لحقوق الإنسان والتقيد بمخرجات مؤتمر برلين” وتابع “نحن نضع هذا الأدلة أمام الليبيين أولا والمجتمع الدولي ثانيا”. لكن يبقى أن  تلك المؤامرة التي نفذتها ميلشيات السراج  أعطت للجيش الوطني فرصة لتكريس سيطرته على على الجانب الأكبر من المنطقة الغربية بدخول قواته مدن الجميل والعسة ورقدالين وزلطن وأبوكماش والإقتراب من راس الجدير المعبر الحدودي الأساس لليبيا مع جارتها تونس ومفتاح طرابلس نحو الجارة الغربية ، وهو ما يمث نصرا إستراتيجيا كبيرا للقوات المسلحة وللحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان المنتخب