الإرهاب.. داعش.. القاعدة.. وغيرها من الأسماء التي تثير الذعر عند ذكرها، مصدر الصداع والقلق للسلطات والشعوب ولاسيما في منطقة المغرب العربي الذي يتخوف من استغلال تلك التنظيمات الإرهابية لحالة التوتر وعدم الاستقرار التي تشهدها بعض دوله ليطفو على السطح أو ويتسلل من جحوره معلنا عن بناء إمبراطورية المزعومة، خاصة وأن الأصوات بدأت تتعالى محذرة من تصاعد نشاط الخلايا الإرهابية النائمة في دول منطقة المغرب العربي خلال الفترة المقبلة، وللوقوف على مخاطر التنظيمات الإرهابية على منطقة المغرب العربي، وآليات التصدي للجماعات الإرهابية، أجرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" هذا الحوار مع الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية والرئيس السابق لوحدة الاسلام الراديكالى بمركز دراسات "بوابة الحركات الإسلامية والأقليات" مصطفى أمين، وإلى نص الحوار:


- الجماعات الإرهابية تنظر للمغرب العربي كمنطقة خصبة ومرنة لتكوين البؤر الإرهابية.

- المغرب العربي يعاني من مخاطر تكوين الجماعات الإرهابية.

- غياب التنسيق الأمني والخلافات بين الدول المغاربية ساهمت في نمو الجماعات الإرهابية.

- هناك تحالف غير مكتوب أو غير عقدي بين داعش والقاعدة لنشر الفوضى في المنطقة.

- عودة حركة طالبان لأفغانستان تجربة "ملهمة" للإرهابيين.

- القضاء على التنظيمات الإرهابية يتطلب جهودا أمنية وفكرية.


بداية.. ما خريطة انتشار داعش في منطقة المغرب العربي؟

خريطة انتشار داعش في منطقة المغرب العربي يمكن تصنيفها في أربعة مستويات رئيسية؛ المستوى الأول يشمل المجموعات المتواجدة في الجنوب الليبي وهي المجموعات الأخطر لأنها تتسرب من منطقة الساحل والصحراء لولاية وسط أفريقيا الداعشية، وهذه المجموعات بدأت في إعادة تدوير نفسها مرة ثانية، وأعلنت ليبيا كولاية، وبالتي تتشكل خطورتها في كونها في المستقبل القريب وعلى المدى الطويل قد توجه ضربات عدة للجيش الوطني الليبي، وهذه المجموعات أعلنت عن وجودها بشكل كبير من خلال بعض الصور التي نشرتها المواقع التابعة للتنظيم على تطبيق التليجرام لتخريج دفعة من المقاتلين، والخطر يكمن في أن هذه المجموعات تتسرب من مناطق الساحل والصحراء إلى الجنوب الليبي ومنها ربما إلى مصر وسيناء، وأيضا التنظيم يعمل في هذه المنطقة ضمن استراتيجية واضحة ومحددة تتمثل أولا في إسقاط المدن مثلما رأينا من محاولات في بلدة الفقهاء-إسقاط المدينة مؤقتا لإبراز وجودهم- والهجوم على معسكرات الجيش مثلما حدث في الجنوب الليبي بمناطق سبها وغيرها، وأيضا محاول استنزاف الجيوش أو استنزاف الجيش الليبي بعمليات انغماسيه وعمليات تفخيخ وغيرها، واعتقد أن هذه هي المنطقة الجغرافية الأخطر في منطقة المغرب العربي إذا أطلقنا مجازا على الجنوب الليبي كجزء من منطقة المغرب العربي.

أما المستوى الثاني فهو يتضمن المجموعات المتواجدة في تونس وهذه المجموعات تراجعت خطورتها إلى حد كبير بعد الضربات الأمنية التي قام بها الجيش التونسي ضدها، لكن هذه المجموعات قابلة للنمو من جديد باعتبار أن تونس تشهد في الوقت الحالي حالة من السيولة الكبيرة والصراع بين التيار المدني والتيار الديني متمثل في جماعة الإخوان وحركة النهضة التونسية.

أما على المستوى الثالث فهناك بعض المجموعات المتواجدة في جنوب الجزائر ويطلق عليها بقايا مايسمى جند الخلافة الذي بايع بالفعل تنظيم داعش في 2015 وبالتالي الجنوب الجزائري مرشح لخطر التنظيمات الإرهابية ربما إذا تسللت عناصر أكثر من الساحل والصحراء للجزائر، لكن اعتقد أن القوى العسكرية الجزائرية والأمنية قادرة على منع هذا الأمر، خاصة وأنها هناك تعاون واضح بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لدرء هذا الخطر إلى حد كبير.

وفي المستوى الرابع مجموعات الخلايا الصغيرة التي يتم الإعلان عنها كل فترة والأخرى في دولة المغرب وهذه المجموعات تحاول إعادة تأسيس وإقامة نوع من الخلايا التماسيه في المغرب، ولكن الأمن المغربي يقظ لهذا الأمر إلى حد كبير، ونشير إلى أن الرابط الأساسي فيما يخص تونس والجزائر والمغرب، وخاصة تونس والمغرب هو أن المكون الأيدولوجي للمقاتلين والعناصر الداعشية كان متواجد بالفعل فيما يسمى دولة الخلافة في سوريا والعراق، وبالتالي هذا المكون الكبير الذي كان موجود في سوريا والعراق إبان قيام دولة الخلافة أو جغرافيا الخلافة يعد المحرك الرئيس والهام في الجغرافيا الداعشية بدول المغرب العربي باعتبار أن عودة بعضهم أو تشرب المرتبطين بهم بالأفكار الداعشية يشكل خطر قائم في تكوين بؤر وخلايا ومجموعات إرهابية وربما يشكل أيضا تكويناً جغرافياً جديداً للتنظيم في منطقة المغرب العربي، وهذا التكوين يساعد إلى حد كبير في نمو واضح للإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء وكان التنظيم قد وصف هذا الأمر في حوار لأبو وليد الصحراوي قبل مقتله ذكر فيه أن هذه المنطقة تعد كيان ممتد يتم التنسيق من خلالها ما بين كل عناصرها باعتبارها مكون جغرافي واحد.


-ما أهمية منطقة المغرب العربي للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش؟

المغرب العربي في وقت من الأوقات كان يمثل بيئة خصبة لتنظيم القاعدة، وهذا كون أن البنية الفكرية في المغرب العربي مهيأة بشكل كبير إلى تكوين مجموعات جهادية، ولعل هذا ظهر بشكل كبير في انضمام أعداد كبيرة لتنظيم داعش عقب إعلان دولة الخلافة فمن تونس بلغ العدد 12 ألف تقريبا، والمغرب 8 آلاف، والجزائر 4 آلاف، وبالتالي المغرب العربي يعد منطقة أو بؤرة للإمداد وحظيرة خلفية لدعم المجموعات الإرهابية خاصة التي تظهر في سوريا والعراق أو حتى في مصر وفي ليبيا، وبالتالي المغرب العربي يشكل منطقة خصبة ومرنة ورخوة لتكوين بؤر ومجموعات إرهابية، كما أنه دائما ما ينظر إلى منطقة المغرب العربي كونها منطقة دعم بشري وقتالي للتنظيمات الإرهابية.


-ما المخاطر التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على منطقة المغرب العربي؟

هناك مخاطر جمة تهدد منطقة المغرب العربي تشكلها الجماعات الإرهابية، وهي مخاطر أمنية، واجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وخاصة أن المغرب العربي منطقة شديدة السواد في هذا الأمر فلدينا ما يسمى-العشرية السوداء- وما تبعها من عمليات قتل وتدمير وتخريب للشقيقة الجزائر، وكذلك الأعمال الإرهابية التي تمت في المملكة المغربية وتسببت في خسائر اقتصادية هائلة لسنوات طويلة، وأيضا عمليات التخريب الممنهج التي قامت بها تنظيمات إرهابية في ليبيا بعد مقتل الرئيس الراحل معمر القذافي وحتى الآن وما تمثله من تخريب للحياة السياسية، وبالتالي يعاني المغرب العربي من مخاطر تكوين الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة واستمرارها ودخولها في المعترك السياسي كما يحدث في ليبيا، وأيضا مشاركتها في العمل السياسي كما يحدث في تونس وهو أمر قد يسبب أضرار كبيرة لهذه المنطقة.


-من وجهة نظرك.. هل الخلافات بين دول المغرب العربي وضعف التنسيق الأمني عزز من خطر داعش بالمنطقة؟

طبعا الخلافات في منطقة المغرب العربي ساهمت في نمو هذه المجموعات الإرهابية، وخاصة أن كل دولة تتعامل مع التنظيمات الإرهابية كوحدة مستقلة ونقصد به غياب التنسيق الأمني، وبالتالي المطلوب هو مزيد من التنسيق الأمني مما يساعد على عدم تسرب عناصر داعش من منطقة إلى منطقة لأخرى، فالتجارب تقول إن الإرهاب لا ينظر إلى قومية الدولة وهو عابر للدول وعابر للقوميات وهذا يستلزم تعاون كبير بين دول المغرب العربي خاصة أنهم المتضرر الأكبر من الفوضى والعمل الإرهابي في أي دولة من الدول المتجاورة في منطقة المغرب العربي، كذلك نشير إلى أن التوترات البينية بين بعض دول المغرب العربي تعيق من فرص مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تستغل الخلافات بين الدول لتحقيق مكاسب لها.


-هل تتحالف القاعدة مع داعش لشن هجمات في المنطقة؟

هناك تحالف غير مكتوب أو غير عقدي -بلا عقد-، ولكنه موجود فسواء داعش أو القاعدة فالتنظيمين يجتهدان في ابتداع أساليب جديدة في العمل الإرهابي بمنطقة المغرب العربي ويحاولان استقطاب مقاتلين جدد، وكذلك يعملان على الاستفادة من البنية المتطرفة الموجودة في بعض مناطق المغرب العربي، لكن تحالف بشكل رئيس غير موجود، فهم يتحالفان بشكل غير مباشر لنشر الفوضى في منطقة المغرب العربي وإحداث حالة من الاضطراب وحالة من القلق الأمني في هذه المنطقة، ونؤكد أنه تحالف غير مسجل في عقد ولكنه مسجل على أرض الواقع ويتمثل في نشر الفوضى. 


إلى أي مدى يمكن أن تؤثر عودة طالبان للحكم على تعجيل عودة الإرهابيين إلى دول المغرب العربي؟

طبعا عودة طالبان هي عودة "ملهمة" وذلك باعتبارها جماعة إسلامية استطاعت العودة مرة أخرى لصدارة المشهد والتحكم في أفغانستان مرة أخرى، فهي تجربة ملهمة بالنسبة للإرهابيين باعتبار أن طالبان ستكون حاضنة لأي جماعة إرهابية أو المجموعات التي ترغب في ممارسة العمل الجهادي وتصديره إلى باقي الدول، وعلى الرغم من أن طالبان تحاول التبرؤ من هذا الأمر وتتحدث بشكل مستمر على أن تجربتها بها نوع من أنواع السيطرة وعدم الاحتضان وغيره، لكن أنا لا اعتقد هذا ولا أصدقه وهذا يتضح جليا في صراعها المستميت والمستمر مع تنظيم داعش والضربات التي يوجها التنظيم لحركة طالبان بشكل مستمر وهذا يدفعها إلى التعاون والتنسيق مع بقايا تنظيم القاعدة التي ستعمل بلا شك على تنشيط خلاياها في العالم وجذبها مرة أخرى لأفغانستان وهذا أمر إلى حد كبير يفيد العمل الإرهابي ويفيد الجماعات الإرهابية ككل.


-أخيرا.. ما هي آليات السيطرة على التنظيمات الإرهابية في دول المغرب العربي؟

من الصعب أن يكون هناك آليات للسيطرة على هذه التنظيمات ولكن يمكن الحديث عن مستويين من المواجهة، المستوى الأول وهو الأمني والعسكري وهذا يستلزم المزيد من التعاون والتنسيق المعلوماتي والعملياتي ما بين كافة الدول في المغرب العربي ويضاف إليهم دولة مصر باعتبار أن مصر مدخل مهم ولديها تجربة مهمة في مواجهة العمل الإرهابي، وأيضا المزيد من التعاون فيما يخص نقل المعلومات وقواعد البيانات والتعامل مع فكرة الجماعات الإرهابية كجماعات عابرة للدول بلا قومية وبلا هوية وطنية وبالتالي هذا يدفع أكثر بأن المواجهة الأمنية والعسكرية معها يجب أن تكون شاملة ومنسقة ما بين دول المغرب العربي بشكل كامل.

والمستوى الثاني هو المواجهة الفكرية، فيجب أن تعمل الدول على تأسيس وتكوين مشروع شامل وكامل لمواجهة الأفكار الإرهابية المتطرفة وتفكيكها بالتعاون مع الأزهر الشريف، وبالتعاون مع الجهات الدينية المسؤولة في دول المغرب العربي للوصول إلى تفكيك لهذه الأفكار ومنع هذه الجماعات من استقطاب عناصر جديدة.

وفي النهاية نقول إن المواجهة طويلة ومستمرة واعتقد ستكون على المدى البعيد وليس على المدى القصير باعتبار أن هذه الجماعات تعيد تموضع نفسها مرة أخرى وإعادة وجودها بشكل أو بآخر من خلال العديد من الآليات والاستراتيجيات.