تتعمق الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا يوما بعد يوم مع التنافس المحموم واستمرار حالة الاحتقان الداخلي السياسي والعسكري وأجواء التحشيد والتموضع،التي تصاعدت وتيرتها مؤخرا ووصلت حد الاحتراب لتزيد من غموض المشهد في بلد يعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات.

ألقت اشتباكات طرابلس الأخيرة بين المجموعات المسلحة هناك،بظلالها على الساحة الليبية.وبدأت الأحداث بعدما أعلنت الحكومة الليبية المعيّنة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا دخولها إلى العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة التي ترفض التخلي عن السلطة،لتندلع اشتباكات متفرقة في المدينة.

وأظهرت مقاطع مصورة على الإنترنت مقاتلين في مناطق في وسط طرابلس وحول الميناء، في حين سُمع صوت أسلحة آلية.وتحدثت تقارير اعلامية عن اندلاع اشتباكبات بمنطقتي لمنصورة وجزيرة سوق الثلاثاء، وسط طرابلس بعد ساعات من وصول باشاغا إلى المدينة لمباشرة أعمال حكومته المكلفة من مجلس النواب الليبي المتمركز في شرق البلاد.

ودخل باشاغا طرابلس خلال الليل،وأصدر مكتبه بيانا قال فيه إنه سيواصل مهامه من داخل العاصمة.فيما ذكرت كتيبة "النواصيأنها ساهمت في تأمين وصول باشاغا إلى العاصمة وكتبت في بيان تقول:"في هذه اللحظات المفصلية والتاريخية من عُمر بلادنا الحبيبة، تُبارك القوة الثامنة النواصي، آمرا وضباطا ومنتسبين، دخول الحكومة الليبية برئاسة (السيد فتحي باشاغاللعاصمة طرابلس لمباشرة أعمالها منها رسميا".

وكان عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، قد أمر يوم الاثنين "بإعلان الاستنفار في غرفة عمليات الطيران المسيّر لمدة أسبوع واستخدام الذخيرة الحية تجاه أي تحركات مشبوهة بمحيط العاصمة طرابلس".

وفي بلاغ موجه إلى قائد القوات الجوية قال الدبيبة: "بهذا تكلفون بإعلان الاستنفار بغرفة عمليات الطيران المسير ومراقبة تحركات أي آليـة مسلحـة فـي نـطـاق مدينة طرابلـس الكبـرى (نقطة تمركز غرب جسر 17 جنوب جسر السبيعة وشرق بوابة القويعة)".وأوضح الدبيبة في نص الأمر العسكري الموجه لقائد القوات الجوية أنه "يؤذن لكم بالتعامل المباشر بالذخيرة الحية مع أي تحركات مشبوهة من شأنها زعزعة الاستقرار وتثبيت ذلك بالتصوير الجوي والإحداثيات".

وبعد ساعات فقط،من اندلاع الاشتباكات أعلن مكتب رئيس الوزراء الليبي المكلف من قبل البرلمان فتحي باشاغا أنه غادر العاصمة طرابلس.وعبر باشاغا عن تفاجئه بالتصعيد العسكري إثر دخوله العاصمة،وحمّل مجموعات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة المسؤولية عن الأحداث، واصفا الحكومة بأنها "ساقطة وطنيا".

وقال باشاغا في سلسلة تغريدات على حسابه الرسمي في تويتر:"رغم دخولنا السلمي للعاصمة طرابلس دون استخدام العنف وقوة السلاح واستقبالنا من قبل أهل طرابلس الأفاضل، فوجئنا بالتصعيد العسكري الخطير الذي أقدمت عليه مجموعات مسلحة تابعة للحكومة منتهية الولاية".

وتابع:"إن تعريض سلامة المدنيين للخطر جريمة يعاقب عليها القانون، ولا يمكن أن نسهم في المساس بأمن العاصمة وأهلها الآمنينجئنا بالسلام وللسلام وبالحكمة وتغليب المصلحة الوطنية نزعنا فتيل الفتنة ولم نرضَ بمجاراة الخارجين عن القانون وتعريض المدنيين للخطر".وأضاف:"إن سلوكيات الحكومة منتهية الولاية الهستيرية ومواجهتهم للسلام بالعنف والسلاح دليل قاطع على أنها ساقطة وطنيا وأخلاقيا ولا تمتلك أي مصداقية لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة".

وفي المقابل،وصفت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، دخول رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا إلى طرابلس،بأنها "محاولة بائسة لإثارة الرعب والفوضى".وأعربت الحكومة عن إدانتها هذه "الأعمال التي وصفتها بـ "الإجرامية الخارجة عن القانونمؤكدة أنها وجهت كل الأجهزة الأمنية والعسكرية للتعامل بشدة مع كل من يهدد أمن المواطنين وسلامتهم.

وأثارت الاشتباكات الأخيرة مخاوف كبيرة من تجدد الصراع في ليبيا،وقال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل،إن الاتحاد الأوروبي يراقب عن كثب التطورات في ليبيا وأن "ما يحدث أمر مقلق للغاية".فيما نددت المستشارة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز، بالتصعيد في طرابلس، مطالبة بـ"الكف عن الخطاب التحريضي والمشاركة في الاشتباكات وحشد القوات".

من جانبه،طالب البرلمان العربي الأطراف الليبية بضبط النفس وتغليب المصلحة الوطنية العليا ،وحذر من خطورة ترك الدولة الليبية فريسة لموجات العنف،مشددا على أهمية اجتماعات لجنة المسار الدستوري المشتركة بين مجلس النواب والدولة الليبية التي تستضيفها مصر برعاية الأمم المتحدة للدفع قدما نحو تعزيز الأمن والاستقرار في ليبيا وتحقيق تطلعات شعبها في العيش الكريم.

وتشهد القاهرة اجتماعات المسار الدستوري بين مجلسي النواب والدولة،برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،لبحث التوصل لقاعدة دستورية للانتخابات.وأعلنت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز،الاثنين المامضي، أن أعضاء اللجنة المشتركة لمجلسي النواب والدولة وصلوا إلى توافق حول أجزاء مهمة من مسودة الدستور بما فيها تلك المتعلقة بالسلطة التشريعية والقضائية.

وأشادت ويليامز،في سلسلة تغريدات لها بموقع "تويتر"، بالمشاورات مؤكدة تحقيق تقدما خلال اليومين الماضيين والتوافق على عدد كبير من مواد مسودة الدستور الليبي، مطالبة باستمرار سير وتيرة العمل على هذا النحو الإيجابي وبشكل بناء والعمل بروح وطنية عالية وإعلاء لغة الحوار والتفاوض وتقديم التنازلات من أجل ليبيا وكل الليبيين.

وطفت أزمة الحكومتين إلى السطح منذ تعيين البرلمان الليبي حكومة جديدة خلفاً للحكومة السابقة، بعد أشهر من الجمود السياسي وتعثر إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها الماضي (ديسمبر 2021)، وباتت تهدد بإعادة البلاد إلى دوامة القتال المطول الذي غرقت فيه على مدى السنوات الماضية، قبل أن ترسي الأمم المتحدة سلاماً أو توافقاً نسبياً استمر حوالي عامين.

مشاهد ضبابية تعتري المشهد السياسي الليبي في ظل تساؤلات حول مصير الحكومتين ومدى احتدام صراع الشرعية ومآلاته.ويبدو واضحا أن التحدي الحقيقي يتمثل في الوصول الى توافقات وارساء مصالحة وطنية شاملة،من شأنها تحقيق وضمان بيئة صالحة لإجراء انتخابات تحترم فيها النتائج،خاصة في ظل استمرار مسلسل الخلافات والتصعيد بين الفرقاء واستمرار العراقيل الامنية والتدخلات الخارجية وكلها أسباب تهدد باستمرار الأزمة في البلاد.