قبل أقل من 100 يوم عن الانتخابات الليبية التاريخية المقررة ليوم 24 ديسمبر 2021، يعيش الشارع الليبي على وقع آمال حذرة ومخاوف من فشل المسار السياسي وبالتالي تأجيل الانتخابات خاصة مع المشهد الضبابي الذي بات يغشى الوضع في ليبيا من جوانب عدة خاصة منها الإنقسامات الحادة والصراعات التي يبدو أنها لم تخبو وانتشار المرتزقة ومواصلتهم الحضور بقوة في مفاصل المشهد الليبي.

تقف ليبيا حسب الخبراء والمراقبين في مفترق طرق خطير أمام الإنسداد السياسي الجليّ والذي توّج بسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية قبيل الانتخابات بأيام قليلة، ما يطرح تساؤلات كثيرة عن حقيقة الخلافات السياسية ومدى غموضها وعمقها.

لقد نص اتفاق برلين الأخير على 3 نقاط هامة، وهي أولا إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، انتخاب حكومة وحدة وطنية للتحضير للانتخابات، تنظيم انتخابات في 24 ديسمبر 2021. ومن جهتها وضعت حكومة الوحدة الوطنية المنتخبة خارطة طريق تمهيدا لانتخابات ديسمبر تمثلت في البند المشترك والصعب وهو اخراج المرتزقة ودحض التدخل الأجنبي، توحيد المؤسسات السّيادية والتحضير لانتخابات ناجحة. وهنا نتساءل أي من هذه البنود أو الأهداف قد تحقق رغم الفترة الحكومية التي اتسمت ببعض الإيجابية بغض النظر عن مآلاتها؟

سحب الثقة من حكومة الدبيبة..هل هي عودة للانقسامات وبداية جديدة للصراعات؟

أعلن مجلس النواب الليبي، الثلاثاء، سحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة وذلك قبل قرابة 3 أشهر من انتخابات ديسمبر 2021 التي تحمل آمالا كثيرة لإنهاء سنوات الفوضى والصراع.وحسب تصريح للمتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق، فإن 89 نائبا من 113 صوتوا لصالح سحب الثقة، وذلك بعد أقل من أسبوعين على المصادقة على قانون مثير للجدل أدى إلى تأجيج التوتر بين معسكرات المتنافسين في ليبيا.

كما أفاد المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، في تصريحات إعلامية أن سحب الثقة من الحكومة لن يؤثر على موعد الانتخابات، مؤكدا أن البرلمان يراه "دعما لإجرائها".وأضاف أن الحكومة مستمرة في تسيير الأعمال اليومية ولا مساس بالإجراءات التي اتخذتها لصالح المواطنين.

من جانبه أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة أنه سيواصل مهامه لاستكمال ما بدأه حتى توحيد البلاد وإجراء الانتخابات. كما عبر الدبيبة عن رفضه لقرار البرلمان سحب الثقة من حكومته.  ودعا الدبيبة، في كلمة له مساء الثلاثاء، أمام تجمع في مدينة الزاوية الواقعة غرب البلاد، كافة الليبيين من جميع المدن للخروج إلى الشارع والاحتشاد في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس للتعبير عن آرائهم ودعم الحكومة. كما أضاف أن "الحكومة تقف مع الشعب الليبي فيما يختاره"، مؤكداً رفضه للحرب والانقسام. وشدد الدبيبة على عزم الحكومة " على استكمال ما بدأناه حرصاً على إنقاذ الوطن وأملاً في توحيد صفوفه". ووفق وكالة الأنباء الليبية،فقد لفت الدبيبة إلى أن "مجلس النواب سيسقط ولن يكون ممثلاً لليبيين بهذه الصورة"، حسب تصريحه.

كما اتهم النواب المعارضون  لقرار سحب الثقة من الحكومةِ رئاسة مجلس النواب بممارسة "التضليل داخل قاعة مجلس النواب في حساب عدد الأصوات التي صوتت على سحب الثقة"، مؤكدين أن عملية عد الأصوات تمت بطريقة غير صحيحة. وقال النواب، في بيانهم، إن "العدد الحقيقي لا يتجاوز في أفضل الأحوال 73 صوتا، وهو غير كاف لسحب الثقة من الحكومة، وفقا لنص المادة 194 من النظام الداخلي، والتي تؤكد أن الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من الحكومة هي الأغلبية المطلقة لأعضائه والبالغة 87 عضواً يصوتون بنعم لسحب الثقة وهو ما لم يحدث".

من جانب آخر أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها بشأن قيام مجلس النواب بحجب الثقة عن الحكومة، مؤكدة أن "حكومة الوحدة الوطنية الحكومة الشرعية حتى يتم استبدالها بأخرى عقب الانتخابات".

وأفادت البعثة، وفق بيان لها أمس الثلاثاء، أن المهمة الأساسية للحكومة هي السير بالبلاد نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وتقديم الخدمات الضرورية للشعب، مضيفة أنها "كانت تتوقع أن تتركز جهود مجلس النواب على وضع اللمسات الأخيرة على قانون الانتخابات البرلمانية، وأن تعمل قيادة مجلس النواب على تعزيز جهودها نحو بناء توافق واسع النطاق بشأن الإطار التشريعي للانتخابات والذي يجري العمل عليه".

ودعت البعثة الأممية مجلس النواب وجميع المؤسسات والجهات السياسية الفاعلة ذات الصلة إلى التركيز على استكمال إعداد الإطار الدستوري والتشريعي لانتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول، و"الامتناع عن أي إجراء يمكن أن يقوّض العملية الانتخابية ووحدة البلاد وأمنها واستقرارها".كما طالبت البعثة مجلس النواب بالعمل على استكمال قانون الانتخابات النيابية "خلال الأسبوع المقبل في أقصى تقدير"، كما طالبت جميع الأطراف الليبية بضرورة الالتزام بالإطار القانوني والدستوري الذي يحكم العملية السياسية الليبية.


من جهة أخرى أكد الكاتب الصحفي الليبي عبد الرزاق الداهش أن سحب الثقة من الحكومة لن يضعفها وإنما  سيقوي رئيسها عبد الحميد الدبيبة. وقال الداهش في تدوينة له بعنوان "تحويسة أوراق" "ثلاثة أشهر فقط هو الوعاء المتبقي على انتخابات ديسمبر" مبينا أن "الحكومة أعلنت عن جاهزيتها لتأمين الانتخابات، وعرضت خطة أمنية لا ينقصها المهنية" كما أن "المفوضية تكفلت بالشق الفني مدججة بتجربتها، وتدفقات مالية لا ينقصها السخاء".

كما تجمع عشرات المواطنين في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، للتعبير عن احتجاجهم على القرار، وحملوا شعارات ورايات كتبت عليها عبارات منددة بمجلس النواب، مثل "مجلس النواب لا يمثلني"، "وقرار سحب الثقة من الحكومة باطل". ذلك إضافة إلى 65 عميد بلدية ليبية أعلنوا في بيان لهم رفض قرار مجلس النواب، وبعض الأحزاب والشخصيات الفاعلة في المشهد الليبي. وهو ما يعمق الإنقسامات في المشهد السياسي الليبي وينذر بعودة سريعة إلى نقطة الصفر.

المرتزقة..العقبة الأبرز أمام الحل السياسي والإنتخابات

طالبت حكومة الوحدة الوطنية الليبية في محطات عدة، ببذل مزيد من الجهود لإقرار القاعدة القانونية اللازمة لإجراء الانتخابات ودعم جهود اللجنة العسكرية "5+5"، وتوفير احتياجاتها اللازمة كافة لتنفيذ مهامها، على أكمل وجه وعلى رأسها إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من كامل التراب الليبي.

حيث يطرح ملف المرتزقة الذي يمثل العقبة الأبرز والعقدة الشديدة الإحكام في طريق المسار السياسي الليبي فرضيات كثيرة حول قدرة الليبيين على الوصول بسلام إلى انتخابات 24 ديسمبر 2021 بسلام. بعد أن باءت كل المحاولات الدولية والإقليمية والمحلية من معالجة هذا الملف الشائك الذي تنامى منذ بداية التدخلات الأجنبية في ليبيا.

وتعاني العاصمة الليبية طرابلس من حالات احتقان متواصلة في صفوف المرتزقة المدعومين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذا قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عناصر من المرتزقة السوريين التابعين لفرقة الحمزة تظاهروا في قاعدة عسكرية تركية غربي ليبيا احتجاجا على أوضاعهم وتخفيض مرتباتهم إلى ما يعادل 300 دولار أمريكي، إضافة إلى مطالب قادتهم بدفع 1000 دولار أمريكي مقابل عودتهم إلى سوريا.

وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية تأكيدها على أهمية إجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد ودعمها لها، وحثّت على ضرورة الإسراع في سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، لتحقيق الاستقرار في البلاد، بعد سنوات من الفوضى والانقسام. جاء ذلك خلال اجتماع بين نائبة وزير الخارجية الأميركية، ويندي شيرمان، ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، بداية الأسبوع، تمحور حول ملفي عقد الانتخابات وخطط إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.

كما جددت فرنسا ودول الإتحاد الأوروبي ودول الجوار الليبي دعوتها إلى سحب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين من ليبيا، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما هو مقرر في 24 ديسمبر المقبل، مؤكّدين على ضرورة تحمل جميع القادة الليبيين مسؤوليتهم للوصول بأمان لهذا المحفل التاريخي الذي سيعزز استقرار ليبيا ويضع حدا للفوضى والصراع والإنقسامات.

الواقع الليبي..وهوامش التسويات وتوحيد المؤسسات السيادية

شهدت خارطة الطريق التي وضعتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية  "تعثرا شاملا"، حسب المراقبين والمحللين، فكما لم يتم حل معضلة خروج المليشيات والمرتزقة من البلاد فإنه لم يتم أيضا توحيد المؤسسات السيادية خاصة منها البنك المركزي ما ألقى بضلاله الوخيمة على الاقتصاد الليبي المتعثر وتحسين الوضع المعيشي العام للمواطن الليبي رغم ما ساد من أجواء إيجابية بالبلاد ورغم مساعي الحكومة وتحركاتها وذلك ليس ضعفا من الحكومة حسب الخبراء بل لشدة تأزم الأوضاع في ليبيا وتواصل الإنقسامات و"المخططات والأطماع الداخلية والخارجية".

إن الخلافات بين البرلمان والحكومة كانت عبارة عن "قنبلة موقوتة" تنتظر الإنفجار حتى أفضت إلى سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، وخرجت إلى العلن بعد أن ظلت مكتومة لعدة أشهر، ويرجع موضوع الخلاف الرئيسي هو الموازنة العامة، وسبل إنفاقها، والتي تقود بدورها إلى بقية بنود خارطة الطريق وتنفيذها. فربط مجلس النواب فشل الموازنة ببقية بنود خارطة الطريق خاصة توحيد المؤسسات السيادية متناسيا أنه أحد أهم المؤسسات السيادية المنقسمة والمساهمة في هذه الأزمة.

من جهة أخرى وتمهيدا لانتخابات 24 ديسمبر، أقرّ المجلس الأعلى للدولة قبول القاعدة الدستوريّة بداية الأسبوع، التي ستجرى على أساسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مؤكداً أن الأصل هو الاستفتاء على الدستور، وأن قبوله للقاعدة الدستورية في حال تعذّر الاستفتاء على الدستور. وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الليبية فإن المجلس أكد أن من الأولويات للسلطة التشريعية القادمة إتمام إجراءات الاستفتاء على مشروع الدستور في أقرب وقت ممكن.واعتمد المجلس خلال الجلسة مشروعي قانوني انتخاب الرئيس وانتخاب مجلس الأمة المكون من غرفتين، واحدة للنواب، والأخرى للشيوخ.وستحال مشاريع القاعدة الدستورية وقانون انتخاب الرئيس وقانون انتخاب مجلس الأمة إلى مجلس النواب للنظر في التوافق عليه، وفق ما ينص عليه الاتفاق السياسي المضمّن في الإعلان الدستوري، كما ستحال إلى المفوضية العليا للانتخابات وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لإبداء ملاحظاتهم الفنية. فهل ستمر ؟

على الرغم من الإجماع المحلي خاصة والإقليمي والدولي عامة على خارطة الطريق التي رسمتها الحكومة الوطنية  القاضية بالتمهيد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية في موعدها المقرر 24 ديسمبر/تشرين الأول2021، فإن عدم الاستقرار الأمني والصراعات المستمرة بين الميليشيات المسلحة في طرابلس وغيرها من مدن البلاد، فضلا عن وجود مرتزقة وقوات أجنبية إضافة إلى سحب الثقة من الحكومة مؤخرا وما ينطوي عنها من صراعات سياسية والانقسامات التي تطوق البلاد من كل جانب خاصة في المؤسسات السيادية ،كلها عراقيل  تلقي بظلال كثيفة من الشك على إمكانية إجراء الانتخابات في آوانها وحتى على تواصل الهدوء النسبي للأوضاع بالبلاد.