من المواضيع المطروحة كثيراً في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين على الصعيد الجغرافي السياسي العالمي مسألة توسّع الحضور الصيني في القارّة الأفريقية التي يطلقون عليها توصيف «السوداء»، للدلالة على المنطقة الواقعة جنوب الصحراء وتمييزها بالوقت نفسه عن بلدان شمالي أفريقيا العربية.

وبعد الحديث عن «التغلغل» الصيني في القارّة الإفريقية باسم المساعدات والتجارة وغير ذلك من حجج صينية لتبريره، الذي يعود بالدرجة الأولى إلى غايات لها علاقة بمصادر الطاقة، كما يشير المحللون عامّة، بدأ الحديث في السنوات الأخيرة عن «الحضور الهندي» في القارّة الأفريقية من أجل غايات جغرافية استراتيجية ـ جيوستراتيجية تتعلّق بمكانة العملاق الآسيوي الثاني في أفريقيا.

لكن ماذا عن اهتمام اليابان بالقارّة الأفريقية، وهل هذه الدولة الآسيوية الصناعية الكبرى لم تولِ أو لا تولي أي اهتمام بهذه القارّة التي تتفق الآراء كلّها تقريبا على أنه سيكون لها دورها وكلمتها في مستقبل العالم الذي نعيش فيه.

عن مثل هذه الأسئلة يجيب بيدرو أماكازو رابوزو، أستاذ الدراسات الآسيوية في جامعة «لوزيانا» البرتغالية وخريج جامعة «أوكاياما» اليابانيةـ وهو برتغالي متزوّج من يابانية، والأخصائي بالعلاقات الآسيويةـ الأفريقية بكتاب يحمل عنوان «المساعدة الخارجية اليابانية لأفريقيا».

 ويدرس المؤلف في هذا العمل بشكل عام السياسة الخارجية اليابانية حيال القارّة الإفريقية والمساعدة اليابانية لبلدان مثل أنغولا والموزمبيقـ المستعمرتين البرتغاليتين السابقتين ـ في إطار «مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية الأفريقية»، كما يدل العنوان الفرعي للكتاب.

تتم الإشارة أن هذا المؤتمر عرف النور بعد نهاية الحرب الباردة إثر انهيار المعسكر الشيوعي وبدأ اجتماعاته في طوكيو عام 1993 بحيث ينعقد دورياً كل خمس سنوات في العاصمة اليابانية على أساس أن اليابان هي أحد المشرفين الأساسيين عليه.

ويشير المؤلف إلى أن اليابان لم تقم علاقات وطيدة مع بلدان القارة الأفريقية إلاّ في فترة متأخّرة. ولم تعرف القارّة الإفريقية عموما في الفترة التي كانت فيها اليابان هي بمثابة أحد محرّكات، إن لم تكن المحرّك الأساسي، اقتصاد العالم سوى اهتمام ثانوي جداً في علاقات اليابان الدولية، بل بدت اليابان بعيدة جداً، الأكثر بعداً بين الدول الكبرى، عن كل ما يدور في القارّة الأفريقية.

ويرى المؤلف أن قلّة الاهتمام الياباني تلك كانت، بمعنى ما، تشكّل استمراراً لنوع من القطيعة التاريخية، حيث إن اليابانيين القدماء لم تقدهم مغامراتهم إلى القارّة الأفريقية بالمقارنة مع الصينيين، حيث إن الأميرال الصيني شينغ هو كان قد توجّه بسفنه نحو شواطئ القارّة الأفريقية منذ القرن الخامس عشر.

وما يتم تأكيده أن اليابان التي كانت تفتقر إلى تجربة إفريقية حقيقية غدت تحتل خلال أربعة عقود فقط أحد المصادر الأساسية للمساعدات الخارجية للقارّة السوداء. هكذا قدمّت خلال عام 2009 وحده مبلغ 1403 ملايين دولار مساعدات لمشاريع التنمية في أفريقيا.

المؤلف في سطور

بيدرو اماكازو رابوزو أستاذ الدراسات الآسيوية ومشكلاتها المعاصرة في جامعة لوزيادا الأميركية، يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة «أوكاياما» في اليابان، موضوع دراساته الأساسي هو المساعدات الخارجية اليابانية للقارّة الأفريقية خاصّة والعلاقات الآسيويةـ الإفريقية عامّة، أسهم في تحرير أحد فصول كتاب «مساعدات أفريقيا القادمة من اليابان والصين وكوريا».

*البيان