في ظل الأوضاع الأمنية المتردية والصراعات المتجددة بسبب تواصل حالة الانقسامات السياسية بين الفرقاء،تحولت ليبيا الى ساحة للتدخلات الخارجية تحت ذريعة الوصول الى تسوية في البلد الممزق.ومثلت روسيا إحدى أبرز القوى الدولية حضورا في الساحة الليبية، وترافق هذا الحضور مع حديث عن وجود عسكري روسي في المعارك الدائرة في العاصمة طرابلس.
تمتنع روسيا عن الإنحياز علناً لأي طرف من أطراف الصراع الليبي، وتكتفي بعرض فكرة المصالحة بين الأطراف المتناحرة،لكن ذلك لم يمنع توجيه الاتهامات اليها بدعم طرف ضد آخر في الصراع الليبي.آخر هذه الاتهامات ساقته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية،التي قالت إن التمدد الروسي باتجاه ليبيا يأتي كجزء من حملة واسعة النطاق يشنها الكرملين لإعادة تأكيد نفوذه في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا.
وذكرت الصحيفة أنه بعد 4 سنوات من الدعم المالي والتكتيكي وراء الكواليس لرجل ليبيا القوي خليفة حفتر، تعمل روسيا الآن بشكل مباشر أكثر لتشكيل نتائج الحرب الأهلية الليبية الفوضوية، وذلك من خلال استخدام طائرات "سوخوي" المتقدمة، وضربات الصواريخ المنسقة، والمدفعية الموجهة بدقة، والقناصة، وهو نفس الأسلوب الذي استخدمته موسكو في الحرب الأهلية السورية.
وتقول الصحيفة إن التدخل الروسي في ليبيا يختلف عن نظيره في سوريا، إذ تعد المخاطر في الأولى أكبر من بعض الجوانب، حيث تسيطر ليبيا التي تبلغ مساحتها 3 أضعاف مساحة تكساس، على احتياطيات نفط هائلة، حيث تنتج 1.3 مليون برميل يوميًا على الرغم من الصراع الحالي، وكان ساحلها على البحر الأبيض المتوسط، والذي يبعد 300 ميل فقط عن إيطاليا، نقطة انطلاق لعشرات الآلاف من المهاجرين المتجهين إلى أوروبا.
الرد الروسي على هذه الاتهامات لم يتأخر،حيث نفى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الأنباء التي تناولتها بعض وسائل الإعلام العالمية، خصوصًا الأمريكية، عن وجود "مرتزقة روس" في ليبيا، مؤكدًا أنها مزاعم لا صحة لها.وقال ريابكوف في تصريحات لصحافيين روس أوردتها وكالة "سبوتنيك"، إنه يرفض مثل هذه المزاعم، مؤكدًا أن موسكو،"تعمل من أجل تحقيق تسوية في ليبيا وتدعم الجهود بما في ذلك من خلال الأمم المتحدة، وفي حوار مع أولئك الذين يؤثرون على الوضع بطريقة أو بأخرى".
وأضاف المسؤول الروسي:"لا نعتقد أن هناك أسبابًا لهذه المزاعم، لكن هذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها وسائل إعلام أمريكية كل أنواع الخرافات والشائعات الخاطئة والتلفيقات الموجهة إلينا"، حسب قوله.وأشار ريابكوف إلى أن هذه التلفيقات اثرت سلبيا على موقف الشعب الأمريكي، مما أضر بالعلاقات الثنائية.
وتابع نائب وزير الخارجية الروسي: "لقد اعتدنا على ذلك بالفعل، ومع ذلك، يجب أن اعترف بأن الخدع المتكررة من هذا النوع تؤثر سلبيا على مشاعر الرأي العام الداخلي الأمريكي والجو العام في الولايات المتحدة. ولسوء الحظ، لا يساعد هذا الوضع على تطبيع علاقاتنا الثنائية على الرغم من أننا نسعى جاهدين لتحقيق ذلك".
وتكثّف روسيا الحليف القديم لنظام الزعيم الراحل معمّر القذافي جهودها في السنوات الأخيرة لتظهر كوسيط محايد في ليبيا حيث تُستحضر الذكرى المريرة لعدم مواجهتها التدخّل الغربي عام 2011.وفي أكتوبر الماضي،أكد الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين،بأن التحذيرات التي أطلقها الزعيم الراحل معمر القذافي بشأن تبعات إسقاط الدولة الليبية قد تحققت.
وقال بوتين في لقاء تلفزيوني "إن الفوضى التي سادت بعد العمليات الحربية، (في ليبيا) لم تتوقف حتى الآن" مضيفا شركاؤنا الغربيون خدعونا.وأردف بوتين "لقد صوتت روسيا على قرار بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي" موضحا أن القرار يمنع الزعيم الراحل معمر القذافي "من استعمال الطيران، ولكنه لا يتضمن أي شيء يبيح لأي طائرات أن تقصف أراضي ليبيا ولكن هذا ما فعلوه تماما. أي أن هذا أيضا، في حقيقة الأمر، مخالفةً، تجاوز، لمجلس الأمن الدولي في كل ما جرى عمليا ونحن جميعنا نعلم تمام العلم ماذا نتج عن ذلك".
وينتقد المسؤولون الروس التدخل الغربي في ليبيا،والذي أحدث فراغا أمنيا كبيرا ساهم في إنتشار الفوضى وسهل الأنشطة الإجرامية والإرهابية في البلاد.وهو ما حذر منه الزعيم الراحل معمر القذافي في خطابه الشهير يوم 22 فبراير 2011 حين أكد أن الانفلات الأمني سيحول ليبيا إلى بؤرة إرهاب أقليمي عقب تمكين جماعات تيار الإسلام السياسي منها بسبب التدخل الخارجي.
وبرز الدور المتنامي لروسيا، التي ألقت بشكل ملفت بكامل ثقلها في الفترة الأخيرة في الملف الليبي الذي فضلت التواري عنه لفترة، وباتت مؤخرا إحدى أبرز القوى الدولية نشاطا في الساحة الليبية.حيث سارع نشاط الدبلوماسية الروسية بشكل ملحوظ في هذا الملف، وتجسد في زيارات متبادلة بين أطراف الأزمة ومسؤولين روس، وكذلك تنسيق في المواقف مع دول جوار ليبيا.
ويأتي اهتمام موسكو بموقف دول الجوار،لدعم أي خطوة في اتجاه التسوية السياسية للأزمة مع معارضة أساسية للتدخل العسكري في هذا البلد الممزق.فهذه الدول التي ترتبط بعلاقات وحدود مع ليبيا لن توافق إلا على الحل القائم على عدم التدخل الخارجي في ليبيا وهو نفس الشئ الذي تحرص موسكو على تأكيده.
وشهدت روسيا زيارات عدة لمسؤولين ليبيين، بعضهم من حكومة الوفاق الوطني وأعضاء مجلس النواب وزيارات عدة قام بها القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر إلى موسكو، إضافة لزيارته إلى حاملة الطائرات الروسية "الأدميرال كوزنيتسوف"، في يناير 2017، وذلك خلال عبورها المياه الإقليمية الليبية في طريق عودتها من سوريا إلى روسيا.وقالت وزارة الدفاع الروسية حينها في بيان لها أن المشير حفتر، تواصل مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، وبحث معه محاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.كما ذكر البيان أنه تم تسليم حفتر، في ختام الزيارة شحنة من الأدوية الأساسية الضرورية للجيش الليبي والمدنيين.
ومثل إلتحاق روسيا بالصراع الليبي، دافعا لمخاوف غربية خاصة أميركية من طبيعة الدور والحضور الروسي في ليبيا ومحاولات تأثيره على سير العملية السياسية والعسكرية في البلاد.ويشير مراقبون الى أن ليبيا باتت تشكل ساحة للتنافس الدولي، وبالتالي فإن روسيا تطمح إلى إيجاد موطئ قدم ثابت لها فيها يمكّنها من العودة للمشهد السياسي الدولي، كفاعل مؤثر، وتوجيه رسالة إلى خصومها من الدول الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بأنها تستعيد دورها العالمي.
وتأتي الاتهامات لروسيا بدعم الجيش الليبي في وقت يواصل فيه الأخير تقدمه في المعارك الدائرة على تخوم العاصمة الليبية.وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، إن عناصر من تنظيمي النصرة وداعش الإرهابيين تم جلبهم، لأجل القتال بجانب الميليشيات الإرهابية ضد الجيش الوطني.
وذكر المسماري، خلال مؤتمر صحفي،الأربعاء، أن القوات البرية الليبية قادت عمليات ساعدت في القضاء على رؤوس الميليشيات خارج العاصمة طرابلس.وأورد المتحدث العسكري، أن الميليشيات تحاول تجنيد شباب في البلدات المحيطة بطرابلس باستخدام المال لكنها لم تنجح في ذلك.وأضاف أن هناك انسحابا لكثير من عناصر الميليشيات الإرهابية من عدة مناطق في محيط طرابلس، تحت وقع ضربات القوات المسلحة.مشيرا إلى أن القوات الجوية تمكنت من السيطرة على كامل المنطقة الممتدة من سرت حتى الحدود التونسية، غربي البلاد.
وتشهد العاصمة الليبية منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق.ومع غياب الحسم تتسارع الجهود الدولية باتجاه العودة الى طاولة الحوار والدفع نحو تسوية سياسية حيث تسعى ألمانيا الى عقد مؤتمر دولي جديد يهدف الى انهاء الصراع الحالي والوصول بالبلاد الى مرحلة جديدة من السلام والاستقرار وهو ما يراه كثيرون صعبا في ظل استمرار وجود المليشيات المسلحة التي تسيطر على مؤسسات الدولة في طرابلس.