جلست في الركن الهادئ في مقهى ( PRESTIGE   CAFE) في الحي الراقي ..من العاصمة ... في انتظار صديقها السبيعيني الذي زاده الشعر الأبيض وسامة   ..كان يعمل في السلك الدبلوماسي، ومقرب من دائرة الحكم لكنهما لم يتحدثا يوما عن السياسة كانت احاديثهما دائما عن الأدب والفنون،  فهو لديه مكتبة كبيرة عامرة بالكتب القيمة، وهي التي خسرت مكتبتها بكل ما تحويه في الحرب الأولى ....
حيث تجلس في هدوء والمدينة المكتظة بسكانها تعيش على إيقاع حروب لم تتوقف إلا لتبدأ من جديد لكن الناس تعودوا مشاهد الدمار وصوت المدافع كإيقاع طبلة الأعراس في الأحياء الشعبية حيث الضجيج والاختلاط وصوت النسوة العالي.
بلا مقياس ولا قيود ...فلا الطفولة ولا الكهولة هناك تنام براحة.
والفوضى والضجيج علامة الحي المميزة ..
تأملت نادل المقهى وهو يقف منحنيا لها ..
ينظر إلى طلتها وهي في منتهى الأناقة باستغراب ...قال بصوت هادئ رغم الضجيج الذي احدثته أصوات المدافع المتراشقة جنوب المدينة...نعم سيدتي...
ردت بنعومة ..
فنجان قهوة سكر زيادة ...وابتسمت ...
صمت لبرهة مستغربا وقال لنفسه يبدو أن هذه السيدة من كوكب آخر ثم رد بانحناءة في أشاره لتلبية الطلب...ذهب إلي زميله وهمس له قائلا هذه السيدة غريبة الأطوار هادئة رغم الضجيج وتبتسم وهي في منتهى الأناقة وتطلب قهوة سكر زيادة... والأحزان من حولنا ...!
ارتشفت من فنجان القهوة حين قدمه لها النادل الشاب العشريني الوسيم واسع العينين والذي كان يرتدي بنطلونا أسود وقميصا أبيض وينتعل حذاء أسود ذو جلد يلمع ولا تسمع وقع خطواته ...
نظرت إليه وابتسمت في أشاره منها لرضاها على ما قدمه لها...
في هذه اللحظة حضر صديقها الدبلوماسي السابق فوقفت مبتسمة ألتقط يدها وقبلها ثم جلس بقربها مبتسما بمرح...
حينها ذهب النادل إلي طاولة أخرى كانت تجلس عليها فتاة باكية وشاب في أواخر العشرينيات من عمره يبدو عليه اليأس يتناقش مع الفتاة بصوت مسموع عن عزمه الهجرة إلي بلاد الروم كما كان يقول وهي كانت تتوسله أن يبقى ...لكنه كان مصرا فدموعها لم تستدر عطفه لكنها كادت تنجح فقد انحنى وقبل جبينها لكنه قام واقفا وترك لها على الطاولة ظرف وعلبة هدايا توسلت له من وسط دموعها لكنه رد بمرارة لا حياة لي هنا سأهاجر لعلني أجد حياة هناك ..
امسكت يده لكنه افلتها طأطأ رأسه، وأكمل بصوت أجش أو يبتلعني البحر...!
انهمرت دموعها غزيرة وهو يغادرها على عجل ...