تحاول حركة النهضة التونسية تغيير ملامح خطابها، والتنصل من هويتها العقائدية، والاقتراب أكثر من الناخب التونسي. ويرى المراقبون أن الحركة التي خاضت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي قبل ثلاثة أعوام، بتقديم نفسها على أنها حامية الدين والهوية وراعية الصحوة الإسلامية في البلاد وصاحبة الامتداد المحلي لمشروع الإسلام السياسي في المنطقة، تسعى اليوم إلى الانقلاب على ذاتها، بالتركيز على الشؤون الداخلية، وتبني مفاهيم الحداثة والمدنية، والتعايش السلمي مع جميع الأطراف السياسية والاجتماعية في تونس، وقد وصل الأمر برئيسها راشد الغنوشي إلى إعلان الاستعداد لتشكيل حكومة مع حزب حركة نداء تونس الليبرالي الذي نعته سابقاً بأنه أخطر من الجماعات السلفية المتطرفة، ومع رموز النظام السابق الذين كان يطلق عليهم لقب الأزلام والفلول.

وكان لافتاً أول من أمس السبت أن يترحّم الغنوشي على الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، ويصفه بالزعيم الذي عمل على أن تحتل بلاده مرتبة متقدمة بين الدول العربية، وهو ما أعاد إلى الأذهان موقفاً سابقاً تم تسجيله في أبريل 2000، عندما رفض الغنوشي في حوار تلفزيوني مباشر الترحم على بورقيبة بعد الإعلان عن وفاته، امتداداً لموقف حركته التكفيري ضد مؤسس دولة الاستقلال.

تغيّر واضح

وخلال الحملة الدعائية الانتخابية، لوحظ تغيّر واضح في خطاب حركة النهضة التي استبعدت عدداً من قياداتها الراديكالية، كما استبعدت بعض قياداتها ذات المواقف المثيرة للجدل من الظهور الإعلامي، وسعت إلى التركيز على قياداتها الشابة غير الملتحية وذات الملامح المريحة، إضافة إلى تعمّد الحركة إبراز نساء غير متحجبات بين مناصريها.

تلميع الصورة

وخارجياً، تعاقدت حركة النهضة مع شركة العلاقات العامة الأميركية الكبري «بورسون - مارستلر»، من أجل تحسين صورتها في الولايات المتحدة قبيل الانتخابات البرلمانية. وأكدت تقارير إعلامية تونسية أن الحركة دفعت 20 مليون دولار للشركة (34 مليون دينار تونسي)، في حين قالت النهضة إن مكتبها في لندن هو الذي تكفّل بدفعها، في ظل تساؤل الرأي العام عن مصدر المبلغ الذي يعتبر كبيراً بالنسبة إلى حزب تونسي. وأشار مصدر من الحركة إلى أن الهدف من التعاقد هو تنظيم لقاءات لقيادات الحركة مع صانعي القرار الأميركيين، وهو الأمر الذي فسّره بعض المحللين على أنه محاولة لتقديم صورة جديدة للنهضة.

مركز قوة

قال الباحث في برنامج حول الشرق الأوسط في مركز ويلسون، ديفيد أوتواي: «لا تزال النهضة في مركز قوة يسمح لها بنسيان السمعة السيئة التي ارتبطت بوصول الإسلاميين إلى السلطة في الشرق الأوسط»، مضيفاً: «أعتقد أنهم متسرعون في إثبات أن هناك إسلاميين يؤمنون بالديمقراطية».

 

البيان