عادَ اسم المهندس سيف الإسلام القذّافي نَجل الزَّعيم الليبيّ الراحل يتَردَّد بقُوَّةٍ كأحَد أبْرَز المُرشَّحين لخَوضِ الانتِخابات الرئاسيّة الليبيّة. وبدأت في ليبيا، منذ مطلع ديسمبر 2018، حملات دعم سيف الإسلام القذافي من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية المنتظرة شهر مارس/آذار 2019، تزامنا مع ارتفاع أصوات تنادي برفع الحظر السياسي المفروض عليه، واستغلال الثقل القبلي الكبير الذي يستند عليه، لتمكينه من لعب دور رئيسي في العملية السياسية.

ورغم أن سيف الإسلام القذافي، الذي اختفى عن الأنظار منذ إطلاق سراحه من سجنه بالزنتان في يونيو/حزيران 2017، لم يعلن بعد عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة، لكن تحركات فريقه السياسي في الفترة الأخيرة، أكدت أن نجل الزعيم الليبي الراحل يمارس نشاطه السياسي ويتحرك داخليا وخارجيا، خاصة بعد حديث روسيا على وجود اتصالات معه، وهي مؤشرات قويّة، تمهد لعودة محتملة قد تكون قريبة، للقذافي الابن. 

الحديث عن ترشيح سيف الاسلام في الانتخابات القادمة، لقي صداه في الأوساط السياسية الليبية، حيث عبر البعض عن تأييده لفكرة الترشح فيما ربطها البعض الآخر ببعض الشروط الواجب توفرها في المرشح. 

فرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قال في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية، أن " سيف الإسلام مواطن ليبي له الحق في ممارسة حقوقه السياسية والمدنية بكل حرية، ما لم تكن هناك موانع قضائية تمنع ذلك، كما هو معمول به في كل دول العالم، وكذلك رجال النظام السابق فكما ذكرت لا يوجد أي موانع تحول دون ممارسة أي ليبي المشاركة في بناء الدولة، وهو حق أساسي لكل مواطن ما لم تكن هناك قيود قانونية". 

وبدوره أكد عضو مجلس النواب صالح افحيمة أن سيف الإسلام القذافي "مواطن ليبي ولا توجد موانع حقيقية على الأقل حتى الآن تمنع ترشحه لمنصب رئيس الدولة". وأضاف افحيمة في تصريح لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية" انه "في حال انطبقت شروط الترشح التي سيضعها قانون الانتخاب عليه فإنه لا احد يستطيع أن يحرمه من حقه في الترشح". 

ويتفق عضو مجلس النواب "المتنحي" د. محمد عامر العباني مع افحيمة، اذ يرى أن "سيف الإسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي مواطن ليبي يحق له الترشح للانتخابات إذا توفرت فيه الشروط". وبين العباني في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أن "الترشح للانتخابات الرئاسية يتطلب توفر شروط مثل الجنسية والعمر والمؤهل"، مضيفا "من تنطبق عليه الشروط بإمكانه دخول اﻹنتخابات بغض النظر عن انتماءاته السياسية أو الفكرية، وسيف الإسلام القذافي ليس استثناء من ذلك لو استوفى الشروط ورغب في الترشح". 

الحكومتان المتنافستان لم تبديا اعتراضا على ترشيح سيف الاسلام، فالحكومة المؤقتة في شرق البلاد، وعلى لسان وزير خارجيتها محمد الدايري، أكدت أنه من حق الدكتور سيف الإسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي، الترشح للانتخابات المقبلة. وقال الدايري في تصريحات صحافية، إنه من حق جميع مؤيدي النظام الجماهيري السابقين والمواطنين العاديين والسياسيين على حد سواء، العودة إلى ليبيا للمشاركة بالانتخابات والمساهمة في بناء المجتمع الجديد. 

أما حكومة الوفاق الليبية في غرب البلاد، فقد أكدت على لسان وزير خارجيتها محمد سياله انه يحق لسيف الإسلام نجل الزعيم الراحل معمر القذافي الترشح للانتخابات. وقال سياله في مقابلة تلفزيونية تابعتها ورصدتها "بوابة إفريقيا الإخبارية" انه إذا لم يكن على سيف الإسلام أحكام قضائية فمن حقه الترشح للانتخابات لكن الأمر متروك للقضاء. 

تصريحات سيالة لم تكن الوحيدة لمسؤول في حكومة الوفاق، فقد أكد وزير الدفاع بحكومة الوفاق العقيد المهدي البرغثي، بدوره في حوار مع "صحيفة الشرق الأوسط"، في مايو 2018، "أن لا شيء يمنع سيف الإسلام من ممارسة حقوقه السياسية، وقد أصبحت هذه قناعة شعبية، هو موجود في ليبيا، وأنا أرى فيه أنه جزء من الحل. وركن من أركان الحل". وبشأن ترشح سيف الإسلام للانتخابات قال "من دون شك. . . من حق أي واحد ما دام تحققت فيه الشروط" أن يترشح للانتخابات. 

ولا تبدو مشكلة القضاء مؤثرة في حد ذاتها في قضيّة الترشّح، فرئيس المفوضية العليا للانتخابات فى ليبيا الدكتور عماد السايح، أكد فى حوار مع صحيفة اليوم السابع المصرية، في يناير 2018، إن سيف الإسلام القذافى مواطن ليبى له كافة الحقوق السياسية، ومن حيث المبدأ له كافة الحقوق منها حق الترشح والانتخاب، مؤكدًا أنه يحق لسيف الإسلام القذافى الترشح بالانتخابات الرئاسية المقبلة لأنه حصل على "عفو عام" صادر عن الحكومة الليبية، مشيرًا إلى عدم وجود عقوبة على سيف الإسلام القذافى ويحق له الترشح على منصب رئاسة ليبيا فى الانتخابات المقبلة. 

وكان مجلس النواب بطبرق قد أقر يوم 27 يوليو/تموز 2015 قانونا للعفو العام، ونص القانون الذي يضم 11 مادة على أن يعفى عفوا عاما وشاملا عن كل الليبيين منذ تاريخ 15 فبراير/شباط 2011 حتى تاريخ إقرار القانون. 

ويرى فريق من الليبيين أن سيف الإسلام يتوفر على حظوظ وافرة للظفر برئاسة الجمهورية، مُرجِعين ذلك لعدة اعتبارات. ويرى المتنبِّئون بنجاح سيف الإسلام، أن الظرفية التي عاشتها ليبيا منذ سقوط نظام القذافي، وحالة "الفوضى" التي عاشتها طيلة هذه الفترة، من شأنها "تعزيز" شعبيته، خاصة بعد عدم توفُّق الفرقاء الحاليين في الخروج بالبلاد من وضعها الصعب. 

هذه الفرضية أكدها منسق العلاقات الليبية المصرية سابقا، أحمد قذاف الدم، الذي أكد في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية في يناير 2018: إن "سيف الإسلام القذافي هو الأوفر حظًا لقيادة ليبيا حال إجراء انتخابات"، مشددًا على أن هذا لن يكون معتمدا على قوة العائلة والتحالفات وإنما لأن الليبيين سئموا من فشل القيادات التي تناوبت السلطة منذ سقوط القذافي". 

واعتبر ابن عم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، أن الاتهامات التي وجهت لسيف الإسلام بارتكابه جرائم حرب "غير مدعومة بأي دليل مادي وأغلبها جاء في إطار الانتقام وتصفية الحسابات". وأوضح أن "الليبيين هم من طرحوا احتمالية ترشح سيف الإسلام، لشعورهم بأنه قد يكون الحل للنجاة من الفوضى. . . أما هو فلم يتحدث بنفسه". 

وقال إن سيف الإسلام "إذا رأى أن المناخ ملائم فسيترشح، وحينها لن يحصل فقط على أصواتنا من مؤيدي نظام القذافي وإنما أيضا على أصوات قطاع كبير من الليبيين ممن سئموا كل الوجوه السياسية التي مرت على البلاد منذ 2011 وساهمت في تدهور أوضاعها. . . ونحن وهؤلاء نشكل 70% تقريبا من الشعب: أي أغلبية". 

ويرى آخرون، أن مسألة دخول سيف الاسلام الانتخابات، من شأنها جذب اهتمام فئة من الليبيين، كونه يمثل الأمل في حل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد. ودفع ذلك منسق الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا فرع اجدابيا أحمد عبدالمولى الزوي، لتوجيه دعوة لكل داعمي سيف الاسلام معمر القذافي للبدء فى عقد الملتقيات والتجمعات لدعم خطة سيف الإسلام ورؤيته لإنقاذ الوطن. 

وقال الزوي في اتصال خص به بوابة إفريقيا الإخبارية "مع بداية العام الجديد وانطلاقا للعمل على أرض الواقع على كل الشرائح الاجتماعية والثقافية والشبابية البدء فى عقد الملتقيات والتجمعات لدعم خطة الدكتور سيف الإسلام ورؤيته لإنقاذ الوطن. وليكن شعارنا 2019 عام انقاذ الوطن بتطلعات أبن الوطن المجاهد الدكتور سيف". 

ورغم ترحيب فئة كبيرة بعودة سيف الإسلام الى الحياة السياسية، فإن هناك فئة ثانية، ترفض رجوعه ولا تتوقع له النجاح. ولا تستوعب هذه الفئة فكرة عودة قيادات النظام السابق إلى الحكم مجدداً؛ لأنهم يحمِّلون هذا النظام مسؤولية ما تعيشه البلاد اليوم من فوضى. 

ويعتمد الصف المحلي المعارض لترشّح سيف الإسلام القذّافي للرئاسة، على مشكلة محكمة الجنايات الدّوليّة التي تطالب بتسليم نجل العقيد الليبي الراحل معمّر القذّافي على خلفية اتهامات تتعلّق بالحرب الأهلية في العام 2011، حيث يحاولون توضيفها كأداة لمعارضة ترشحه بالرغم من أنه يتمتّع محليا بقانون العفو التشريعي العام والذي يجعله حرا بشكل كامل ويسقط عنه كل التتبعات القضائية السابقة في المحاكم الليبية. 

فمحمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لحركة الإخوان فى ليبيا، اعتمد على الجنايات الدّوليّة في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، في مايو 2018، حول إعلان سيف الإسلام القذافي عبر ممثلون له نيته الترشح، حيث قال: "مواقفنا لا تتغير … نحن مع تطبيق شروط الترشح، مع التأكيد على مدنية الدولة وانتفاء الموانع الجنائية"

وبدوره، قال رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، "إن سيف الإسلام "ليس نَزيها" بِما يَكفِي مِن الناحية القانونيّة ليتَرشَّح للرئاسة"، وأضاف في حَديثٍ لوكالة "سبوتنيك" الروسيّة، في أكتوبر 2018، "أنّه مَطلوبٌ لمحكمة الجنايات الدوليّة، وللقَضاء الليبي، ومِن أهَم شُروط تولّي منصب رئيس الدولة أن يكون المُرَشَّح نَزيها، الأمْر الذي يَحول دُونَ ترشيح نَجل الرئيس الليبيّ السَّابِق له". 

أما القيادي الاخواني "علي الصلابي"، فقد حاول نفي العدائية عن جماعته وإضهارها في مظهر المتصالح، حيث قال في كلمة له خلال منتدى الحوار بالجزائر، أنه "لا يمانع ترشح الدكتور سيف الإسلام القذافي أو غيره من الأسماء الفاعلة على الساحة الليبية للانتخابات". 

تصريحات الصلابي، بحسب الكثيرين تؤكد نهج "التلون وفق المصالح" الذي يتبناه الرجل، شأنه شأن تنظيم الإخوان. فالصلابي الذي سعى أن يكون مقربا من نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ، سيف الاسلام ، وكان ناشطا في مؤسسة القذافي للتنمية، واصطف إلى جانب النظام الليبي السابق في خطوة أخرى "مُحَرّماً الخروج عليه"، سرعان ما تحول عقب ذلك الى مفتٍ للجماعات الإرهابية التي حاربت ضد النظام وساهمت في اسقاط ليبيا في دوامة العنف في العام 2011. 

وفتحت وسائل الإعلام التابعة لجماعة الاخوان المسلمين فى ليبيا، النار على سيف الإسلام القذافى عقب ما تردد من نيته الترشح للرئاسة فى الانتخابات المرتقبة، موضحة أن نجل العقيد الراحل مدان فى عدد من القضايا ما يحول دون ترشحه للرئاسة وفقا لأحكام الدستور الليبى الذى يمنع أى مواطن ليبى من الترشح طالما صدرت بحقه أحكام أو تهم مخلة بالشرف. 

الإعلام الإخواني ذهب أبعد من ذلك، حيث نشر تصريحات منسوبة للمشير خليفة حفتر تسيء لسيف الإسلام القذافي على خلفية حديث عن ترشح ابن القذافي في الانتخابات الرئاسية الليبية. وسارع المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش اليبي أحمد المسماري، لنفي هذه التصريحات مؤكدا على لسان المشير  إن سيف الإسلام القذافي مواطن ليبي له ما له وعليه كما عليه. واتهم المسماري الإخوان بالوقوف وراء هذه الفبركة "لتحقيق أهداف شيطانية". 

ويوجد خصوم محليون لسيف الإسلام خاصة في غرب ليبيا، وبالتحديد في أوساط الميليشيات الجهوية والمذهبية المتشددة، وفي أروقة كل من مجلس الدولة والمجلس الرئاسي وهما مجلسان انبثقا عن اتفاق الصخيرات المدعوم من الأمم المتحدة، ويضمان شخصيات محسوبة على المتطرفين المعادين لنجل القذافي والرافضين لأي محاولة لظهوره على المسرح السياسي. 

وأدى نشر أنباء عن عزم سيف الترشح إلى تكشير الكثير من المتحفزين لأنيابهم. وجرى عرقلة صرف القيد والرقم الوطني لعائلة القذافي، لمنعه من الترشح، وذلك بالرغم من إصدار محمكة البيضاء الابتدائية بتاريخ الخامس عشر من فبراير 2018، أمرا بإلزام مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني بالصحيفة التنفيذية ليصبح ليصبح سند التنفيذ واجب التطبيق. 

وكان مكتب النائب العام قد طالب بإصدار رقم قيد وأرقام وطنية لأفراد عائلة العقيد الراحل معمر القذافي وإتمام الإجراءات لهم، وذلك في خطاب موجه لرئيس مصلحة الأحوال المدنية حمل توقيع رئيس قسم التحقيقات الصديق الصور بتاريخ 20 مارس/ آذار من العام 2018. لكن ضغط المليشيات المسلحة وتنفذها في أوساط القرار في العاصمة حال دون تنفيذ الأمر. 

وتشير أزمة بطاقة الرقم الوطني، إلى أن سيف الاسلام القذافي سيواجه حربا ضروسا لمنع وصوله الي الحكم من جانب منافسيه، ومن أصحاب الاجندات الخارجية، والذين من المتوقع ان يضعوا العديد من العراقيل امامه للحيلولة دون توليه رئاسة البلاد وتحقيق الحلم باستعادة وحدتها وإستقرارها. 

وتسيطر مليشيات تابعة لتنظيم الإخوان على العاصمة طرابلس ومدينة مصراتة، وعدد آخر من المدن بدعم تركي وقطري بالمال والسلاح لمساعدة الإرهابيين على بسط سيطرتهم هناك. وتصاعدت في الآونة الأخيرة عمليات ضبط شحنات من الأسلحة القادمة من تركيا إلى ليبيا، في مؤشر على نوايا لإجهاض محاولات الذهاب للإنتخابات وإبقاء حالة الفوضى السائدة. 

ومنذ العام 2011، انغمست ليبيا في الفوضى والعنف فالميليشيات المدججة بالسلاح تتحارب، والدولة منهارة ومفلسة، والنفط يغذي الأطراف المتنازعة، والمجموعة الدولية عاجزة عن حل أزمة تتعقد يوما بعد يوم حتى أن مخاطرها اتسعت لتتحول إلى مصدر قلق إقليمي ودولي. ووسط كل هذه الأوضاع المريرة يزداد الحنين إلى أيام كانت ليبيا تنعم بالسلام والاستقرار وكان لها صوت مسموع على الساحة الدولية. 

ويشير العديد من المراقبين، إلى ان ترشح سيف الإسلام القذافي لرئاسة ليبيا وتوافق الاطياف الشعبية والسياسية عليه قد يكون مخرجا اساسيا لإنقاذ البلاد من مأزقها الراهن واستعادة وحدتها وسيادتها على اراضيها بدلا من تظل نهبا للصراعات السياسية والميلشيات المسلحة والأخرى الارهابية، خاصة بعد ان كشفت التجربة العملية طوال سنوات الأزمة عن فشل ذريع في حماية البلاد من الاطماع الداخلية والخارجية وقادت البلاد شبه الهاوية بسبب الانقسام السياسي والامني.