مع تصاعد الحديث عن إمتداد الحملة العسكرية التي يشنها الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، لاستعادة السيطرة على الأراضي الليبية من الجماعات المتشددة والعصابات الإجرامية في الجنوب، إلى العاصمة طرابلس، سادت حالة من القلق والتوتر أوساط تيار الاسلام السياسي الذي بدأ في التحرك في محاولة لعرقلة تقدم الجيش الوطني الليبي.

إلى ذلك، احتشد عشرات المواطنين، من المنتمين لتيار الإسلام السياسي، في ميدان الشهداء بالعاصمة الليبية طرابلس، منددين بالمشير خلفية حفتر القائد العام للجيش الوطني، وفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وغسان سلامة المبعوث الأممي. وشارك في التظاهر بعض أنصار "المؤتمر الوطني" السابق، وأكد المتظاهرون على"رفض العملية العسكرية" التي يقوم بها الجيش الوطني لتطهير الجنوب من الجماعات الإرهابية والعصابات الأجنبية.

ووضع المتظاهرون حفتر والسراج في خانة واحدة، على الرغم من التباين السياسي والاختلاف الآيديولوجي بينهما، مرددين هتافات مؤيدة للمفتي المعزول الصادق الغرياني، الذي سبق وحرّض على حمل السلاح والاقتتال بين الليبيين. وطالب المتظاهرون مكتب النائب العام بإطلاق بعض الموقوفين المحسوبين على تيارات متشددة.

ووصف سعيد أمغيب، عضو مجلس النواب، هذه المظاهرة، بأنها "محاولة عبثية لإثارة الفتنة، وعرقلة جهود الجيش الوطني التي يجريها في جنوب البلاد". ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"، عن أمغيب، النائب عن مدينة الكفرة، قوله "هؤلاء قلة قليلة لم تعد تمثل الشعب الليبي"، معتبراً أن "تيار الإسلام السياسي لا همّ له إلا الحصول على المال، الذي تجمعه جماعة (الإخوان المسلمين)، والمفتي المعزول.

وتصاعدت مخاوف المتشددين والمليشيات في العاصمة بعد إعلان الجيش منذ يومين خروج أرتال عسكرية ضخمة إلى جهة لم يذكرها، رجح البعض أن تكون وجهتها سرت، بعد أن تمركزت على تخوم مدينة الجفرة، بينما رجح آخرون أن تحرك تلك الأرتال يهدف لتشتيت تركيز المجموعات المسلحة المناوئة لدخول الجيش إلى طرابلس وتحديدا قوات مصراتة.

وقال المكتب الإعلامي للقيادة العامة للجيش الثلاثاء على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، إن "تعزيزات عسكرية ضخمة من مختلف أنواع الأسلحة والذخائر والآليات التي على متنها مقاتلينا الأشاوس من أبناء القوات المسلحة العربية الليبية باتجاه المكان المعلوم والمحدد مسبقا من قبل.

وشهدت العاصمة الليبية مظاهرة مطلع مارس الجاري أعلن خلالها المتظاهرون تأييدهم للجيش الليبي بقيادة المشير حفتر الأمر الذي دفع المليشيات المسلحة للتدخل ومداهمة المتظاهرين وتفريقهم عبر اطلاق الرصاص وهو ما قوبل باستهجان في الأوساط الليبية التي اعتبرت أنه مؤشر على غياب حرية التعبير في ظل سطوة السلاح في طرابلس. كما شهدت الفترة الماضية اصدار العديد من المدن الغربية والقبائل بيانات تأييد للجيش الليبي.

وبعد قضاء الجيش الليبي على آخر جيب للإرهابيين في الشرق الليبي، بمدينة درنة، يوشك الآن على إحكام قبضته على الجنوب، ويتغلغل ببطء وصمت في مدن غرب طرابلس، مما سيضيق الخناق أكثر على العاصمة، غربا وجنوبا، والتي أعلن أكثر من مرة عن استعداده لاقتحامهالتحريرها من قبضة المليشيات التي ترفض انهاء الفوضى.

وفي هذا السياق، قال سراج الدين التاورغي الباحث السياسي الليبي، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إن الجيش الليبي غير رافض لأي صلح في ليبيا، وأنه كان دائما مع الحوار لإذابة الجليد بالنسبة للوضع السياسي الليبي. وأضاف، أن الجميع يدرك الضغوط والتهديدات التي يتعرض لها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج في طرابلس، وهو ما يحول دون تنفيذ ما يتم التوافق عليه.

وأوضح أن بعض قادة الكتائب الموجودة في طرابلس يريدون الانضمام إلى القوات المسلحة الليبية، وأن هناك بعض المليشيات الإرهابية جلبت بعض العناصر الإرهابية خلال الفترة الماضية إلى العاصمة طرابلس لتدريبهم على التصدي للجيش الليبي. وأشار إلى أن التعويل الآن على الحاضنة الشعبية في طرابلس، التي يمكن أن تسهل من عملية دخول الجيش، خاصة في ظل المعاناة اللتي عاشها الشعب في العاصمة طوال السنوات الماضية.

وتدعم الميليشيات المتمركزة في طرابلس والمدعومة من قطر، المجلس الرئاسي في العاصمة برئاسة فائز السراج الذي يواجه اتهامات بدعم عناصر "الإخوان" لتولي مناصب في حكومة الوفاق الوطني. وعلى رغم انتشار هذه الميليشيات في طرابلس، إلا أنها لم تتمكن من حماية العاصمة ومسؤولي حكومة السراج، إذ شهدت طرابلس عدداً من الاعتداءات الإرهابية آخرها هجوم انتحاري مزدوج يحمل بصمات "داعش" بمقر وزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق بالعاصمة قتل فيه 3 أشخاص وجرح 21 آخرون.

وبرز مؤخرا صراع بين هذه الميليشيات ووزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق بعد تكليف الوزارة اللواء السابع المتمركز في ترهونة بمهمة تأمين محيط طرابلس، حيث قالت هذه الميليشيات إنها طردت اللواء السابع من طرابلس في منتصف فبراير الماضي، وأعلنت أكثر من مرة التمرد على الحكومة وعدم الاعتراف بقراراتها.

ويؤكد مراقبون، أن حكومة الوفاق لا تمتلك قوات حقيقية، وتعتمد على جماعات مسلحة تسيطر على الكثير من المباني التي يعمل فيها وزراؤها. فيما يتصاعد التأييد للجيش الليبي الذي تتالت انتصاراته وتحريره للمدن ودحره للتنظيمات الارهابية وبات يسيطر على نحو 80 في المئة من الأراضي الليبية.

ويتمركز الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر في شرق البلاد، وتمكن من استعادة السيطرة على غالبية المناطق الليبية التي تشهد فوضى وانتشار تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" والعصابات العابرة للحدود التي تعمل في أنشطة التهريب والاتجار بالبشر وأنشطة الهجرة غير الشرعية، وكانت آخر هذه الحملات في جنوب البلاد الذي أعلن الجيش منتصف يناير الماضي انطلاق عمليات تحريره ونجح خلال الفترة الماضية في السيطرة على أغلب مناطقه وفرض الاستقرار فيها.

ووسط هذه التطورات أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا أن حفتر والسراج اتفقا خلال اجتماع أبوظبي مطلع الشهر الجاري، على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات. ولاحقاً، قال السراج إن ليبيا ستجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية بحلول نهاية العام الحالي. وأضاف السراج أنه التقى مع حفتر من أجل حقن الدماء والوصول إلى صيغة تجنب بلادنا الصراع والتصعيد العسكري.

يذكر أن الأمم المتحدة كانت تعتزم إجراء الانتخابات في ليبيا في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، كسبيل لإنهاء الأزمة التي اندلعت منذ العام 2011، لكن تصاعد حدة العنف وخاصة تجدد الاشتباكات بين المليشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، إضافة الى عدم وجود تفاهم بين الفرقاء حال دون ذلك.

ورغم أن الميليشيات المتصارعة على النفوذ تدعي انضواءها تحت راية حكومة الوفاق، إلا أنها لا تنصاع لأوامرها. ويرى مراقبون أن العاصمة طرابلس تبقى أسيرة للصراعات والإشتباكات وغياب الأمن، مع تواصل تغول الميليشيات التي ترسخ وجودها في ظل غياب مؤسسات الدولة، مع عجز حكومة الوفاق. ويأمل الليبيون في استعادة وطنهم وبناء مستقبل أفضل بعيدا عن التطرف والعنف الذي جعل من هذا البلد الغني بالثروات يعيش أوضاعا اقتصادية متردية.