في الوقت الذي يعيش فيه العالم على وقع أزمة صحية استثنائية جراء فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي يواصل الانتشار في جميع أرجاء المعمور، تزيد التغيرات المناخية وآثار الاحتباس الحراري من حدة الوضع البيئي والاقتصادي. وبالمغرب، اعتبرت المديرية العامة للأرصاد الجوية، أن المغرب يعد حاليا من بين المناطق التي ستتأثر بالتغيرات المناخية في منطقة الحوض المتوسط وشمال إفريقيا، مشيرة إلى أن المعطيات المناخية المرصودة على المستوى الوطني تظهر أن معدل اﻹحترار يقدر ب 0.33 درجة سيليسيوس في كل عشر سنوات، وهو معدل يفوق المعدل العالمي العام.

وتكتسي التغيرات المناخية أهمية بالغة داخل المنظومة البيئية بجميع مجالاتها، نظرا لارتباطها الوثيق بتفاوت درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر وسقوط الأمطار وتقلب الأحوال الجوية، ما ينعكس بدوره على صحة الإنسان وسلامته والانتاج الفلاحي والأمن الغذائي والمائي، ومن ثم على مستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي ما يخص سيناريوهات المستقبل، فقد أكدت المديرية العامة للأرصاد الجوية المتخصصة في الرصد الجوي، في معطيات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء أن المغرب ومنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط عموما، ستعرف احترارا قد يصل إلى 0.5 درجة سيليسيوس كل عشر سنوات حسب المنطقة والسيناريو، مضيفة أن المغرب، سيعرف أيضا بحسب الإسقاطات المستقبلية، ندرة في التساقطات، بسبب اتجاه معظم المناطق الشمالية للمغرب نحو مناخ أكثر جفافا، مع تزايد في مدى موجات الحر.

وفي تعليقه عن هذا الوضع، قال المنسق الوطني للإئتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المغرب سجل مؤخرا ببعض المناطق فيضانات وأمواجا بحرية ساحلية ضخمة بالإضافة إلى تساقط البرد الذي أتلف جزءا مهما من المحاصيل الفلاحية، وهو الشيء الذي زاد من تفاقم الوضعية الاقتصادية لمجموعة من الفلاحين الصغار المتأثرة أساسا بسبب الأزمة. وهذا الوضع يرجع لموقع المغرب الذي يوجد ضمن الدول الأكثر تعرضا للتغيرات المناخية، الملاحظة بجلاء في اختلال الفصول وبالتالي تغير الدورة الزراعية وتزايد الهشاشة بسبب تزايد التصحر، في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل مقابل تراجع مؤشرات التساقطات، وفقا لكل السناريوهات والتقارير العلمية المتعلقة بالموضوع. ونظرا لاستحالة التحكم في التغيرات المناخية، فالخيار الوحيد هو التكيف مع الوضع المناخي الجديد، من خلال تدبير مندمج للموارد المائية والفلاحة المستدامة واعتماد مقاربات بيئية ناجعة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الديموغرافية والتكنلوجية والاستراتيجية.

والأكيد أن انتشار فيروس كورونا يرتبط مباشرة باختلال المنظومة البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية، لتتحول بذلك الأزمة الصحية الحالية إلى فرصة مثالية لتسريع إصلاحات كبرى في المنظومة البيئية وزيادة الوعي بالدور الذي تضطلع به التغيرات المناخية. وفي هذا السياق، أكد المنسق الوطني للإئتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، أن إدراج إصلاحات تشريعية وتقنية تعمل على تعزيز الحكامة المناخية والمائية للمملكة ستمكن من الإستفادة من الطاقات المتجددة، وستمكن المغرب من التوفر على رؤية على المدى البعيد، تشرك كافة الفاعلين في القطاع الطاقي، وتدمج جميع فئات المجتمع، فضلا على إرساء مقاربة استباقية تعزز من قدرة الصمود أمام التغيرات المستقبلية ذات الطابع البيئي والطاقي وتنسجم مع أهداف التنمية المستدامة.


جدير بالذكر، أنّ المبادرات الملكية مكنت المغرب من اعتماد سياسة بيئية مستدامة من خلال احتضان المغرب سنة 2016 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 22) بمراكش، وإطلاق عدد من مشاريع الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، هذه المبادرات لابد من استثمارها باعتبارها مكاسب للخروج من أزمة كوفيد-19 متعددة الأبعاد والرهان على إقلاع حقيقي في السياق الدولي الحالي الذي يعرف توجها عالميا سريعا نحو الانتقال الطاقي والفلاحي والإيكولوجي.