في 10 فبراير 2012،تابعْتُحلقة علمية في موضوع:"السياسةالخارجية التركية في ضوء تطورات المنطقة العربية"، أطرها الأستاذ فؤاد فرحاوي (شاب مغربي، باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد البحوث الإستراتيجية الدولية أنقرة –تركيا). وكانت أول مرة أشكّل فيها فكرة عن تركيا وسياستها الخارجية.

الأستاذ فؤاد فرحاوي استهل عرضه بالحديث عن السياسة الخارجية التركية، والأسباب التي طبعت العلاقة التركية العربية بالضبابية وخاصة الفاصل الزمني الكبير الذي عزل الأتراك عن العرب طيلة عقود. ثم سلط الضوء على المؤسسات التي تصنع قرارات السياسة الخارجية التركية، والتي تتمثل في:

 - الجهاز التنفيذي ومن ضمنه (مؤسسة الرئاسة) و(رئاسة الوزراء) و(المستشارون) بتعدد منابعهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية والمهنية، ويتم انتقاء هؤلاء المستشارين من الأحزاب ومراكز البحث والمؤسسات الإعلامية، كما أن بعضهم يعبر عن رأي ومصالح الأقليات التي وصفها الباحث بـ "الأقليات الوظيفية".

- مجلس الأمن القومي التركي، الذي تأسس بعد انقلاب عام 1980، وإلى جانب دوره في السياسة الداخلية فهو يساهم في رسم السياسة الخارجية، وهو مطرقة الجيش والعلمانيين على حد تعبير الباحث. وقد خضع النظام القانوني لهذا المجلس إلى تعديلات مست السياسات العامة، كما تحدث عن تشكيلته التي كانت عسكرية منذ نشأته ثم أصبحت مدنية بعد التعديلات، ومن ضمن التغييرات التي طرأت على المجلس أن قراراته لم تعد إلزامية كما كانت في السابق بل أصبحت مجرد مساهمات اقتراحية. وفي صدد حديثه عن التاريخ التركي والتحولات التي عرفتها تركيا، أشار إلى إرغينكون (Ergenekon) وهي منظمة  تعود جذورها إلى القرن الماضي، وأهم أهدافها هو "المحافظة" على تركيا كدولة علمانية وعسكرية. 

- مؤسسة التنمية والتعاون التركية "تيكا "، تشرف على مشاريع تنموية خارج تركيا.

- هناك أيضا الجهاز التشريعي والمؤسسات المدنية والأقليات الوظيفية.

وفي صدد حديثه عن العلاقة العربية التركية، صنف الباحث فرحاوي هذه العلاقة إلى خمس مراحل:

1-من تأسيس الدولة التركية (الحرب العالمية الأولى) إلى الحرب العالمية الثانية. في هذه الفترة تركزت جهود تركيا على وحدتها الترابية في سياق نزعة قومية، وقد اتسمت هذه المرحلة بالعنف ضد الحركات الانفصالية والإصلاحية. أما العرب فقد كانوا تحت الحماية وهذا الوضع عزل الطرفين عن بعضهما وخلف سوء فهم بين النخب وعَمّق من الجفاء بينهما.

2-من الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الباردة. هذه الفترة تميزت بحروب التحرير والصعود الأمريكي على حساب الدور البريطاني الفرنسي، وبروز النزعة القومية العربية وهو نزوع عمّق من الجفوة بين العرب والأتراك. مع السبعينيات حدث تطور تدريجي في التقارب التركي العربي، تبلور في الثمانينيات مع الإصلاحات وبرزت حاجة الأتراك إلى العرب.

3-فترة التسعينيات، وهي الفترة التي أسست لنهاية الحرب الباردة التي كان من نتائجها الحرب على العراق،وانخراط تركيا في هذه الحرب إلى جانب الغرب وبلدان الخليج. كما تميزت هذه الفترة لدى تركيا بإعادة بناء هويتها وبناء تحالفات قومية في آسيا بالإضافة إلى علاقتها مع إسرائيل.

4-العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. تأسست السياسة التركية في هذه الفترة على خلفية "نظرية العمق الاستراتيجي" التي وضعها أحمد داود أوغلو، حيث انخرط القطاعان، العمومي والخصوصي في تطوير العلاقة التركية العربية، واتسمت هذه المرحلة بجملة من الاتفاقات والمشاريع التركية العربية.

5-فترة الربيع العربي. هي الفترة الأكثر حرجا في العلاقة التركية العربية بوصفها فترة يمكنها أن تقوض كل ما تم بناؤه في إطار العلاقة التركية العربية، وهذا ما جعل السياسة الخارجية التركية تنوع من مواقفها وفق ما يقتضيه الظرف والحاجة فانتهجت، يقول الباحث، أربعة أساليب:

-نصرة ثورة الشعوب من خلال الدعوة إلى تلبية مطالبها (تونس ومصر).

-اللجوء إلى اعتماد الضغط على الأنظمة غير الديمقراطية (ليبيا وسوريا).

-متابعة الوضع عن كثب والمساهمة في دور الوساطة (اليمن والبحرين).

-تثمين الإصلاحات (الحالة المغربية)، وفي هذا السياق ذكر الباحث عبارة قالها الوزير التركي أوغلو ومفادها أن "المغرب تعامل مع المتغيرات بطريقة ذكية جدا، ويمكنه أن يكون نموذجا للبلدان العربية".

عن مستقبل علاقات تركيا بالوضع العربي، حدده الباحث في أربع سيناريوهات:

1-أن تنجح الثورات وتحقق أهدافها في بناء وضع عربي أحسن.

2-أن يحالف النجاح البلدان التي عرفت الاحتجاجات وتفشل في البلدان الأخرى.

3-أن تنجح بعض البلدان في تخطي الأزمة وتتعثر بلدان أخرى.

4-أن تفشل التغييرات ويتحول الوضع العربي إلى الأسوأ.

حسب الباحث، ترجح تركيا السيناريو الثالث، وتحاول من خلاله أن ترتب سياستها الخارجية مع الوضع العربي الجديد، مع الأخذ في الحسبان، السياق العالمي الذي يعرف نقاشا حول طرق تويع السلطة والثروة.

وحدد الباحث السياسة التركية العربية في أربعة محاور:

المحور الأول يمتد من لبنان إلى العراق، وهو الأكثر خطورة بسبب الوجود الإيراني والوضع السوري والعراق بعد الانسحاب الأمريكي، والثاني يشمل بلدان الخليج والامتداد السعودي داخل آسيا الوسطى ذات العمق الاستراتيجي التركي، والثالث يشمل مصر بوصفها رهانا اقتصاديا تعوض به تركيا خسارتها في سوريا والعراق، والرابع يشمل المنطقة المغاربية.

بعد عقد من الزمن

انتهت تشريعيات يونيو 2021 في الجزائر، وهي ثالث استحقاقات خاضتها الجزائر بعد الإعصار الذي عصف بعهد بوتفليقة (بعد رئاسيات ديسمبر 2019،  والاستفتاء على دستور نوفمبر 2020). الاستحقاقات الثلاث جرت في جو مشحون عزز من شروط نجاح الجهة المتحكمة في مفاصل الحكم. من الصعب أن تحدد وصفا للمعارضة في الجزائر بحكم غياب طبقة سياسية تعرف ما لها وما عليها. مع فوز أنصار العهدة الرابعة عام 2014، تحرك خصومها بحثا عن طريق سحري يجعلهم مستقبلا شركاء في الحكم، فكانميلاد "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي" بالموازاة، أعلنت الأحزاب المساندة لمرشح الانتخابات الرئاسية علي بن فليس عن ميلاد ‘قطب القوى من أجل التغيير’. وبعد مد وجزر ذهب كل واحد إلى حال سبيله.

في سياق التحولات المترتبة عن حراك 22 فبراير، طفا إلى السطح الحديث عن وثيقة تسمى "أرضية عين البنيان"المنبثقة عن المنتدى الوطني للحوار الذي حضره قرابة 700 مشارك مطلع يوليو 2019، كمابرز تكتل سياسي أطلق على نفسه "قوى البديل الديمقراطي". ويبدو أن تلك الأرضية كانت ورقة طريق قرأها كل طرف من زاويته المفضلة. كما خرج من رحم الأحداث تنظيمان مقرّبان من أصحاب القرار ربما سيكون لهما دور ما بعد الانتخابات هما نداء الوطن والمسار الجديد.

في تونس لا يمضي يوم إلا وازداد الصراع حدة بين الرئاسة والحكومة والنهضة، وازداد الشارع احتجاجا ضد غلاء الأسعار، أو ضد الفساد، أو كان مسرحا للصراع الحزبي.منذ أصر الرئيس «قيس سعيد» برفض الموافقة على التعديل الوزاري، نتيجة لوجود شبهات بالفساد تحيط بالأعضاء الجدد؛ صدرت عدة تقارير تحدثت عن مرحلة الانسداد السياسي التي بلغت ذروتها. لا الوساطة نجحت في الحل ولا ائتلاف النهضة نجح في عزل رئيس الجمهورية.

منذ النجاحات التي أحرزتها ليبيا في إطار سلسلة الحوار الذي أثمر حكومة وحدة وطنية، ورغم صعوبة المهمة مازال الليبيون مصرّين على الخروج ببلدهم إلى بر الأمان. ويبدو أن أكبر عائق يعترض مسار البناء المؤسساتي يتمثل في الميليشيات والمرتزقة.

المغرب مقبل على التشريعيات بعد أن عاش تجربة الحكم مع الإخوان. المشهد الحزبي مازال مخيبا لآمال الشباب.بعد شهور قليلة ستجري هذه الاستحقاقات، في جو تغيب فيه ثقة المواطن، وفي وضع يعيش فيه المغرب صراعا مع إسبانيا وألمانيا ومن خلفهما الاتحاد الأوروبي.

وموريتانيا، رغم أنها تخوض محاولة التغيير، فلعل أكبر عقبة تعانيها تتمثل في بناء سياسة براغماتية ولاسيما في علاقتها بين المغرب والجزائر.

بعد مرور عقد من الزمن خسرت تركيا أهم حليف لها في أوروبا (ألمانيا)، وفشلت في كسب ثقة الاتحاد الأوروبي، وازداد وضعها الداخلي السياسي تأزما إزاء المسألة الكردية بقيادة عبد الله أوجلان من جهة ومع عبد الله غولن من جهة ثانية، وتقلص منسوب الديمقراطيا مع سلسلة الاعتقالات والمحاكمات التي طالت الآلاف بعد محاولة الانقلاب؛ كما تدهور وضعها الاقتصادي.

بالموازاة، وبعد مرور عقد من الزمن، نجحت تركيا في التغلغل داخل المنطقة المغاربية عبر كل الوسائل المتاحة، في تحالف وثيق مع قطر والإخوان المسلمين. فالوجود التركي بليبيا مازال قويا، وعلاقتها بباقي البدان المغاربية تتسم بالتفاهم والتعاون وعلاقتها بمصر تجاوزت عقبة العداء، فهل تغلغل تركيا في الفضاء المغاربي هدفه التعاون وتبادل المصالح بينها وبين دول المنطقة؟ أم هو استغلال لهشاشة الوضع وتأزم العلاقات المغاربية فيما بينها؟ وإلى أي مآل ستؤول العلاقة التركية المغاربية؟

عام 2024، المصادف للرئاسيات الأمريكية، ليس موعدا مهما في حد ذاته، فهناك مواعيد قبله وأخرى بعده لا تقل أهمية، ذات صلة بطي ملفات الحرب العالمية الأولى التي مر عليها قرن، وذات صلة بموعدين رياضيين: كأس العالم 2022(هل سيلتئم البيت الخليجي؟)؛ وكأس العالم 2026 (هل سيولد تكتل أمريكي جديد؟).

لم يعد خافيا على أحد نوعية الوجود التركي في البلدان المغاربية؛ولعل نهايةمعاهدة لوزان 2 صيف 2023، الذي ستتزامن مع الرئاسيات التركية، سترسم معالم جديدة لتركيا التي تحلم باستعادة إرثها الإمبراطوري.

 فهل ستعثر تركيا على ضالتها في مغارب متنابذة؟ أم حلمها الإمبراطوري مجرد وهم سينقلب إلى ضده وتجد تركيا نفسها بعد مغامرة التوسع غارقة في أوحال مشاكلها الداخلية؟

وأين ستكون وجهة إخوان مصر بعد أن استعادت تركيا علاقتها بمصر؟ وما هو مصير الإخوان في ليبيا، تونس والمغرب؟ وهل سيكون إخوان الجزائر في وضع أفضل من غيرهم؟ وما هو الدور الذي أنيط لتركيا في كل بلد من البلدان المغاربية؟ أم أن إخوان تركيا أنفسهم سيضطرون إلى البحث عن ملاذ بعد رئاسيات 2023؟