يسجل التاريخ أن علاقة المغاربيين بالقدس تعود إلى بداية القرن العاشر الميلادي، وحارة المغاربة تشهد على ذلك (المغاربة، هنا، تعني المغاربيين). وعندما قرأت أول مرة أن حرب 48 شارك فيها مغاربيون استغربت، وتساءلت: كيف ذهب جزائريون ومغاربة وليبيون للقتال دفاعا عن فلسطين بينما بلدانهم تحت الاستعمار الفرنسي؟ هذا الأمر الذي يبدو منافيا للمنطق يمكن فهمه في إطار تلك العلاقة التي جمعت شعوب المغرب الكبير بالقدس منذ القرن العاشر.

هذه العلاقة تجلت في السياسة المغاربية بعد أن نالت المنطقة استقلالها في ستينيات القرن الماضي. على المستوى الشعبي كما على المستوى الرسمي ظل المغاربيون يدعمون القضية الفلسطينية دون قيد أو شرط، وحتى على حساب مصالحهم، بل أكثر من ذلك، أنهم تنافسوا على خدمة القضية إلى درجة التصارع فيما بينهم. لم يتأخروا أفرادا وجماعات، أحزابا وحكومات.

القدس، مثلا، تحت إشراف مغربي منذ 1975 على إثر تأسيس لجنة القدس التي يرأسها حاليا الملك محمد السادس وبتمويل مغربي بنسبة 80 في المئة، كما نجد "مجموعة العمل الوطني من أجل فلسطين في المغرب" التي يشرف عليها المحامي والحقوقي خالد السفياني وتضم نخبة من مثقفين مغاربة وسياسيين، و "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" الذي يرأسه أحمد ويحمان. والأمر ذاته ينسحب بشكل أو بآخر على تونس وليبيا وموريتانيا.

أما الجزائر فمازال الجزائريون والفلسطينيون يرددون العبارة الشهيرة التي قالها الرئيس الراحل هواري بومدين "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة". فمنذ عام 1965 تاريخ فتح أول مكتب للثورة الفلسطينية في شارع فكتور هيغو بالجزائر العاصمة عملت الجزائر على تدريب المقاتلين الفلسطينيين وتهريب الأسلحة عبر أراضي البلدان العربية. وفي عام 1988 احتضنت الجزائر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر حيث تم الإعلان عن قيام دولة فلسطين.

منذ 1988 تدفقت مياه كثيرة تحت جسر القضية، وفوقه تحركت قوافل لا تعد ولا تحصى في اتجاهات شتى. مر على ذلك الحدث أكثر من ثلاثة عقود، ودار الزمن دورته لتعود فلسطين إلى الأرض المغاربية، عادت، هذه المرة، بعربها ويهودها، بمناهضي الصهيونيا وبأنصار التطبيع. كما لو أن المشرق انزاح بشكل سريالي في اتجاه المغرب بحثا عن رواة جدد لحكايات قديمة، حتى كدنا نقتنع أن شيشناق ليس مغاربيا فحسب، بل الأب المؤسس لمناهضة الصهيونيا. وعلى ذكر شيشناق هذا الملك الذي حكم بلاد القبط منتصف القرن العاشر قبل المسيح، واستولى على القدس بعد غزوه لإسرائيل حسب ما ورد في التوراة، جعلت منه الحركة الأمازيغية رمزا للتقويم الأمازيغي، وهي حركة على صلة بإسرائيل. وأثناء تحريري لهذا المقال صادفت خبرا عن صدور كتابِ أثار جدلا بغلافه ومحتواه. الكتاب الذي جاء تحت عنوان: بربر صهيون: عصر أكاذيب الدول وزيفها (berbère de sion Ère du faux et mensonges d’États) للكاتبة حفصة قارة مصطفى، صدر في فرنسا وحمل غلافه الرمز الأمازيغي بلون الراية الإسرائيلية للدلالة على طبيعة العلاقة بين الحركة الأمازيغية والصهيونيا.

أردت فقط أن أشير إلى تناقض التمثلات على المتخيل الثقافي في بعده السياسي والأيديولوجي، فمن جهة، نجد تيارا من الحركة الأمازيغية على علاقة طبيعية بإسرائيل، وتيارا آخر ضد التطبيع، وكل تيار يفسر ويؤول رمزية شيشناق على هواه. ومن هنا تتسع فجوة الشقاق وتتعاظم الخلافات مثلما حدث في كل الحركات التي يغلب عليها النزوع الأيديولوجي.

في هذا السياق نعيش اليوم في الجزائر على وقع حراك دبلوماسي حثيث تسعى الجزائر في إطاره إلى تنظيم مؤتمر يضم الفصائل الفلسطينية بحثا عن أفق فلسطيني أكثر توافقا وواقعية في خدمة الشعب الفلسطيني.

هل يأت الحل على يد الجزائر، نأمل! نتساءل مع الإعلامي الفلسطيني، مصطفى الصواف في أحد مقالاته؛ وتحت عنوان: حوارات المصالحة الفلسطينية: لماذا في الجزائر؟ ولماذا الآن؟ نتساءل مع أحد أبرز المثقفين الفلسطينيين، السوسيولوجي إبراهيم أبراش.