يتعرض الجنوب الليبي منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، إلى هجمات من قبل مجموعات أجنبية خارجة عن القانون، أبرزها المجموعات التشادية المسلحة التي استغلت الفراغ الأمني والسياسي لتكرار هجومها واستهدافها المنشآت العامة والخاصة في محاولة منها لبث الرعب لدى سكان هذه المناطق ليسهل في ما بعد السيطرة عليها.

تقاسم ليبيا من الجهة الجنوبية مع كل من التشاد والنيجر والسودان والجزائر، حدوداً يبلغ طولها 4389 كيلومتراً، شريط حدودي غير مراقب أمنياً استغلته هذه الجماعات لتنمية نشاطها في تجارة التهريب والتوسع في مختلف مدن الجنوب.

وقبل نهاية أغسطس من العام الماضي ، عززت تشاد وجودها العسكري قرب الحدود المشتركة مع ليبيا، لتفادي هجمات مسلحة محتملة، كما أمرت جميع عمال مناجم الذهب بمغادرة المنطقة الشمالية عقب الهجوم الذي تبناه «المجلس العسكري لإنقاذ تشاد» على بعد 35 كيلومتراً من الحدود الجنوبية لليبيا، وأسفر عن مقتل بضعة أشخاص من بينهم 3 ضباط.

وتقول حركة التمرد الجديدة، التي تطلق على نفسها اسم "مجلس القيادة العسكري لإنقاذ الجمهورية"، إنها تسعى إلى إطاحة الرئيس التشادي الذي تواجه بلاده تهديدات من متشددين وتحاول منع تسلل الفارين من الصراع في ليبيا.

فإن تغير شكل الصراع في ليبيا جعل من هذه المجموعات المسلحة قطب صراع لافت، فلا حرج لدى هذه العناصر من التحالف مع أي تنظيم إرهابي ضد قوات الجيش والشرطة لقاء بقائها داخل الحدود والمدن الجنوبية التي اتخذت منها قواعد انطلاق لتنفيذ عملياتها ضد الجيش في الجنوب من جهة وضد قوات الجمهورية التشادية من جهة أخرى.

فتحالف هذه العناصر مع تنظيم "القاعدة" في سوابق عدة للهجوم على حقول النفط جنوبي البلاد والموانئ النفطية في الشمال تحت مسميات عدة، كان الدليل الدامغ على تعدد ولاءات هذه الميليشيات لقاء حصولها على المال وأكبر مساحة جغرافية من جنوب البلاد المنكوب.

من جانبه،تحرّك الجيش الليبي إيزاء هذا الخطر الدّاهم في إطار عملياته العسكرية الواسعة جنوبي ليبيا وفي الوسط كشفت عن مدى حجم وتغلغل هذه الميليشيات في ليبيا وسط صمت دولي.

وقوبل هذا التحرك من قبل الجيش باستنكار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس عبر بيان لها نددت فيه بهذه الخطوة، ما يضع علامات استفهام حول دفاع الحكومة عن هذه الجماعات، ويضعها في موضع شبهة حول علاقتها بها.

ففي بداية هذا الشهر،حاولت مجموعة من المعارضة التشادية الدخول إلى مدينة مرزق وحاصرتها وبدأت في قصفها بالأسلحة الثقيلة إلا أن القوات المسلحة في المدينة وبمساندة الأهالي صدت الهجوم ووقفت في وجه هذه القوة المهاجمة.

وعلى الفور شنت طائرات سلاح الجو الليبي غارات جوية استهدفت تمركزات المعارضة التشادية في محيط مرزق وتمكنت من قتل عدد كبير منهم وفر الآخرون أمام ضربات سلاح الجو.

خرج المكتب الرئاسي لحكومة الوفاق وأدان الغارات الجوية معتبرًا أنها استهدفت المدنيين واصفًا إياها بالمجزرة، فيما خرجت أصوات أخرى ادعت أن الغارة استهدفت أحد الأعراس في المدينة وتسبب في سقوط مدنيين.

إلا أن أحد قيادات المعارضه التشادية يدعى إبراهيم بن عمر نشر أسماء قتلى المعارضة التشادية في مرزق وهي 32 اسم ما يؤكد أن من تم قصفهم ليسوا مدنيين.

وقال القيادي التشادي عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"الضحايا المدنيون في غارة مرزق الجوية ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، رحب الله بكم في الجنة الأبدية الفردوس ، إن شاء الله ، تتم العدالة في هذه المذبحة البغيضة والجبانة".

في نفس السياق،يرى مراقبون أن الجنوب الليبي يعاني من سياسة التهميش الاقتصادي والسياسي وغياب تام لعنصر الأمن الحدودي ما شجع المجموعات المسلحة الأجنبية على استغلال هذه البيئة الخصبة لتنمية أنشطتها في مجال التهريب وإقامة معاقل للتنظيمات المتطرفة التي تطمح لأن يكون الجنوب الليبي نقطة رئيسة لانطلاق عملياتها القتالية تجاه دول الجوار الليبي على الرغم من حرص البعثة الأممية في ليبيا بمساعدة الإتحاد الأوروبي على تمويل مشاريع تكوين عناصر أمنية ليبية مختصة في تأمين الحدود البرية والبحرية.