يحيي العالم في السابع والعشرين من مارس من كل عام، يوم المسرح العالمي إيماناً بأهمية هذا الإبداع الفكري الذي أبدعه الإنسان، وللتأكيد على الدور الكبير الذي يقوم به المسرح في رقي المجتمعات والشعوب، فكان التطوير والتجديد ليعاصر تاريخ البشرية ومراحل الحياة الكبرى.‏ والمسرح بحسب تعبير "جان لوي بارو" أحد أعرق الفنون وأعظمها، وأهم جزر الصدقية الإنسانية، إذ ينحّي جانباً كل شيء يفرّق بين البشر، ويدعم كل ما هو مشترك بين الناس، ويكشف عن القلب الذي يتقاسمونه، ما يجعله أفضل وسيط للسلام. والاحتفاء بيوم المسرح العالمي، أحقاً هو تتويج لإنجازات الحركة المسرحية وعروضها كل عام...؟ أم أن علينا أن نقتنع أن الأمر كالعادة احتفاء بذكرى كل شيء كاد ينقرض ويذهب إلى غير رجعة، ولم يبقَ منه إلا أطلاله أو ذكرى...؟ 

اليوم ونحن نحتفي بالمسرح، بأطلاله، ببقاياه... أترانا نخطئ حين نسأل لماذا لم يستطع المسرح المغاربي أن يمد جسور التفاعل والتواصل الحقيقي إلى المجتمع؟ 

الأسباب كثيرة ومتعددة، بدءاً من تطور الحياة ووسائل الترفيه والثقافة، ووصول الرسالة الإعلامية والثقافية والإبداعية إلى المشاهد أو المتابع، وهو في فراشه ودون تكاليف كثيرة، وبالتأكيد هذا سبب رئيسي في كل أنحاء الدنيا، لكنه لدينا السبب الأول والأخير، إذ أنّ المسرح ومازال نشطاً في الكثير من دول العالم، ويجد محبوه ومتابعوه الفرصة للفرجة والاحتفاء به ومتابعته.‏ صحيح أن المسرح المغاربي قد مرّ بمرحلة ازدهار حقيقي لم تدم طويلاً، وصحيح أيضاً أنه لدينا في بعض المدن المغاربية مسارح وبنية تؤهل لأن يكون المسرح مزدهراً، ولكن الأصح أن الاهتمام بالمسرح بدءاً من المدرسة لم يعد قائماً، فالمسرح المدرسي والجامعي كانا النواة الحقيقية للمسرح العام، أو المستكمل شروطه، ولا ننسى أن إغراء الشاشة قد سرق الممثلين الذين تخرجوا من المعاهد المختصة، ومن ثم أزمة النص المسرحي الحقيقي، إذ افتقدنا الكتاب الحقيقيين الذين أبدعوا وقدموا مسرحاً خالداً، واليوم قد تحولت النصوص إلى تهريج وتلميح تحمل في طياتها الإثارة الآنية والنكتة البذيئة من أجل استقطاب المزيد من المتابعين... وبالتأكيد أيضاً الكاتب المسرحي لن يحصد مالاً كما كتاب نصوص المسلسلات أو الأفلام... لذلك تغيرت البوصلة من التأليف المسرحي إلى المسلسلات والأفلام...‏ 

ربما اليوم ونحن نتذكر المسرح بدولنا المغاربية ونحتفي به، بأطلاله، ببقاياه علينا أن نتذكر أن الإبداع الحقيقي سيبقى ومسرحنا أصيل وراسخ في تاريخنا، ولن نذهب في البحث عن جذوره في ثقافتنا وحضارتنا، فقد فعل ذلك باحثون بذلوا جهوداً متميزة أتت أكلها وأثبتت أن المسرح ابن هذه الحضارة، وإن بدا طقوساً وثنية، لكنه تطور ونضج ليصل إلى ما هو عليه، ولكننا لم نكن لننتبه إلى هذه الجذور التي أرادوا طمسها...‏ ومن هنا... لا بأس أن نعتبر يوم الذكرى هذا جرساً يقرع لشد انتباهنا جميعاً لهذا الإرث الحضاري الكبير، ولنقف ولنبحث في نقاط الخلل التي يعانيها مسرحنا المغاربي والتي يقال عنها (أزمة مسرح) بداية من النص المؤلف خصيصاً ليمثل على الخشبة، وفقاً للأسس والمعايير المنهجية العلمية وكل المقومات الفنية والتكتيكية وشروط البناء الدرامي، إلى الممثل والمخرج ونهاية بالعرض والجمهور.‏ 

إنّ مناسبة الاحتفال بيوم المسرح العالمي، تتطلب التساؤل عن أزمة المسرح المغاربي التي طال الحديث عنها... هل هي أزمة حقيقية؟ أم أن هذا جزء من طبيعة المسرح كفن قائم على القلق...؟ وحول الحديث عن  هذه الفكرة التي شكلت محوراً للعديد من النقاشات المسرحية، فيمكننا القول: إن المسرح فن مأزوم منذ الأزل، ولن يصل في يوم لحالة الطمأنينة، وهذا ليس في بلداننا فقط، بل الأمر ينسحب على مستوى العالم بسبب أن المسرح غير مرغوب استثمارياً، وبالتالي فهو بحاجة للرعاية المؤسساتية والدعم المادي، كما أن جمهوره محدود دائماً والعاملون فيه متطوعون لأنهم استطاعوا أن يدركوا لذة أن يقدموا على خشبة المسرح عملاً له لون وطعم ورائحة الحلم الذي يرغبون، ومن هذا المنطلق ستبقى أزمة المسرح قائمة لأنها ترتبط بتطلعات ورؤى كل مرحلة زمنية، وسيبقى هناك أشخاص يبحثون ويعملون ولن يصلوا للحالة التي ترضي طموحهم، لأن المسرح فن قائم على القلق ولن يكون هناك صورة يؤطر المسرح من خلالها. فإذا كنّا متفقين بأن هناك ثمة أزمة في المسرح المغاربي، فلا بد من نهوض ثقافي للوصول إلى حالة وجود مسرح حقيقي يدلو بدلوه في قضايا الناس بشكل حضاري متنوع ومن زوايا عدة...‏ 

في يوم المسرح العالمي، تحية لكل مبدعينا في بلداننا المغاربية، ورحم الله الذين غادروا، فنحن محكومون بالأمل، محكومون بقامات مبدعينا الذين أثروا مسرحنا.‏