شجع نجاح مسارات التفاوض السياسي الليبي في إفراز حكومة وحدة وطنية في ليبيا، عديد الدول على الإسراع في عقد اتصالات مع القادة الليبيين من أجل حجز مكان لهم في ملف إعمار ليبيا، بعد سنوات من الصراع والحروب أضرت بقطاعات واسعة، وبالبنى التحتية في البلاد.

وتفتح ليبيا فرصا استثمارية جديدة امام الدول الاوروبية والولايات المتحدة والدول العربية أيضا. ويظهر ذلك بوضوح من خلال الزيارة التي شهدتها البلاد لأهم ثلاثة وزراء بالاتحاد الأوروبي لتقديم الدعم للسلطة التنفيذية وفتح السبل امام شركاتهم فيما يتعلق بإعادة إعمار البلاد.

ولا توجد أرقام حقيقية تتعلق بفاتورة إعادة إعمار ما تهدم من مدن ليبية، خلال الحروب والاشتباكات في بنغازي وسرت وطرابلس، باستثناء اجتهادات بعض المختصين، التي رأت ستتكلف أكثر من مائة مليار دولار.

وفي أول خطاب تلفزيوني له بعد انتخابه من ملتقى الحوار السياسي، تعهد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، في السابع من فبراير/ شباط الماضي، بإعادة إعمار البلاد الغارقة في الفوضى والدمار، وبالعمل مع "الجميع" لتشكيل حكومة موحدة تطوي سنوات من الحرب والأزمات والتردي الاقتصادي.

واعتبرت أوساط كثيرة اختيار الدبيبة رئيسا للحكومة مؤشرا على ذهاب البلاد نحو الاهتمام بالجانب الاقتصادي، فهو رجل أعمال ويمتلك علاقات واسعة بالمستثمرين وكبرى الشركات الأجنبية.

ولدى الدبيبة، المدرك لأهمية العامل الاقتصادي في دفع البلاد نحو الاستقرار، عديد من العوامل للنجاح، منها أن توحد الحكومة على يديه سيتيح له الاستفادة من إيرادات النفط، التي جمدتها المؤسسة الوطنية للنفط في حسابات بنكية خارجية إلى حين توحد السلطة في البلاد.

إلى ذلك،سعت دول أخرى إلى تمهيد الطريق أمام حجز مكان لها في ملف الإعمار مسبقا،حيث قدم وزراء الخارجية الأهم في الاتحاد الأوروبي، الفرنسي جان إيف لودريان والألماني هيكوماس والإيطالي لويغي دي مايو، خلال زيارتهم الى طرابلس، الشهر الماضي، الدعم والمساندة للحكومة الجديدة، غير ان سياسيين ومحللين لفتوا إلى أن مثل هذه الزيارات لا تخفي المساعي الاوروبية باتجاه فتح الطريق أمام فرص جديدة لشركاتهم لتوقيع صفقات اعادة اعمار ليبيا.

من جهته، اعرب سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، عن شكره للدبيبة، اثر لقاء افتراضي مع بعض الشركات الأمريكية. واكد ان المشاركين في اللقاء، شعروا بالارتياح عند اعلان رئيس الحكومة الليبية عن التزامه بجعل بلاده وجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي، لافتا الى أن ذلك سيتطلب استقراراً وبيئة مواتية للأعمال. واوضح ان بلاده تتطلع إلى العمل مع الدبيبة والمبعوث الليبي الخاص إلى الولايات المتحدة محمد علي عبد الله، للتباحث حول طرق زيادة المساهمة التي يمكن أن يقدمها الاستثمار الأمريكي لليبيين. وبدوره، قال نائب مدير الغرفة التجارية الأمريكية - الليبية أحمد الغزالي في تصريحات نشرها المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، إن الشركات الأمريكية التي حضرت اللقاء أبدت رغبتها واستعدادها للتعاون مع الحكومة والشعب الليبي في مجالات الكهرباء والصحة، وميكنة المدفوعات، بدلاً من التعامل بالنقود الورقية، مشيراً إلى أن الأيام القادمة ستعرف عودة الشركات الأمريكية، التي أبدت رغبتها في الحضور والتعاون مع الحكومة من أجل تنمية العلاقات المشتركة وتحقيق مستقبل أفضل.

مقابل هذا التنافس الأوروبي - الأمريكي، قطعت مصر خطوة مهمة في خطة إعادة إعمار ليبيا، إذ وقع البلدان، 11 اتفاقاً للتعاون في مجالات البنية التحتية والصحة والكهرباء والعمالة المصرية والنقل والمواصلات، على هامش زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى ليبيا، بعد نحو شهرين من زيارة الدبيبة إلى القاهرة. ومن ابرز الاتفاقات، مذكرة تفاهم بشأن التعاون الفني في مجال المواصلات والنقل، وأخرى لتنفيذ مشاريع طرق وبنية التحتية، إلى جانب مذكرة تفاهم في المجال الصحي علاوة على توقيع مذكرة تفاهم في شأن التعاون في مجال القوى العاملة.

وبدأت الشركات العربية من الآن استعداداتها لسيناريوهات العمل في السوق الليبية التي تحتاج جميع مقومات التنمية، بعد أن عصف الاقتتال على مدار عشر سنوات بغالبية المرافق الحيوية.

وتفتح فورة الأعمال المرتقبة في عمليات إعادة الإعمار فرصا كبيرة أيضا لتونس، وتمكنها من تصدير المواد الغذائية ومستلزمات الإعمار للسوق الليبية، الأمر الذي يجعل عمليات إعادة الإعمار متنفسا لتنشيط اقتصادي مصر وتونس وتعظيم عوائد الأموال للشركات الخليجية.

ويرى مراقبون أنه في نهاية المطاف ستكون العقود المهمة لإعادة الإعمار من نصيب الشركات العبرقطرية نتيجة لإمكانياته الكبرى و وزن دولها الأم في الساحة الدولية حيث لن تتمكن دول الجوار إلا من حصد الفتات أو تحسن المبادلات التجارية و التعاون الإقتصادي إثر إستقرار الوضع الأمني.