تعيش المرأة الليبية الحياة المعاصرة بتحدياتها الجمة والمعقدة وفي نفس الوقت تعاني من غياب الاستقرار والأمان على أرضها ليبيا. وإضافة إلى انشغالاتها ومسؤولياتها مسؤولياتها الإجتماعية وضغوطات الحياة المعاصرة، فهي تعيش الأزمة الليبية وتحاول أن تقتحم معتركها السياسي لتساهم في صياغة الأمن والاستقرار.

بعد أكثر من عشر سنوات من الإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي اعتقد كثيرون أن تغييرا جذريا سيقع في علاقة بالمرأة؛ التغيير وقع بالفعل، لكنه توجّهٌ نحو الأسوأ، بعد صعود تيارات متطرفة في الفكر والممارسة إلى واجهة الأحداث باستعادتها موروثا تقليديا يعتبر المرأة كائنا ثانويا لا حقوق له في ليبيا "الجديدة"، وكان ذلك عبر فتاوى لإكساب اضطهادها مشروعية دينية.

واتفق المهتمون بالشأن النسوي في ليبيا على أن تمثيل المرأة في المشهد السياسي ما يزال دون المطلوب رغم محاولات إقحامها عن طريق منحها بعض المناصب في الحكومات التي تشكلت بعد احداث فبراير 2011.

خلال الـ11 سنة الماضية مرّت على ليبيا 6 حكومات، كان فيها تمثيل المرأة لا يتجاوز الـ16% في الحكومة الواحدة، حيث حصلت 13 وزيرة فقط على حقائب وزارية في تشكيلات الحكومات الستة.

في الحكومات السابقة حصلت النساء على حقيبتين وزاريتين فقط، باستثناء حكومة الوحدة السابقة نصّبت فيها 5 وزيرات لتكون الحكومة الأعلى بالنسبة لتمثيل المرأة داخلها.

وفي الحكومة الليبية الحالية برئاسة فتحي باشاغا حصلت على منصبين، وهما وزير دولة لشؤون المرأة انتصار عيسى سالم عبود، ووزيرة للثقافة، صالحة التومي بشير الدروقي.

وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، دعت إلى ضرورة وقف أعمال العنف والترهيب والاحتجاز التعسفي ضد النساء بشكل عام، خاصة العنف ضد المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات والصحفيات والسياسيات في ليبيا.

كما دعت إلى ضمان ترجمة حقوق النساء في ليبيا، بما فيها تلك المنصوص عليها في الدستور الليبي، إلى تشريعات فعالة تضمن مشاركة هادفة للمرأة في الحياة المدنية والسياسية للبلد.

وأضاف بيان البعثة الأممية، أن عام 2021، شهد تزايداً في مشاركة المرأة الليبية في سياق الاستعدادات للانتخابات الوطنية، حيث بلغت نسبة النساء 44% من الناخبين المسجلين الجدد و758 مرشحة للانتخابات البرلمانية.

وتعددت الاعتداءات على النساء منذ سنة 2011،ففي شهر يونيو 2014، أعلن في ليبيا عن اغتيال الناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص برصاصة في الرأس في مدينة بنغازي. بوقعيقيص المحامية المعروفة بمواقفها المنتقدة للجماعات المتطرفة اختارت النضال الجمعياتي المدني الرافض للاضطهاد والعنف والداعي إلى منح المرأة الليبية حقها الأمر الذي لا يتماشى وأفكار الجماعات الإرهابية التي لم تمهلها كثيرا من خلال إنهاء حياتها داخل منزلها وإنهاء مشروع مجتمعي تحديثي كانت تؤمن به.

الأمر نفسه كان مع السياسية فريحة البركاوي التي كانت شديدة الانتقاد للمسؤولين الذين خرجوا للأضواء بعد "الثورة" حيث خاضت تجربة سياسية كنائب عن مدينة درنة لكنها استقالت من منصبها بسبب عدم رضاها على المسار السياسي للمؤتمر الوطني العام وقتها، وتم اغتيالها بعد تنديدها بمقتل الناشطة سلوى بوقعيقيص، الأمر الذي يعطي رسالة للنساء الليبيات أن الاقتراب من الخطوط التي رسمتها جماعات الدم ثمنه طلقات رصاص، وقد كان لذلك أثر بالفعل في النشاط النسوي بتقلص أي نشاطات واضحة لهن بعد تلك الفترة على الأقل في مستوى جرأة المواقف.

مظاهر اضطهاد المرأة الليبية خرجت في أبشع صورة في العام 2016 عندما ظهر شريط فيديو يوثق عملية اغتصاب لامرأة ليبية في أحد ضواحي طرابلس من طرف ثلاثة شبان مسلحين تم القبض عليهم في وقت لاحق، الفيديو شكل صدمة لكل الليبيين باعتباره كشف حجم الكارثة التي أصبح عليها وضع النساء في ليبيا وقانون الغاب الذي أصبحت تمارسه المليشيات الليبية حيث تمت المطالبة بإنزال أقسى العقوبات بحق مرتكبي تلك الجريمة. لكن تلك الحادثة لا تعتبر استثناء حيث عرفت طرابلس ومدن ليبية أخرى عمليات اختطاف واغتصاب لنساء ليبيا خاصة في المناطق المحسوبة سياسيا على النظام السابق في ممارسات غابت فيها كل مظاهر الإنسانية وحقوق الإنسان، وقد ذكرت وسائل إعلام وشهود عيان إن مسلحين من مصراتة مارسوا كل أنواع الاضطهاد بحق النساء في طرابلس ولم يراعوا في ذلك أي حرمات أو أخلاق وتصرفوا بشكل انتقامي لا إنساني تأثيراته لا تمحوها عشرات السنين.

في ذات الصدد،اعتبر مركز "مدافع" لحقوق الإنسان أن المرأة الليبية ما زالت تواجه "تعسفاً من المجتمع المشبع بثقافة تنتهك حق النساء في المساواة وتحطّ من شأنهن".

وأضاف المركز، في تقرير نشره عن "المرأة الليبية"، تزامناً مع يوم المرأة العالمي، أنها ما زالت أسيرة الكفاح من أجل الحصول على الحق في التنقل والسفر والعمل وغير ذلك، في ظل سياق مجتمعي تهيّمن عليه الفتاوى الدينية المتشددة التي يتخذ أصحابها موقفاً عدائياً من المساواة بين النساء والرجال.

ولفت إلى أن "خبرة سنوات ما بعد الثورة تؤكد أن الثقافة والتقاليد الليبية تشكل حاجزاً صعباً أمام تفعيل المساواة بين الجنسين".

وبين إصدار "مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بياناً يطالب الحكومة السابقة بعدم التوقيع على مذكرة التفاهم المتعلقة باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهو ما استجابت له يعكس الواقع التي تعيشه المرأة.