ميهرونيزا قيوم(blogs.worldbank.org):فوْر عبورك مكتب الجمارك في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، تظهر أمامك لوحة رقمية تبيّن الكمية المستخدمة من الطاقة الشمسية والوفورات في الطاقة الناجمة عن إمداد المطار بالكهرباء المولدة عبر تكنولوجيا الكريستالات متعددة البلورات. وقد يمثل ذلك مفاجأة سارة للسائح ما لم تُتح له فرصة رؤية التحسينات الأخرى في هذا المجال، مثل شبكة ترام الرباط.  أما بالنسبة للمواطنين، فإن هذا قد يكون مُلهماً لأن مصطلح "المدينة الذكية" يشير إلى بنية تحتية أفضل واستخدام للتكنولوجيا أكثر فعالية. ومع ذلك، فإن ما تتطلبه "المدينة الذكية" يبقى في أحيان كثيرة موضوع نقاش بين بلدان المغرب العربي وليس موضوع تنفيذ. وقد عجلت مثل هذه التحسينات في البنية التحتية، وكذلك التحديات الماثلة أمامها كإمدادات المياه والاختناقات المرورية، في عقد القمة الدولية السنوية الأولى عن المدن الذكية في شمال أفريقيا في جامعة الأخوين في مدينة إفران المغربية.  

وخلال القمة، وضع المنظمون تعريفاً عملياً  "للمدينة الذكية" من خلال تغطية أربعة محاور وهي: التوسع الحضري، الاحتواء الرقمي،  نظام الإدارة العامة، ووسائل النقل. وكان أحد أهم الأسئلة التي تم التطرق إليها خلال المؤتمر هو: كيف يمكن تعزيز التنمية  في"مدينة ذكية" ريفية دون المساس بثقافتها المحلية؟ ولقد تناول لويس زاشاريلا، المؤسس المشارك لمنتدى المجتمع الذكي، هذا السؤال قائلاً: "احتفظ بهويتك لكن واكب تطور الأدوات والتقنيات الحديثة ..." وأضاف " لا ينبغي أن تسعى مدن بلدان المغرب العربي لأن تصبح كسيليكون فالي الأميركي، لأن تطوره ناجم عن عملية عضوية طبيعية وليس عن أمر أو قرار حكومي. وعلاوة على ذلك، فإن لكل منطقة جغرافية ميزات خاصة بها. فمدن دول المغرب العربي تتمتع بميزات قد لا تمتلكها أوروبا والصين و دول الخليج.  فعلى سبيل المثال، تعزيز الطاقة الشمسية في الصين لا يشكل خياراَ مجدياً بسبب الضباب الدخاني الذي تعاني منه. أما بلدان المغرب العربي فليس لديها هذا التحدي - حتى الآن".

التعريف الذي وضعه المنتدى للمدينة الذكية يشترط تمتع المدينة بما يلي:

-ضمان القدرة على الاتصال. فالإنترنت ليس مجرد تكنولوجيا، بل هو أداة أساسية للاشتمال الاجتماعي وللإنتاجية تماماً مثل الكهرباء.

-القضاء على فكرة انعزال المدينة عن محيطها.

-استخدام المعرفة والبحث والإبداع والتعاون كأدوات للتنمية الاقتصادية.

وخلال مناقاشات المؤتمر تم معالجة العديد من القضايا الأخرى ومنها، سبل تصميم "المدينة الذكية" لكي تكون وسائل النقل فيها أكثر فعالية، ودرء خطر الاعتماد بشكل مفرط على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك تكاليف الصيانة التي تنتج عن تطوير البنية التحتية. وكانت هناك أيضاً تحذيرات من أن بعض المدن في المنطقة، مثل مدينة مصدر، مهددة بالتحول إلى مدينة تركز على التطور التكنولوجي وليس التنمية البشرية. وعلى حد تعبير المخطط الحضري المغربي حسن رادويني، فهناك فرق بين أن تصبح المدينة أكثر حداثة وأن تصبح "مدينة ذكية".  فالمدينة العصرية يمكن أن تطور ذاتها وفقاً لاحتياجات المجتمع المحلي.

كما إن استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة فقط لا يؤهل المدينة لأن تكون "أكثر ذكاء". وبحسب كارلو راتي، مدير "مختبرات مدينة الاستشعار(Sensable City Laboratory)في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإن تصميم "المدينة الذكية" يجب أن يستجيب  لحاجات المواطن. كما أوضح راتي أن التحدي الأكبر هو كيفية إدخال تحسينات على المدينة عوضاً عن البدء من نقطة الصفر. وبالنسبة لحالات بلدان المغرب العربي، يجب أن يستجيب تصميم 'المدينة الذكية' لتحديات الموارد المائية بطريقة منسقة كي تبقى مستدامة. فعلى سبيل المثال، يمكن للمغرب أن يدرس مشروع جناح المياه الرقميDigital Water Pavilion، الذي يمد الساحات العامة بالمياه، ويعمل في نفس الوقت على تثقيف المواطنين بشأن استخدام المياه.

من جهته شدد الخبير محمد الطاهري أن أزمات السير الخانقة في الدار البيضاء تمنعها من أن تصبح "مدينة ذكية". وقد شهد المغرب في السنوات الـ 12 الماضية زيادة في مركبات السير بنسبة 55 في المائة - وهو أمر تحتاج الدار البيضاء إلى مواجهته. ويرى الطاهري أن تحسين حركة المرور في المغرب بنسبة واحد في المائة يمكن أن يؤدي إلى ادخار ما يزيد عن 550 مليون دولار.

ولم يبد جميع الحضور القدر نفسه من الحماس تجاه فكرة "المدينة الذكية". فالبعض اعتبرها ضرباً من الخيال التكنولوجي، أما البعض الآخر فقد أبدى اعتراضاً بحجة أنها تحتاج أولاً إلى تثقيف المواطنين وثانياً عليها تجنب توسيع الفجوة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية.

وفي الختام، قدم منتدى المجتمع الذكي للمغرب دعوة لاختيار مدينة سيجرى العمل لتحويلها إلى مدينة ذكية بحلول عام 2017. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان المغرب سيختار مدينة متوسطة الحجم، أم مدينة رئيسية، أم يستثمر موارد إضافية في إنشاء موقع جديد، مثل مدينة مصدر في الإمارات العربية المتحدة. وأياً كان الموقع الذي سيتم تحديده  لهذه "المدينة الذكية" في شمال أفريقيا، فإننا نأمل في أن تشارك المجتمعات المحلية كطرف رئيسي في المشروع.