ينتظر الليبيون من العام الجديد 2021 أن يكون مختلفا ولو قليلا ، عن الأعوام العشرة الماضية ، أن يكون أرفق وأحنّ وأحدب على المواطن البسيط ، وأن يكون أكثر عطفا وأقل قسوة على المقهورين والمظلومين والمحرومين والنازحين والمهجّرين والمحتجزين في كهوف الظلام الميلشياوي ،وأن يحمل معه بشائر خير لنساء يحملن هموم مجتمع تلاعب به عواصف الفتنة والفوضى ، ولشباب لديه أحلام يطمح الى تحقيقها في ظل وطن آمن وموحدّ ، ولأطفال يواجهون الفقر والمرض فوق أرض غنية بالثروات ،
ويتمنى الليبيون ألا يكون العام الجديد كالعشرية السابقة بما شهدته من حروب وصراعات وإنفلاتات أمنية وتدخلات خارجية وتصدعات مجتمعية وانهيارات مالية واقتصادية ونهب ممنهج لمقدرات البلاد ونفوذ ميلشياوي وإرهاب إسلاموي ونعرات جهوية وعرقية ومناطقية ، ومن خيانات الوطن ، وتبعية للخارج ، وعمالة للأجنبي ، وتآمر على مؤسسات الدولة ، وترويج مفضوح لخطاب الحقد والكراهية
يستطيع الليبيون أن يتحدوا أنفسهم وظروفهم وينتصروا لوطنهم خلال العام 2021 ، وأن يتجاوزوا آلام الماضي ، ويطووا صفحة الصراعات العبثية ، وينطلقوا نحو آفاق جديدة في بلد قادر أن يكون من أكثر دول العالم أمانا واستقرارا ورفاها لمواطنيه ، وسلاما مع جيرانه ، وتفاعلا إيجابيا مع الإقليم والعالم ، فهو بمساحته الشاسعة وموقعه الإستراتيجي المهم ، وماكان يتميز به من نسيج اجتماعي متين وغير قابل للاختراق ، وما يمتلكه من ثروات باطنية ومن مميزات طبيعية غنية متنوعة ، ومن إرث حضاري وتاريخي وثقافي لافت ومهم ومتعدد الأبعاد ، يمكن أن يكون بلدا مثاليّا على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط  سواء من الاستثمار والسياحة أومن توفير الخدمات ونقلها الى محيطيه العربي والإفريقي
ولا شك أن التفاؤل بمستقبل ليبيا ، يشترط نكران الذات من قبل الفاعلين السياسيين ،والنظر الى مصلحة الوطن أولا ، وأن يكف الواهمون بإمكانية السيطرة على البلاد لدوافع حزبية أو عقائدية أو جهوية وقبلية عن أوهامهم ، لأن ليبيا لا تُحكم إلا بتوافق اجتماعي انطلاقا من خصوصياتها الثقافية المتوارثة التي لا يمكن إسقاط تجارب الدول الأخرى عليها ، إلا بمقاييس ذلك التوافق ، والذي لن يتحقق إلا بالدخول في مصالحة وطنية شاملة ، وبضمان التوزيع العادل للثروة ، وبالتخلي عن المحاصصات واعتماد الكفاءة وحدها في إسناد مهامّ إدارة الشأن العام ، وتخلي قوى الإسلام السياسي عن أطماعها التي تتجاوز إمكانياتها وحجمها داخل المجتمع ،
كما أن ليبيا ، تحتاج الى تعميم ثقافة المواطنة والانفتاح على العصر والعالم ، ومواجهة كل أشكال التشدد الديني ، وتدخل رجال الدين في الحريات الفردية والعامّة ، وكذلك الى تطوير الخدمات بكافة أشكالها من إسكان وصحة وتعليم وتربية وثقافة ومن الحاجات اليومية للسكان المحليين ، والانطلاق بجدية في معركة إعادة الإعمار لتطوير البنى التحتية وفق الخطط الموضوعة سابقا ، أو بإعادة النظر فيها لدعمها بما يتجاوب مع متطلبات المرحلة
إن التعامل مع ليبيا كغنيمة ، من قبل هذا الطرف أو ذاك ، لا يزيد الوضع إلا تأزما ، وترك مقاليد السلطة والنفوذ بين أيدي أمراء الحرب ولصوص المال العام وأصحاب الأجندات الوافدة وعملاء الخارج وأثرياء الأزمات ، لن يدفع إلا الى عقد آخر من الخراب والدمار ، والتعويل على الحلول المستوردة لن يخرج البلاد من النفق ، فأهل ليبيا أدرى بشعابها وبتوازناتها الجهوية والمناطقية والقبلية ، وتقاسم عبء الوطن في ظل الاحترام المتبادل ، سيعطي فسحة للتأمل ينتج عنها الحل العملي المبني على اجتهادات العقل وليس على العواطف التي لا تنتج إلا المزيد من الاندفاع نحو الفوضى
أعرف أن الليبيين يطمحون الى أن تكون بلادهم في وضع يليق ببلد ثري ، ويتمتع بموقع إستراتيجي في قلب العالم ، ويعلم أصحاب الاختصاص أن لليبيا إمكانات لا حدود لها ، فوق الأرض وتحتها ، وفي البر والبحر ، وفي الساحل والصحراء ، وفي الشرق والغرب والوسط ، وأن تلك الإمكانات لم يتم استغلالها في يوم ما ، وأغلبها لا يزال غير مكتشف كذلك، وهو ما يعني أن البلاد يمكن أن تتحول الى ورشة عمل كبرى ، تستقطب الملايين من العمالة الأجنبية ، وأن تتحول الى مركز تجاري ومالي واقتصادي وسياحي يغيّر وجه المنطقة ، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بالتوافق الداخلي بين مكونات المجتمع ، وفي ظل قيادة وطنية جامعة ، تحظى بالإخترام في الداخل والخارج ،
لقد أثبتت التجرية أن الحلول الخارجية تبقى منقوصة ، وأن التدخل الأجنبي بوابة كل بلاء ، وأن النماذج المستوردة لا تفي بالحاجة ولا يمكن أن تحل المشاكل ، لذلك فإن على الليبيين الوطنيين ، وخاصة من يوجدون في مراكز القرار ، أن يضحّوا قليلا أو كثيرا من أجل بلادهم ، وأن ينظروا الى وطنهم ومجتمعهم من الداخل ، وليس من خلال وجهة نظر الأخر الأجنبي ، مهما كان حجمه وموقعه ،وأن يتخلوا عن رفاهية السلطة ، ويتمتعوا بشرف المساهمة في تجاوز الأزمة ، وبأن تكتب أسماؤهم في لوحات شرف البناء الوطني لا في صفحات العار الذي لا تمحوه السنون ولا القرون
إن على أصحاب القرار ، أن ينتبهوا الى أن الأجيال الجديدة التي ولدت ونشأت أو تفتّح وعيها في ظل أزمة السنوات العشر ، لن تسامحهم لاحقا ، وأن الاستقواء بالقوات الأجنبية والمرتزقة لن ينقذهم من غضب الشعب إذا قرر يوما ما أن يثأر لنفسه ولوطنه ، وأن محاولات التذاكي لتأخير الحل وتأبيد الأزمة بغاية الاستمرار في الحكم والنهب ، لن تجدي نفعا خارج إطارها الزمني الافتراضي ، كما أن الإبقاء على استبعاد المصالحة الوطنية لن يطوي صفحات الثأر ولن ينسي المظلومين حقوقهم ، لذلك ، فأن لا أمل إلا في استعادة الوعي والرجوع الى العقل ، وتحدي النفس وأنانية الفرد ، في  اتجاه مصلحة المجتمع ككل ، خصوصا وأن في ليبيا ما يكفي الجميع ، وهي لا تحتاج الى سلام شامل يطلق إرادة الشعب للعمل واستثمار مقدرات بلاده في ظل دولته الواحدة الموحدة