نحن في عصر "العرق المختلط" حيث يتحطم النظام العالمي الليبرالي  مع التراجع النسبي للولايات المتحدة والعالم الغربي ، وحيث لم يبرز أي نظام خر ليحل محله، أصبحت العديد من الشقوق الجيوسياسية نشطة، فنحن في فترة وسطى من الفوضى والصراع، هنا تبرز المساعي التركية لاستغلال  "فوضى" المناطق المجاورة لها، مثل العراق وسوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط بتعلة "تحقيق توازنها الداخلي" حيث تعتبر أن هذه الصراعات تؤثر بشكل مباشر على مصالحها الداخلية مما يتوجب عليها تدخلها" في شؤونهم".
في السنوات الأخيرة ، برزت عدة نقاط انهيار مهمة شكلت سياسة تركيا الخارجية الجديدة، وتشمل المحاولة الانقلابية في 15 يوليو ، والمسألة السورية وشرق البحر المتوسط ،و اهتزاز تركيا من محاولة الانقلاب عام 2016  حيث شهدت "تآكلًا خطيرًا في الثقة" محليا و دوليا.
لذلك  بدأت تركيا استراتجية تدخلاتها في دول الجوار لتحاول"ترميم" شروخها الداخلية، فتدخلت بشكل مباشر في الشأن السوري من خلال عملية مصدر السلام، و مع حدوث كل هذه التطورات ،سارعت إلى إجراء "ارتباطات عسكرية وسياسية" مع روسيا لإرساء سياسة التوازن و شراء منظومة الدفاع الجوي إس -400 ، لتصبح بذلك شريكا حقيقيا في عملية أستانا باستبعاد الولايات المتحدة من سوريا ، فضلا عن مساعيها لتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الصين التي تمثل المؤشرات الرئيسية للإقتصاد الجديد.
ليبيا..الهدف الإستراتجي للخريطة
في "فترة الأعراق المختلطة" هذه حيث انهار النظام العالمي الليبرالي دون أن يتم استبداله ، تسعى تركيا إلى اتباع سياسة توازن تتمحور حول مصالحها الخاصة بالسيطرة على "الدول المتنازعة الضعيفة" وبهذا المعنى نرى هدفها الاستراتيجي الحالي "ليبيا"، البلاد النفطية التي تتمتع بثروات هائلة من النفط إلى الغاز إلى الأحجار الثمينة النادرة،حسب تقرير تركي سابقا، غنيمة لا يمكن التفريط فيها.

هذا الإختراق التركي الخطير لليبيا التي تمثل "قلب المغرب العربي" و "نقطة العبور لإفريقيا" و صمام أمان المنطقة العربية ككل، باتت في وضع"خطير و مقلق" خاصة بعد تدجيجها بالمليشيات و المرتزقة و الإرهابيين و السلاح، ما يمثل خرقا واضحا و "سافرا" للمواثيق الدولية و لأمن المنطقة كاملة. هذه المليشيات التي دستها تركيا و حشدتها داخل التراب الليبي بهدف" قوات مساعدة"، سرعان ما كشفت حقيقتها بالإنتهاكات و المجازر التي ارتكبتها في حق الشعب الليبي بسرقته و ترويعه و اغتصاب ممتلكاته و حتى القتل بوحشية أحيانا، المقابر الجماعية المكتشفة، و حق التراب الليبي بطمس معالمه و حضارته و الإعتداء على استقلاليته.
يحول التدخل التركي  ليبيا إلى ملاذ آمن وقاعدة للجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة الأجنبية من المرتزقة الذين تنقلهم من سوريا ومن أماكن أخرى إلى ليبيا، لتشكل هذه المليشيات آلية تدمير خطيرة للدولة الوطنية الليبية والقضاء على فرص استعادة سيادتها المستقلة كدولة لها جيش وطني وليس كدولة تتنازعها الميليشيات والمرتزقة، وتهديدا واضحا و مباشر لجميع الدول العربية وحتى الأوروبية المحيطة بليبيا من قبل هذه الميليشيات والجماعات المتطرفة الفوضوي  ولعل نزاعاتها وصراعاتها و التصفيات فيما بينها خير دليل على أنها على درجة من الخطورة حيث لا يمكن التحكم فيها أو ردعها.
يمثل التدخل التركي في ليبيا ومن قبلها في سوريا و شمال العراق، ناقوس خطر على الدول المجاورة  من حلم "توسع عثماني جديد". ومع إعلان ليبيا "اتفاقا جديدا عن وقف فوري لإطلاق النار" و سط مواصلة تركيا حشد المرتزقة و ترسيخ مصالحها يطرح السؤال نفسه بشدة" هل ستسمح تركيا و مليشياته بوقف إطلاق النار في ليبيا" مما يحقق استقرار البلاد و استقلاليتها ؟