تدفق السوريين على المغرب هرباً من جحيم المعارك فجّر مشاكل اجتماعية عديدة لدى هؤلاء السوريين انعكست أثارها على المجتمع المغربي، ولعل أبرز تلك المشاكل هي مشكلة عدم وجود عائد مادي بالإضافة إلى عدم وجود فرص للعمل مما دفع العديد من السوريين إلى التسول في المساجد والشوارع أمام الفنادق والمطاعم والأسواق الكبرى ومحطات القطارات... طمعاً في عطف المغاربة في مساعدتهم، وأصبح من الظواهر المألوفة أن تجد عائلات سورية تحمل جواز السفر تبرز جنسيتها يطلبون المساعدة.


وللتسول أشكال مختلفة، فنجد نساء وأطفالاً وكهولا بأعداد هائلة في الشوارع يتسولون كل منهم على طريقته، منهم من يتقدم للمارة طالباً المال من أجل شراء الدواء، ومنهم من يطلبه لشراء طعام لأولاده، ومنهم من يطلبه بحجة المرض، ومنهم ومنهم...


 
فالسوريون الذين هربوا من الموت المحتم في بلادهم وقدموا إلى المغرب، آملين أن يحميهم من قساوة القدر، نراهم بالعشرات في الشوارع وبين الأحياء وعلى مفارق كل الطرق والجسور... يعيشون في ظروف قاسية لم ترحم لا أطفالهم ولا نساءهم...! يتعرض هؤلاء إلى جميع أشكال الاستغلال واللاإنسانية من تحرش وإهانات من أشخاص هجر قلبهم الضمير والتعاطف، بخاصة الأطفال الذين يقضون نهارهم تحت أشعة الشمس، والذين يعرض عليهم باليوم آلاف العروض، بدءاً من الفتيات اللواتي يعرض عليهن الصعود إلى السيارات والحصول على الأموال مقابل تلبية حاجات جنسية غرائزية للسائق، مروراً بالأولاد الذين هم أيضاً عرضة للتحرش من أشخاص يعانون من ''عقد نفسية''، وصولاً إلى دفع وإبعاد هؤلاء عن السيارات بطريقة تؤذيهم والتي قد تصيبهم برضوض وربما كسور تزيد همّهم هماً!

''بوابة أفريقيا'' استطلعت آراء لمجموعة من الأسر السورية بمدينة فاس العاصمة العلمية للمملكة المغربية، عائلات سورية فرض عليها النزوح والهروب من ويلات الحرب المشتعلة في سوريا. حيث قال ''أمين رشاد'': الأزمة السورية تعيش عامها التاسع وسط احتدام المواجهات والعمليات العسكرية، حيث وجد الكثير من السوريين ملاذهم الوحيد السفر. فغربة السفر أرحم من الغربة في أرض الوطن وخصوصاً إن الحرب أصبحت حرباً طائفية، وأشار إلى أن جحيم الحرب جعل من السماء لحافاً ومن الأرصفة فراشاً لمن لا قدرة له، بينما كانت الفنادق المتواضعة مأوى مؤقت للقادرين مادياً. وأضاف: ''التسول في هذه الظروف أمر طبيعي، وهذه الظاهرة نراها بشكل دائم، فلماذا نختبئ وراء أصابعنا ونقول السوري لا يتسول إنه يتسول لأن ظروفه قاهرة وصعبة ولا جدوى إلا التسول، فالغالبية العظمى منهم لا يملكون ما يسد رمق العيش إلا لبرهة من الزمن''.


''منال برقاوي''أكدت لـ ''بوابة أفريقيا'' انتشار هذه الظاهرة بشكل سلبي بعدة مدن مغربية، حيث قالت: ''نحن من ساهم في انتشارها لأننا نعطي لكن عطائنا يمدد جذور التسول في المجتمع المغربي بشكل كبير لا يمكن اقتلاعه. وأضافت: التسول هو الباب الأسهل للرزق فلا يحتاج منهم إلاّ بعض العبارات التي تلامس القلب فتحرك المشاعر وتجلب المال، وأشارت ''برقاوي'' إلى أن تسول السوريين أصبح أمر طبيعي لأن الحياة قاسية كثيراً عليهم وأكدت: ليس بالضرورة أن يكون المتسول معدوماً، فبعضهم قد أمتهن التسول ويجمع منه أكثر بكثير من قوت يومه، بل يصل به الأمر إمكانية لتوظيف من يعمل لديه فيستأجر الأطفال والرضع والإكسسوار اللازم للتسول وحتى أن البعض قد اعتمد على تشويه جسمه سواءً بشكل صناعي مستخدماً أدوات خاصة أو بشكل طبيعي ولتكون دائمة لكي يلقوا القبول من أرباب العمل''.


ومن جهتها ''كوثر برو'' قالت: إنّ تجمع المتسولين السوريين بالقرب من المطاعم والأسواق التجارية والمساجد بطريقة مزعجة جداً للمارة، يجعل  من إصرارهم وتذللهم شيئاً سيء للغاية. وختمت: ''السوري إن وجد بمكانه المناسب وإن نحن حضناه فالشارع بالتأكيد لن يفتح ذراعيه له ولن يكون التسول سبيله ولا يجب رمي تهم التسول على السوريين فقط لأن هناك كثيرون يتسولون باسم السوريين وهم ليسوا بسوريين لكن مبدعون باللهجة السورية.''

''حمزة بوكيل'' اقتصادي سوري مغترب بالمغرب قال: ''السوريون يملكون عزة نفس لا يملكها أي مواطن كما يملكها السوري، فكرمه وكبريائه تخطى حدود الأرض والسماء ومهما قست عليه الأيام لا يتسول، يجمع القمامة ويأخذ منها ما يباع ولا يتسول، وأكد أن من يقوم بالتسول هم ''الغجر'' المعروفين بسورية باسم ''القرباض''، وهم فئة من النساء والأطفال تشحذ، والرجال تجلس وتحصي ما جمع مَساءً من المال، فهم من يقوموا بالتسول وليس السوريين عامة، وأضاف هذه الفئة موجودة في عدد من الدول العربية قبل (الحرب) لكن نشطت أكثر بعد الحرب لتشوه سمعة السوريين بكل ابتذال، لأن مهنتهم هذه مهنة توارثوها جيل بعد جيل، لافتاً إلى أن الغجر لا يجدون ضالتهم إلا بالتسول، كما بيّن أن التسول هو عملية تمثيلية يصنعها هؤلاء من خلال اصطناع المسكنة والخصاص لتطغى على ملامحهم قسوة الحياة وتصبح لغتهم لغة الشارع.


''خولة عيدون'' سردت قصتها لـ ''بوابة أفريقيا''، حيث قالت: ''الحظ العاثر يلاحقني من بلدي إلى المغرب لأصبح بين ليلة وضحاها أرملة وأم لخمسة أطفال، فزوجي توفي بسكتة قلبية، ولا معيل لنا سواه ولا أقارب. نحن أتينا من سورية لنرتاح لكن لا هروب من المكتوب، فقلة الراحة لم تفارقنا منذ وصولنا وأضافت: أهل الخير والكرم يساعدونني، لكن هذا لا يكفي وهذا ما دفعني لإنزال أطفالي إلى الشارع، رغم خوفي الدائم وعلمي أن الشارع أشبه بغابة، القوي فيها يأكل الضعيف، ولا أملك لهم إلا الدعاء، وأشارت إلى أن مشترياتها مقصورة على الحاجات الضرورية، وأنها لا تفكر بالعودة إلى سورية لأن سورية من وجهة نظرها موطن الفقراء فالغني باعها والموت خيم على ديارها. وحول الظروف المؤلمة التي تعيشها، أضافت قائلة: ''إن كان التسول ملاذاً آمناً وحلاً شبه وحيد للعيش بكرامة دون الخوف من الوحوش البشرية التي تقترب من النساء الأرامل وتستغل ظروفها، أجل سأطرقه فهو معيب لمن جعله مهنة لكن لمن يعيش ظروف صعبة يعدّ ملاذاً أمناً وحلاً وحيداً. فقسوة التسول لن تكون أرحم من قسوة الحياة''.


وعن الوضع العام للاجئين السوريين والصعوبات التي تواجههم بالمغرب، يقول باحث ميداني سوري: ''عموماً الوضع المعيشي جيد نوعاً ما، لكن اللاجئ السوري مازال يعاني من بعض الأمور مثل الإقامة وغلاء المعيشة وقلة فرص العمل''. ويضيف: ''يعيش حالياً المئات من السوريين بالمغرب منهم من استقر، ومنهم من لا يزال يبحث عن فرصة للعبور نحو أوروبا، تتنوع الحالات الإنسانية وتحضر القليل من الأحلام للاجئين بأرض المغرب''. ويذكر أن المغرب قام بتسوية أوضاع وإقامة اللاجئين السوريين عام 2014 من خلال قانون الهجرة، في انتظار صدور قانون اللجوء الذي لا يزال قيد الدرس. وقد سجّلت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى حدود شهر ماي 2016 حوالي 6471 لاجئ سوري، بيدَ أن هذا الرقم لا يجسد الواقع، لأن فئات كبيرة منهم غير مسجلين أو يقطنون بالمغرب قبل الحرب بسنوات.


وفي انتظار إيجاد حلّ للأزمة السورية بما يضمن إنهاء معاناة آلاف اللاجئين، يجد المغرب نفسه في تحدٍ كبير حول قضايا الهجرة، بما أن أوروبا كثيراً ما تنظر إليه كدركي عليه إيقاف آلاف المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الحلم الأوروبي عبر أراضيه، وهو التحدي الذي يحاول الكثير من الشباب المغاربة المساهمة في رفعه، إذ يعمدون عبر حملات إلى مدّ اللاجئين السوريين المعدمين بما يساعدهم على الحياة، بعيدًا عن الدخول في جدال حول المتسبّبين الحقيقيين بأزمة بدأت على شكل حلم ثورة، وانتهت على شكل حرب بشعة مباح فيها كلّ أنواع الاقتتال.


وأخيراً، الهدف من هذا الاستطلاع الصحفي، ليس إثارة الشفقة أو كسب تعاطف الناس أو تشجيعهم لمساعدة الأسر السورية التي تتسول بمساعدتها مادياً... لكن الهدف هو فقط محاولة لحث ودفع المسؤولين بالحكومة المغربية للتحرك والبدء بالالتفات إلى الأعداد الموجودة في المغرب حتى الآن، والتي ستتكاثر مع الأيام، إضافة إلى العمل على الحد من هذه الظاهرة.