القهوة أو ذلك المشروب المعدّ من بذور البن المحمصة، والذي يقال أنه ثاني أكثر السلع تداولا في العالم بعد النفط الخام (بسبب احتوائه على الكافيين المؤثّر في البشر)، انطلقت في رحلة تراجع تبدو مثيرة للقلق في القارة الافريقية.فخلال أقل من ربع قرن من الزمن، شهد انتاج القهوة أو البنّ الأخضر تراجعا ملحوظا في القارة الافريقية، حيث انخفض معدّل مساهمته في الانتاج العالمي من 30 % (قبل 25 سنة) إلى 12 % في الوقت الراهن.. تراجع “مخيف” بحسب الناشطين في القطاع، وتعود جذوره إلى مراكمة عوامل مختلفة عبر الزمن، أدّت إلى انسحاب تدريجي لبلدان القارة من صدارة الترتيب العالمي للبلدان المنتجة للقهوة، والكاميرون إحدى تلك الدول.

ففي الكاميرون، بلغ انتاج القهوة خلال الحملة السنوية 2012- 2013 حوالي 18 ألف طن، وهو ما يشكّل “انخفاضا مريعا مقارنة بـ 30 ألف طن قيمة الانتاج المحلي للقهوة خلال الحملة التي سبقتها مباشرة (2011- 2012).. وجنوح الانتاج نحو الانخفاض بهذا النسق السريع منذ أكثر من عشرين سنة يطرح مفارقة بالنظر إلى الطلب المتنامي على القهوة الكاميرونية”، بحسب السكرتير التنفيذي لـ “مجلس المهنيين الأعضاء للكاكاو والقهوة” في الكاميرون “عمر ماليدي” في تصريح للأناضول.وهذا المجلس هو عبارة عن منظمة مستقلة ذات هدف غير ربحي تضم المنظمات المهنية الناشطة في قطاع الفلاحة والتجارة والصناعة والخدمات المسداة في مجالات الكاكاو والقهوة.

وأضاف “ماليدي” في لقاء جمعه بمراسل الأناضول على هامش اختتام مهرجان النهوض بالقهوة الكاميرونية، والذي التام هذه السنة تحت عنوان “فيستي كوفي 2014″ (مهرجان القهوة 2014) أنّ هذا التراجع لم يسجّل على المستوى المحلي فحسب، وإنّما اقترن بنسق مماثل شمل القارة بأسرها، فاليوم “تنتج افريقيا 12 % من جملة الانتاج العالمي من القهوة، وهذا قليل، على الأقل مقارنة بنسبة الـ 30 % من الانتاج العالمي الذي كانت تحققه منذ ما يزيد عن 25 سنة.. فنسق الانتاج الافريقي يمضي عكس التيار، خصوصا إذا ما علمنا أنّ الاستهلاك العالمي للقهوة ارتفع بحوالي 2.2 % سنويا، ما يعني أن الطلب حقّق ارتفاعا هو الآخر (قانون العرض والطلب في الأسواق العالمية)”.

ومن جانبه، أوضح الأمين العام لمنظمة البلدان الافريقية للقهوة ( هيكل مستقل يضم 25 دولة افريقية منتجة للقهوة، مقره بكوت ديفوار ) “فريديريك كاووما” في لقاء جمعه أيضا بمراسل الأناضول على هامش مهرجان القهوة 2014 بالكاميرون، أسباب تراجع انتاج القهوة في بلاده قائلا “يوجد – على سبيل المثال- تقصير في متابعة المزارعين، فعلى إثر تحرير القطاع في القارة الافريقية خلال السنوات العشرين الأخيرة،أهملت معظم حكومات البلدان الافريقية منتجي القهوة، ليجد هؤلاء أنفسهم بدون سند يدعمهم ويساعدهم على شراء حاجياتهم الأساسية للزراعة ومتطلبات الانتاج عموما”.

“فريديريك كاووما” أضاف متطرقا في ذات السياق إلى الأسباب التي أدّت إلى تراجع انتاج القهوة على الصعيدين المحلي (في الكاميرون) والقاري قائلا “هنالك ايضا مشكلة التجديد، فتقدّم الأشجار في السن ينعكس بصورة بديهية على كمية انتاجها، وهذا يتناقض في جزء منه مع توفّر بحوث أجريت في العديد من الدول، وتمخّضت عن اكتشاف أنواع جديدة من أشجار القهوة ذات قدرة أكبر على الانتاج”.

وفي سياق متصل، قال رئيس “وكالة القهوة روبيستا (نوع من القهوة الأكثر شيوعا حول العالم) بافريقيا ومدغشقر” (مستقلة) “أنسالم غوتون” في لقاء جمعه بمراسل الأناضول في ياوندي “كان على السوق الافريقية أن تتحمّل في وقت من الأوقات وطأة الأزمة، فكان أن انخفضت الأسعار، وللأسف لم تكن السياسات (الاقتصادية) المعتمدة على قدر من التقدّم الذي يمكّنها من احتواء وتعديل الأسعار بما يتماشى ومصلحة المزارعين، وهذا ما تسبّب في مرحلة موالية في فقدان هؤلاء للحافز النفسي على الانتاج، ونجم عنه انخفاض في الانتاج”.

“ماليدي” أضاف في السياق نفسه أنه من الممكن تدارك قطاع القهوة في افريقيا “شريطة الانكباب على الانتاج من جديد”، لافتا إلى أن القارة الافريقية تمتلك من الإمكانات في هذا المجال ما يؤهّلها للمضي قدما في انعاش قطاع القهوة، وخصوصا نوع “روبوستا”، بما أنّ “كبار منتجي القهوة لم يعد بإمكانهم توسيع زراعاتهم”. فالبرازيل، أكبر منتج للقهوة في العالم، تجد نفسها مجبرة على حماية غابات الأمازون، لذلك لا يسعها التمديد في المساحات المخصّصة لزراعة أشجار القهوة.

أما الفيتنام (ثاني منتج للقهوة على الصعيد العالمي)، فيواجه مشاكل جدّية تتعلّق بعدم توفّر الأراضي، وهو الإشكال ذاته الذي تواجهه أندونيسيا كثالث أكبر منتج للقهوة في العالم، باعتبارها عبارة عن أرخبيل يضم حوالي 14 ألف جزيرة. “ماليدي” قال إن “الاحتباس الحراري يتسبب في اندثار الكثير من الجزر”.ووفقا للتحليل المقدّم، خلص “ماليدي” إلى أنّ “الجزء الوحيد في العالم الذي يحتمل توسّعا في المساحات المخصصة لزراعة القهوة هو حوض الكونغو الخاضع لسيطرة الكاميرون”.

وتعهّد مجلس المهنيين الأعضاء للكاكاو والقهوة في الكاميرون، والذي يجمع حوالي 150 منظمة حرفية، بتخصيص 10 % من ميزانيته السنوية لتمويل “برنامج استعجالي للتحفيز على زراعة القهوة”، وذلك على امتداد السنوات الستّ القادمة. ومن المنتظر أن يستهدف البرنامج إحياء مناطق الإنتاج بـ “مونجو” الساحلية، و”نون” (غرب)، بالإضافة إلى “نيونغ العليا” شرقي الكاميرون.ويهدف البرنامج إلى استحداث وإعادة تاهيل 3 آلاف و600 هكتار، تكون مخصّصة لزراعة القهوة سنويا، بانتاج مقدّر بطنّ واحد للهكتار. ويرمي البرنامج إلى انتاج 3 آلاف و600 طن من البن الأخضر سنويا، لتنضاف بذلك إلى الكميات التي يتم انتاجها في السابق.

وأجمع الباحثون والخبراء القادمين إلى ياوندي من اكثر من 10 دول افريقية لحضور مهرجان القهوة 2014، على ضرورة الزيادة في الاستهلاك المحلّي من القهوة لتحريك القطاع. “غوتن” قال، من جهته، انه “ينبغي علينا استهلاك الكثير مما ننتج من القهوة، لكي يكون بامكان هذا الاستهلاك دعم الانتاج في حال حدوث أزمة اقتصادية”، مضيفا “علينا أن نكون قادرين على استهلاك جزء كبير من انتاجنا، قبل البحث عن تصديره لأسواق أخرى، وإن كان كبار المستهلكين هم في إيطاليا على سبيل المثال، فسيكون من الصعب تحويل القهوة إلى منتج نهائي في الكاميرون، ومن ثمة بيعه في ايطاليا. لكن، وبمجرد سيطرتنا على الاستهلاك المحلي، فسيكون بامكاننا تطوير الصادرات بكل يسر”.

وتستهلك القهوة الافريقية في جزء كبير منها في أوروبا . أما فيما يخص القهوة الكاميرونية والشهيرة بمذاقها ورائحتها، فتمثل كل من إيطاليا وألمانيا أهم زبائنها سنة 2013.وينتظم مهرجان القهوة لسنة 2014، باشراف كلّ من “المجلس المهنيين الأعضاء للكاكاو والقهوة” و”وكالة القهوة روبيستا بافريقيا ومدغشقر” في االكاميرون.