في الوقت الذي تتواصل فيه التحركات الاقليمية والدولية لإحياء العملية السياسية في ليبيا بعد أشهر من القتال العنيف في العاصمة طرابلس بين الجيش الوطني الليبيوالقوات الموالية لحكومة الوفاق، دخلت على خط الأزمة القبائل الليبية التي تتحرك في محاولة لاحتواء تبعات الصراعات والانقسامات والتقليل من تعاظم خطرها الذي يهدد بادخال البلاد في منعرج خطير.

ودعا المجلس الاجتماعى لقبائل ورفلة فى ليبيا كافة المجالس الاجتماعية فى ليبيا وعموم قيادتها الشعبية من كل المدن والقبائل لاجتماع فورى وطارئ، يوم الثلاثاء المقبل، بمدينة بنى وليد.وأوضح المجلس الاجتماعى لقبائل ورفلة فى بيان له، الأربعاء، إلى أن الاجتماع هدفه مناقشة وتباحث واتخاذ ما يلزم حيال ما يجرى على الساحة الليبية والمساهمة بكل فعلية وإيجابية فى إنهاء أزمة ليبيا، ووضع حد لأياد عابثة زادت فى حدتها وأخرى عملت على إدارتها وإطالة أمدها وإعادة إنتاج أدواتها وحرصا منها وعملاً لبلوغ هذه الغايات.

وأضاف البيان: "نضع الجميع فى مواجهة تاريخية مع استحقاقات وطنية واجبة التنفيذ والسداد من خلال هذه الدعوة الصادقة والملحة التى نطلقها من مدينتك بنى وليد مرحبة بكم فاتحة ذراعيها وواضعة كافة إمكانياتها لاحتضان وإنجاح هذا اللقاء والذى اختير يوم الثلاثاء القادم الموافق الـ28 من شهر يناير الجارى موعداً لانعقاده".

وتابع البيان "المجلس الاجتماعى لقبائل ورفلة ومن خلال متابعته لمستجدات الأحداث الأمنية والتحولات السياسية على الساحة الوطنية الليبية وشعوراً منا بأهمية وواجبات المكونات الاجتماعية تجاه الوطن للدفع بأبنائه بضرورة استقراره وأمنه وصون سيادته والنهوض بإرادة الوطنيين من أبنائه لتغليبها على الإرادات الخارجية التى أدخلت فينا وفى الوطن الجراح وجعلت منه ملاذاً للمرتزقة ومستودعاً للذخائر والسلاح".




وتأتي هذه الدعوة في محاولة لانهاء الصراع المستمر منذ أشهر في طرابلس والبحث عن حلول تنهى الانقسامات التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.وقال خالد الغويل، مستشار الشؤون الخارجية لرئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية،الجمعة، إن "الاجتماع سيضم جميع المجالس الاجتماعية ليبيا للتشاور، واتخاذ موقف موحد ضد كل التدخلات الخارجية"، مبرزاً أن المجتمعين "سيعملون على توحيد الصف وخلق حوار حقيقي بين الليبيين".

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط "عن الغويل قوله، أن "الغرض من كل الحوارات السياسية في الخارج هو إطالة أمد الأزمة"، مضيفاً:"نبارك ما جاء في بيان المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة ونشد عليه"، لافتا إلى أن الاجتماع المرتقب "سيتم الاتفاق فيه حول نتائج تمهد الطريق لإخراج البلاد من النفق المظلم".

وثمن علي مصباح أبو سبيحة، رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب، هذا التحرك بقوله:"أحيي المجلس الاجتماعي في بني وليد على توجيهه الدعوة إلى جميع المجالس الاجتماعية على مستوى الوطن، بهدف عقد اجتماع تشاوري لمناقشة القضايا المُلحة، وذلك على ضوء تداعيات الحرب والمؤتمرات، التي تعقد في عواصم العالم وتطيل أمد الأزمة".

ودعا أبو سبيحة في بيان،الخميس، قيادات المجلس الاجتماعي إلى "أن يسموا على جراحهم، ويكونوا في المستوى الذي تنظر به إليهم غالبية الليبيين، ويوجهوا الدعوة للجميع دون استثناء، بمن فيهم مجلس أعيان مصراتة"، مشددا على أن "مصلحة الوطن وأمنه واستقراره تسمو على كل المصالح سواء أكانت شخصية أو قبلية أو مناطقية".

كما ناشد أبو سبيحة كل المجالس الاجتماعية ومجالس الأعيان والشخصيات العامة، ضرورة حضور الاجتماع، لأن مصلحة الوطن في أشد الحاجة إليهم. ورأى أن "الوطن معروض في المزاد العلني بين سماسرة دوليين، وصبيانهم المحليين"، مستشهداً في ذلك بمقولة لرئيس البعثة الأممية في ليبيا غسان سلامة بأن "الدول تبحث عن ليبيا وليس عن الليبيين".

وتعد قبيلة الورفله من أكبر القبائل الليبية، إذ يتجاوز عدد أبنائها مليون نسمة. وتنتشر في معظم أنحاء ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً وحتى خارج ليبيا. وتحظى بأحترام كل القبائل الليبية. وكانت ورفلة إختارت الولاء لنظام الزعيم الراحل معمر القذافي ورفض التدخل الخارجي في الصراعات الداخلية مما جعلها عرضة لقصف التحالف الدولي بشكل غير مسبوق، كما تعرضت للهجوم من قبل الميلشيات في أكثر من مناسبة.

وفي رحلة البحث عن المصالحة ولم الشمل،فقد المجلس الإجتماعي لقبائل ورفلة،في سبتمبر 2017،الشيخ عبد الله نطاط، رئيس لجنة المصالحة، والشيخ خميس أسباقة،اللذين أغتيلا مع مرافقيهما،أثناء عودتهم من مهمة اجتماعية، لمتابعة قضية المصالحة بين قبائل الزنتان والمشاشية.وتعهّد المجلس في بيانٍ له حينها باستكمال مشوارهِ، وأن التضحيات لن تقف أمام سعيه لململة شمل الوطن، وحقن دماء شبابه.





ويأتي حراك القبائل الليبية بالتزامن مع استمرار الجهود الدولية لحلحلة الأزمة الشائكة في البلاد.حيث تتواصل تحضيرات دبلوماسية تجريها بعثة الأمم المتحدة لعقد جلسات المسار السياسي للحوار الليبي بجنيف، المقررة قبل نهاية الشهر الجاري.ومن المقرر أن يشارك في مسار جنيف 13 عضواً يرشحهم مجلس النواب و13 عضواً من المجلس الأعلى للدولة، بالإضافة إلى 14 عضواً آخرين تختارهم البعثة الأممية، التي تعتبر أن مؤتمر برلين يوفر أيضاً إطاراً يسهل إجراء الحوار الليبي الداخلي.

واستضافت العاصمة الألمانية برلين، الأحد الماضي،قمة دولية بمشاركة 11 دولة وسط مساعٍ لإيجاد حل دائم وشامل للأزمة.وأكدت القمة على دعم وقف إطلاق النار في ليبيا ورفض التدخلات الخارجية التي تزايدت وتيرتها في ظل انخراط تركيا العلني في الصراع الليبي ومساعيها الرامية إلى تأزيم الأوضاع في البلاد وهو ما لا تخدم أمن واستقرار ليبيا والمنطقة، ولن يحظى بأي تأييد دولي وإقليمي.

وعقب ذلك،احتضنت الجزائر العاصمة،الخميس مؤتمر لوزراء خارجية دول جوار ليبيا،والذي تمخض عن توافق جيران ليبيا على رفض التدخّل الخارجي في الأزمة، مشدّدا على ضرورة الحوار بين الليبيين، مع التأكيد على حظر تدفّق الأسلحة، وإشراك الاتحاد الإفريقي في جهود الحل، في وقت كشفت الجزائر عن مساعٍ لجمع فرقاء الأزمة قريباً لعقد لقاءات برعاية مشتركة بين الأمم المتحدة ودول الجوار الليبي.

وتشهد العاصمة الليبية طرابلس قتالا عنيفا منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بين الجيش الليبي وقوات حكومة الوفاق.وبالرغم من التوصل لاتفاق اطلاق النار بين الطرفين قبيل متمر برلين فان تواصل الخروقات يهدد بعودة الاشتباكات من جديد.وتزيد التحركات التركية المتواصلة من وتيرة التصعيد في البلاد خاصة مع تواصل تدفق المرتزقة الموالين لأنقرة الى الاراضي الليبية. 




وبالرغم من الدعوات الدولية الى احترام حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد،مازال الرئيس التركي مصرا على خرق الالتزامات الدولية عبر إرساله المزيد من المرتزقة لدعم حلفائه في طرابلس،وأملا في مزيد تأجيج الصراع بما يضمن استمرار الفوضى التي يسعى من خلالها النظام التركي لمزيد نهب ثروات البلد الغني بالنفط.

وكان  المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن أن عدد القتلى في صفوف مرتزقة أردوغان "بلغ 28 مقاتل من فصائل لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه". وأضاف أن "القتلى سقطوا خلال الاشتباكات على محاور حي صلاح الدين جنوب طرابلس، ومحور الرملة قرب مطار طرابلس بالإضافة لمحور مشروع الهضبة، فيما يتم إسعاف الجرحى والقتلى إلى كل من 3 نقاط طبية، تعرف باسم مصحة المشتل ومصحة قدور ومصحة غوط الشعال".





وشهدت المدن الليبية مظاهرات شعبية تنديدا بالغزو التركي كما أكدت القبائل الليبية في بياناتها الوقوف ضد محاولات أردوغان تحويل ليبيا لايالة تركية.ويؤكد متابعون للشأن الليبي أن مزاعم أردوغان حول السلام في ليبيا لن تنطلي على الليبيين الذين سيقفون بالمرصاد ضد مخططاته ولن يسمحوا باحتلال أرضهم ونهب ثرواتهم.

وفي ظل الانقسام المؤسسي والسياسي والمجتمعي، وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد،ناهيك عن العجزالدولي عن الوصول لحلول توافقية بين المتنازعين،يبقى الأمل بحسب الكثيرين معلقا على عاتق القبائل الليبية لإيجاد التوازن السياسي وجلب الأمن والاستقرار حيث يمكن للقبائل أن تساهم في المصالحة من خلال دورها الفريد في الحفاظ على الأمن في البلاد.