خصص السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري مقاله الأسبوعي في "المونيتور" للحديث عن الضغوط التي تتعرض لها وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، مشيرا إلى أسباب ودوافع هذه الضغوط ومسلطا الضوء على بعض السيناريوهات المطروحة للفترة المقبلة.

واستهل الفيتوري مقاله بطرح سؤال وهو: هل يمكن إجبار أول وزيرة خارجية ليبية على ترك منصبها، أم أنها ستنجو من وابل الشتائم والنقد والتحريض والاعتداءات السياسية؟ ورغم أن الهجمات هدأت خلال الأسبوعين الماضيين إلا أن نجلاء المنقوش يجب أن تكون منشغلة بالموضوع خاصة بعد أن اقتحمت مجموعة من المليشيات المسلحة فندق كورينثيا في طرابلس بحثا عنها. وفي مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن سماع شخص يسأل عن مكان وجود المنقوش الذي لم يكن في المبنى في ذلك الوقت.

وفي الواقع لم تكن المنقوش الهدف الرئيسي لعناصر الميليشيات، بل كان محمد المنافي رئيس مجلس الرئاسة هو الهدف الرئيسي. وقللت المتحدثة باسم المجلس نجوى وهبة في تغريدة بتاريخ 8 مايو من شأن الحادث بقولها "لم يصب أحد بأذى في الهجوم لأنه يوم الجمعة -عطلة نهاية الأسبوع- ولم يكن هناك أحد". وأوضح  مدير مكتب رئيس المجلس الرئاسي  محمد المبروك أن الحادث كان عبارة عن  مجموعة من "القادة الميدانيين جاؤوا لمناقشة قضايا معينة مع الرئيس ، لكنه- يقصد محمد المنفي- لم يكن موجودًا".

حتى قبل هذا الحادث كانت الهجمات على وزيرة الخارجية مستمرة منذ تعيينها من قبل رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة في مارس. وازدادت حدة ذلك بعدما دعت تركيا مرارًا وتكرارًا لسحب قواتها ومرتزقتها السوريين من ليبيا. وكان من منتقديها في وقت سابق خالد المشري رئيس مجلس الدولة الأعلى الذي قال إنه ليس من "وزارة الخارجية" تعديل أو إلغاء أي صفقات سبق توقيعها بين ليبيا ودول أخرى. والمشري معروف بعلاقاته الوثيقة مع أنقرة وهو عضو في جماعة الإخوان المسلمين الليبية.

أخطر التحريض ضد وزير الخارجية والذي يمكن أن يعرض حياة الأم الوحيدة لطفلين للخطر جاء من المفتي الليبي السابق صادق الغرياني المقيم في تركيا. يمتلك الداعية الراديكالي قناة التنسوح وقد أقيل من منصبه مفتيًا في نوفمبر 2014. ووجه رسالة متلفزة دعا فيها "جميع سكان طرابلس وقوات البنيان مرصوص إلى الخروج بقوة" لرفض هذا النوع ووقف هذا "الهراء". وكان يشير إلى دعوات المنقوش لخروج القوات الأجنبية من ليبيا. البنيان المرصوص هو تحالف لميليشيات تم تشكيله في البداية لمحاربة داعش عندما كان يسيطر على سرت في المنطقة الوسطى بليبيا. وكان بعض قادة التحالف من بين الذين اقتحموا الفندق. بعد هزيمة المتطرفين انضمت معظم الميليشيات إلى حكومة طرابلس السابقة التي طلبت المساعدة من أنقرة لصد هجوم المشير خليفة حفتر في أبريل 2019 للسيطرة على طرابلس. انتهى الهجوم بالهزيمة قبل عام.

في حين أن النقد السياسي والتساؤلات حول أوراق اعتماد المنقوش لمثل هذه الوظيفة رفيعة المستوى مشروعة، فإن الهجمات الشخصية ليست كذلك بالتأكيد. بعض الانتقادات الموجهة لها لها دوافع سياسية لكن العديد من الإهانات تنبع من حقيقة أنها امرأة تشغل منصبًا وزاريًا كبيرًا في مجتمع يهيمن عليه الذكور.

الغريب أن الدبيبة التزم الصمت حتى الآن بشأن الهجمات على وزيره. علاوة على ذلك بدا أنه يساعد منتقديها ويجعل عملها أكثر صعوبة من خلال تعيينه مؤخرًا لثلاثة وكلاء وزارة الخارجية الجدد. المعينون الثلاثة هم من خارج السلك الدبلوماسي وهو مصدر قلق كبير للدبلوماسيين المحترفين. والأسوأ من ذلك أن واحدًا منهم على الأقل محمد عيسى هو قائد ميليشيا كبير. أخبرني أحد الدبلوماسيين الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته أن "عيسى يفتقر إلى الخبرة والمؤهلات وتعيينه في مثل هذا المنصب الرفيع من المرجح أن يقود المنقوش إلى الجنون".

وقالت سفيرة ليبية رافضة نشر اسما "الدبيبة يجعل حياتها –تقصد المنقوش- صعبة بسبب هذا التعيين ... إذا لم تستقيل فمن المحتمل أن يتوقف عملها".

في مجتمع ذكوري مثل المجتمع الليبي  تواجه النساء بشكل عام أوقاتًا صعبة. وتتفاقم الصعوبات التي يواجهنها عندما يتم تعيينهن في مناصب حكومية أعلى لمجرد أنهن نساء.

ويشير بعض منتقدي المحامية السابقة إلى أن المنقوش لم تعمل في القطاع العام من قبل. أمضت بعض الوقت في التدريس في الولايات المتحدة بعد حصولها على شهادتها هناك بمنحة دراسية. تم تسليط الضوء على علاقتها بالولايات المتحدة على وجه الخصوص، حيث شكك العديد من النقاد في طبيعتها. على الرغم من عدم وجود دليل ذهب البعض إلى حد اتهامها بأنها عميلة للولايات المتحدة. تفاقم هذا النوع من الانتقادات بسبب تصريحات السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند الذي غرد دعما وزير ةالخارجية. استغل خصومها التغريدة باعتبارها "دليلًا" على أنها تتلقى المساعدة من الولايات المتحدة مقابل دفع أجندة واشنطن في ليبيا. هذا النوع من النقد حتى عندما لا يكون مدعومًا بأدلة ضار وخطير للغاية في بلد تعتبر فيه التدخلات الخارجية قضية سياسية كبيرة.

كما تعرضت زيارة المنقوش في 7 مايو إلى القطرون آخر قرية ليبية قبل حدود النيجر وتشاد لانتقادات لكونها عرضًا سياسيًا. ردت بالقول إنه بصفتي مسؤولة ليبية "لا يمكنني التحدث عن الجنوب دون أن أزوره لأرى بنفسي". الهجرة غير الشرعية هي بند ثابت في جدول الأعمال على قائمة أولويات وزارة الخارجية والحدود الجنوبية للبلاد هي أكثر الأماكن التي تحدث فيها.

حتى الآن يبدو أن أول وزيرة خارجية ليبية نجت من الهجمات ضدها ببساطة عن طريق تجاهلها. ومن المفترض أن تتنحى هي وبقية أعضاء مجلس الوزراء بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر. مهما حدث بعد ذلك يبدو أن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا: ستكون النساء في السياسة الليبية دائمًا أهدافًا سهلة للنقد وسوء المعاملة.