خصص السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري مقاله الأسبوعي للحديث عن العواقب الكارثية لوجود قوات تركية على الأراضي الليبية.
واستهل الفيتوري مقاله بقول إن حكومة رجب طيب أردوغان تقدمت بمشروع قانون إلى البرلمان التركي يطلب الموافقة على خططه لإرسال قوات إلى ليبيا، ومن المتوقع أن يوافق البرلمان على مشروع القانون اليوم الخميس لأن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس يتمتع بأغلبية في المجلس. وتم التخطيط أصلاً للتصويت في 7 يناير بعد العطلة البرلمانية الشتوية، لكن تم تقديمه بسبب ما يبدو من إلحاح الوضع حول العاصمة الليبية طرابلس.
وكانت المدينة هدفا بعيد المنال للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وقد شن هجومه في أبريل الماضي لإسقاط حكومة الوفاق الوطني السلطة الوحيدة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في ليبيا. وفشلت قوات الجيش الوطني الليبي حتى الآن في دخول العاصمة، لكنها بقيت في معظم المواقع التي استولت عليها على بعد بضعة كيلومترات من وسط المدينة.
وتماشياً مع تعهدات أردوغان المتكررة بإرسال قوات إلى ليبيا إذا طلبت منها حكومة الوفاق الوطني، وأعلنت وزارة الدفاع التركية في 27 ديسمبر أن قواتها المسلحة "مستعدة للعمل على فرض النظام داخل تركيا وخارجها". وأعلن وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا أن الحكومة تقدمت بالطلب الرسمي في 19 ديسمبر الماضي.
وتدعم تركيا وقطر وإيطاليا بدرجة أقل حكومة الوفاق الوطني، بينما تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة وفرنسا المشير حفتر... في ليبيا. ويُعتقد أن روسيا تقف إلى جانب حفتر بطرق أكثر سرية.
وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها تركيا العضوة في الأمم المتحدة على الملئ أنها سترسل قوات لمساعدة جانب واحد في الصراع. ومع ذلك كان هناك دعم موثق من دول أجنبية للخصمين في حرب ليبيا التدميرية. إن توفير الأسلحة والذخيرة والتدريب والطائرات بدون طيار في الآونة الأخيرة إلى كل من حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي من قبل مؤيديهم هي حقيقة معروفة. وفي الآونة الأخيرة كان هناك أيضًا استخدام موثق للمرتزقة من روسيا والدول المجاورة مثل تشاد والسودان. إن الوجود العسكري المباشر والمفتوح لتركيا في ليبيا هو بعد جديد في الصراع.
ما هي عواقب التدخل العسكري التركي المباشر في ليبيا؟ للبدء ستنتهك أنقرة أكثر من ستة من قرارات الأمم المتحدة التي تدعو الدول الأعضاء إلى الامتناع عن نقل أي أسلحة إلى أي طرف في النزاع في ليبيا خاصة القرارين 1970 و 1973 اللذين تم تبنيهما في فبراير ومارس 2011 والذي يفرض بوضوح الحصار العسكري على البلاد. وكلا القرارين -اللذين تم تبنيهما بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة- ملزمان لجميع البلدان بما في ذلك تركيا. لقد احترمت الحكومة في أنقرة كلا القرارين، وكعضو في حلف الناتوساعدت في الإطاحة بنظام القذافي السابق بذريعة تعزيز إرادة الأمم المتحدة في عام 2011...
وهذه المرة تدعي أنقرة أنها تستجيب لطلب شرعي تقدمت به حكومة الوفاق الوطني بصفتها الحكومة المعترف بها في ليبيا. ومع ذلك  فإن الشرعية الوطنية لحكومة الوفاق متنازع عليها داخل ليبيا ليس فقط من قِبل حفتر وحلفائه، ولكن أيضًا من حيث الاتفاق السياسي الليبي الذي أسسها. وتشترط المادة الرابعة من الاتفاقية أن تجتاز حكومة الوفاق الوطني تصويت بالثقة في البرلمان من أجل أن تكون شرعية ، لكن هذا لم يحدث أبدًا منذ تأسيس الحكومة في ديسمبر 2015.
وعمل تركيا يثير غضب جيرانها الأوروبيين الذين لا يشعرون بالرضا بالفعل عن سياستها في البحر المتوسط وموقفها من النزاع الليبي. وفي 12 ديسمبر رفض الاتحاد الأوروبي الاتفاق البحري الموقع بين أنقرة وطرابلس ، ووصفه بأنه "انتهاك للقانون الدولي" وأعرب عن تضامنه مع اليونان -التي ترفض أيضًا الصفقة- وكذلك قبرص  وكلاهما عضو في الاتحاد الأوروبي. ويعتقد الكثيرون داخل الاتحاد الأوروبي أن تركيا عرضت دعمًا عسكريًا على حكومة الوفاق الوطني في مقابل التوقيع على الاتفاقية البحرية التي ترسم حدود شرق البحر المتوسط بين البلدين. ويعتقد معظم الليبيين أيضًا أن "حكومة الوفاق الوطني" تم ابتزازها من قبل تركيا في التوقيع على الصفقة مقابل الحصول على مساعدة عسكرية.
ووجود قوات تركية على الأرض في ليبيا من المرجح أن يفاقم من الصراع ويضاعف من الحرب بالوكالة في البلاد. ومصر على وجه الخصوص حساسة للغاية بشأن أي وجود تركي في ليبيا وقد أدانته بالفعل. وهذا ليس مفاجئًا نظرًا لتوتر العلاقات بين أنقرة والقاهرة منذ الأحداث التي أوصلت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2013. ومن الواضح أن السيسي ناقش الخطوة الأخيرة التي قامت بها تركيا مع نظيره الفرنسي في مكالمة هاتفية في 30 ديسمبر وعقد اجتماع استثنائي للجامعة العربية في 31 ديسمبر في القاهرة. وفي بيان قالت الجامعة إن مثل هذا التدخل الأجنبي في ليبيا "يمكن أن يسهم في تسهيل وصول المتطرفين الأجانب". ولم يشر البيان إلى الدعم المصري والاماراتي المعروف للجيش الوطني الليبي.  ويزعم العديد من المراقبين الليبيين أن أنقرة قد شحنت بالفعل مئات من مقاتليها المتحالفين من سوريا إلى ليبيا لمساعدة حكومة الوفاق هذا ما صرحت به  منظمات مستقلة مثل المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا. وعلى الرغم من نفي حكومة الوفاق فإن مثل هذه الخطوة ستكون منطقية لأن أنقرة ستفضل بلا شك مساعدة الحكومة في طرابلس مع إبقاء القوات التركية بعيدة عن الأذى.
ومن غير المرجح أن تحقق القوات التركية في ليبيا انتصارًا لحكومة الوفاق، لكن من المرجح أن تطيل أمد الصراع وقد تستقطب دعمًا مكثفًا من مصر والإمارات العربية المتحدة للجيش الوطني الليبي مما يزيد من تعقيد جهود الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار. ويأمل مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة في أن يساعد مؤتمر برلين المقبل حول ليبيا -المتوقع قبل نهاية هذا الشهر- جهوده للوساطة للجمع بين الليبيين وتعزيز حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلاد. ومن الناحية السياسية يريد الرئيس أردوغان أن تكون تركيا حاضرة في أي اجتماع من هذا القبيل كلما انعقد. ويبدو أن هذا هو هدفه لإرسال قوات إلى ليبيا.
مع ضمان موافقة البرلمان من المحتمل أن يصل الجنود الأتراك إلى ليبيا قريبًا على الرغم من أن العديد من المراقبين يعتقدون أن هناك وحدة صغيرة موجودة بالفعل. وتنتشر مثل هذه الأقاويل على وسائل التواصل الاجتماعي.