قال السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري إن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة قد بدا متفائلاً ومتشائماً في ذات الوقت خلال تقريره الأخير الذي رفعه إلى مجلس الأمن الدولي، مضيفا أن سلامة حاول رسم صورة واقعية للوضع في البلد الغني بالنفط ، ولكن ليس بدون جرعة من المبالغة والتوصيف المضلل لكيفية تقدم البلاد منذ تقريره الأخير في 6 سبتمبر من العام الماضي. في الوقت نفسه حاول أن ينقل صورة إيجابية للبلد في الوقت الذي يحذر فيه من المخاطر المقبلة.

وفي حين كان التقرير  -إلى حد كبير- يستند إلى الحقيقة  يبدو أنه سلط الضوء على ما يحب سلامة أن يسمي النجاحات، بما في ذلك التدابير التي نفذتها بالفعل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت بوساطة سلفه برناردينو ليون في عام 2015، وفرضت على ليبيا في العام التالي.

وركز سلامة في تقريره على التدابير الاقتصادية  -في إطار برامج أكبر للإصلاح- التي تهدف إلى خفض الأسعار، وتحقيق استقرار أسعار الصرف والسيطرة على التضخم. وتتشابك هذه الثلاثة، وبدون تحقيق استقرار في  أسعار الصرف ولا يمكن اتحكم في الضخم أو الأسعار نظرا لأن ليبيا تستورد معظم احتياجاتها بالدولار.

وبالفعل حدثت بعض التحسينات في سعر الصرف السائد في السوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي، وقبل تفعيل إجراءات الإصلاح الاقتصادي   -قبل ثلاثة أشهر- استخدم الدولار الأمريكي لشراء ما يقرب من عشرة دنانير ليبيّة، لكنه اليوم يبلغ حوالي نصف هذا المبلغ. في الواقع كان لهذا تأثير إيجابي على التضخم وأسعار المستهلك  لكنه لا يزال بعيدًا عن الاستقرار. وانخفض سعر بعض السلع مع انخفاض التضخم، ولكن حتى الآن لم تنخفض أسعار المواد الغذائية اليومية التي لا تزال بعيدة عن متناول العديد من الليبيين.

وبما أن سلامة أبلغ مجلس الأمن بنجاحه الأخير فقد قامت شركات الطيران الكبرى بزيادة سعر التذكرة بأكثر من 50 في المائة في بعض الحالات بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل. وقد قوبل ارتفاع الأسعار هذا بغضب واستياء من غالبية الناس. فالليبيون لا يميلون إلى السفر لقضاء وقت الفراغ، وبدلاً من ذلك يأخذون رحلات جوية إلى البلدان المجاورة للعلاج نتيجة لنظام الرعاية الصحية المنهار في البلاد، بالطبع لم يشر  سلامة إلى هذه القضية.

وأشار التقرير أيضا إلى أزمة السيولة التي عانت منها البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية. وزعم أن الأزمة قد انتهت وقال "في معظم المدن -إن لم يكن كلها- والقرى فإن الطوابير الطويلة للأشخاص الذين يقفون لأيام خارج أجهزة الصراف الآلي للحصول على جزء ضئيل من أصولهم أصبحت الآن وراءنا"، وهذا ببساطة غير صحيح.

الناس  -لا سيما خارج طرابلس- لا يزالون يقفون في طوابير خارج البنوك، ولكن لفترات أقصر. تقريبا جميع أجهزة الصراف الآلي -التي يوجد منها أقل من عشرين في العاصمة- هي خارج الخدمة وتلك التي تعمل لا تقدم سوى مبالغ صغيرة جدا من النقد في بلد حيث تتم معظم المعاملات النقدية.

ما أثار غضب العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الليبيين هو ادعاء سلامة بأن الأمن يتحسن في جميع أنحاء العاصمة ، في الواقع   قبل يومين فقط من حديثه إلى المجلس كانت طرابلس تحت الحصار.

وأطلقت ميليشيا مسلحة تسمى اللواء السابع  محاولتها الثانية للسيطرة على العاصمة. وفي سبتمبر الماضي انخرط الجانبان في أسبوع من العنف المدمر الذي أسفر عن مقتل عشرات المدنيين وتشريد المئات. ثم دخل غسان سلامة  وبمساعدة كبار الشخصيات المحلية تم الاتفاق  على وقف لإطلاق النار.

هذه المرة لم يلعب هو ولا أي من موظفيه دورًا. كان زعماء القبائل من ورفلة هم الذين نجحوا في تهدأت الوضع. وقالت مصادر قريبة من جهود الوساطة إن المفاوض الرئيسي  الشيخ محمد البرغوثي رفض الرد على اتصالات سلامة في البداية، وأنه رد بعد ذلك بساعات.

وشكر سلامة الشيخ البرغوثي وأخبره "... في غضون أيام قليلة حققت ما لم نكن نستطيع القيام به منذ شهور".

والبرغوثي ينتقد بعثة الأمم المتحدة ويعتقد أن أي تدخل أجنبي يؤدي إلى نتائج عكسية. وبعد تأمين وقف إطلاق النار تحدث عن قدرة الليبيين على التوفيق بين خلافاتهم دون أي تدخل أجنبي.

وعلى الرغم من عدم وجود دور في هذه الوساطة الأخيرة ، إلا أن سلامة في تقريره إلى مجلس الأمن  أخذ الفضل في جهود صنع السلام الناجحة، وقال "لقد عملنا بشكل وثيق مع جميع الأطراف لوقف انتهاكات وقف إطلاق النار من الاستمرار إلى أبعد من ذلك".

ومن غير المتوقع أن تنجح الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص غسان سلامة في حل كل مشكلة في ليبيا عندما يهتم القادة السياسيون الحاليون فقط بخدمة مصالحهم الضيقة، وكان سلامة صريح حين تناول هذا الأمر، واتهم السياسيين بالاستفادة من "إطار قانوني محطم" و "نهب" ثروة ليبيا العظيمة.

وعلى حد تعبيره  "يمكن لليبيين أنفسهم فقط رسم مسار للخروج من هذا الشعور بالضيق، نحو الاستقرار والازدهار" وسيكون دوره دائمًا دور الوسيط في أحسن الأحوال.



*"بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة