"نكاد نكون في ساحة تجارية بدلا من أن نكون أمام ملصقات لقوائم انتخابية"، "هذه الرموز الانتخابية أقرب إلى مقادير أكلة تونسية".

تلك عينة من أبرز التعليقات التي تصدرت صفحات التواصل الاجتماعي تزامنا مع الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية التي تعيش على وقعها تونس هذه الأيام، غير أن المتخصصين في مجال الاتصال والإعلام يرون أن هذه الرموز وعلى طرافتها فإن لها تأثيرا قويا في توجهات الناخبين يوم الاقتراع.

 فالرموز التي استأنست بها مجموعة من الأحزاب السياسية والقوائم الانتخابية في حملتها الدعائية جعلت المار بجانب ملصقاتها ومعلقاتها يتخيل أنه يتجول إما وسط مساحة تجارية كبرى أو أنه يتبضع وسط سوق للخضر أو ما شابه.

فهنا وتحديدا على الجدران التي خُصصت لتعليق القوائم الانتخابية، تعددت الرسوم وتنوعت حيث تجد ما لذ وطاب، تجد صور الورود (القائمة المستقلة إرادة الشعب) والخضر كالفلفل (القائمة المستقلة الخضراء أمّنا) والزيتون (القائمة المستقلة صدى الجهات) والفواكه كالإجاص (قائمة الحزب الإسلامي التونسي) والرمان (قائمة الأرض الطيبة) والمأكولات كالخبز (القائمة الدستورية الموحدة).

كما تجد كذلك عددا من الحيوانات منها الأليف كالدجاج (حزب صوت الفلاحين) والطيور كالنسر (قائمة الشعب يريد) والشرسة كالأسود (قائمة صوت اللجان الثورية).

كذلك وبإلقائك نظرة ستجد حتما وسائل النقل كالدراجات (حزب التيار الديمقراطي) ومعدات المنزل كالأباريق (القائمة المستقلة الميعاد) والمقصات (الحزب التونسي)، ولا ننسى طبعا الشاشية (قبعة تقليدية تونسية) والنظارات الطبية (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) واللاقط الهوائي (حزب صوت الشعب) والهواتف النقالة (القائمة المستقلة التكافل الاجتماعي) والفوانيس (الاتحاد من أجل تونس) التي لم تغب كذلك عن شعارات الحملات الانتخابية.

ولئن كانت هذه الرموز والشعارات مدعاة للسخرية والتندر، فإن المتخصصين في الاتصال والتسويق السياسي في تونس يعيدون أسباب هذا الزخم من الطرافة التي رافقت الحملة الانتخابية في تونس إلى عدم نضج التجربة السياسية فيها وعدم الاعتماد على دراسات لانتقاء الشعارات الانتخابية التي اختيرت بشكل عفوي أو اعتباطي دون بحث ودقة.

وقالت المختصة في علوم الإعلام والاتصال حميدة البور، إن "الصورة والرموز تحتل أهمية كبرى بصفة عامة في مسألة التسويق السياسي للحملات الانتخابية، ففي الديمقراطيات العريقة يتم اختيار الرموز والشعارات بعد تدقيق وتمحيص لأنه سيصبح فيما بعد بمثابة الهوية لذاك الحزب أو ذاك".

وأضافت البور، في تصريحات للأناضول، أن "ما تمت ملاحظته في تونس أنه في العديد من الأحيان فإن الرموز التي يتم انتقاؤها تكتشف فقط عند بدء الحملات الانتخابية لذلك تبقى الدلالة غير واضحة في ذهن المتلقي خاصة أنه في أحيان كثيرة تم اعتماد رموز متعلقة بمواد غذائية وهو ما يُحدث تداخلا في ذهن الناخب ويساهم في إرباكه".

كما أكدت أن "مسألة الرموز والشعارات مهمة، ولكن الإشكال هنا يبرز الفوارق بين بعض الأحزاب أو بعض القوائم التي تقوم بعملية بحث ودراسة وتجريب لتلك الرموز والشعارات قبل استعمالها، فالموضوع لا يتعلق بمزاجية رئيس الحزب أو رئيس القائمة في اختيار هذا الرمز أو ذاك بل يجب أن يكون اختيارا مبنيا على دلالات واضحة ومنسجمة مع الرسالة الانتخابية التي يرغب في إيصالها للمتلقي".

وعن الخطاب السياسي لعدد من المرشحين الذي دفع بعدد من الناخبين إلى التندر والاستهزاء، أضافت البور أن "تجربة انتخابات سنة 2011 (المجلس التأسيسي) جعلت الناخب التونسي قادرا على التمييز بين الخطاب الجدي وغير الجدّي خاصة عندما يقارن بين الوعود السابقة وما تم تحقيقه منها وما ظل حبرا على ورق".

وتابعت أن "هناك بعض المترشحين سقطوا في فخ الشعبوية واستمالة الناخبين حسب رغباتهم ومطالبهم، الأمر الذي وصل بعدد منهم إلى تقديم أرقام خيالية وتوخي أساليب مفضوحة في أحيان كثيرة لا تنم عن جدية في الخطاب الانتخابي".

وجرت العادة في تونس أن يختار الحزب أو القائمة المستقلة شعارا معينا يميز حملتها الانتخابية، لكن عددا من الأحزاب فضلت الإبقاء على الشعار الدائم للحزب اعتقادا منها أنه الأكثر ترسخا وتجذرا في ذهن الناخب على غرار حزب حركة النهضة (وشعارها الحمامة الزرقاء) وحركة نداء تونس (وشعارها النخلة الحمراء).

وتنظم المادة 22 من القانون الانتخابي عملية اختيار الرموز، إذ يمنع إسناد نفس التسمية أو الرمز إلى أكثر من قائمة انتخابية.

وبلغت منحة التمويل العمومي التي قدمتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قرابة 7 ملايين دولار، فيما يبلغ عدد القوائم المترشحة للانتخابات البرلمانية 1326 قائمة بين مستقلة وحزبية.

وانطلقت الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري ليكون يوم الصمت الانتخابي الخاص بهذه الانتخابات بالنسبة إلى المقيمين بالخارج موافقا ليوم 23 من الشهر نفسه وبالنسبة إلى التونسيين بالداخل يوم 25 أي قبل يوم من الاقتراع المقرر يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على أن يتم التصريح بالنتائج الأولية للتشريعية يوم 30 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

ويبلغ عدد التونسيين المسجلة أسماؤهم على قوائم الاقتراع للانتخابات التشريعية والرئاسية خمسة ملايين و236 ألفا و244 شخصا، بينهم 311 ألفا و34 شخصا يقيمون في دول أجنبية بحسب إحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وستنظم الانتخابات البرلمانية في 33 دائرة انتخابية (27 في تونس و6 بالخارج).