تتجه القنوات الفضائية التونسية الخاصة بحسب عديد الخبراء إلى التأقلم مع واقع الديمقراطية الجديد وتسعى بقوة لأن تستجيب للتوازن المطلوب في اعطاء الفرصة لكل المترشحين للانتخابات حتى يتعرف المشاهد على برامجهم وما يطرحون.

إلا أن الاتجاه إلى التوازن والمهنية، الذي بدا واضحا بقوة على مدى عشرين يوما في تغطية هذه الوسائل الإعلامية المؤثرة لحملة الانتخابات التشريعية (4 - 24 أكتوبر/تشرين اول) التي تجري الأحد المقبل، لم يمنع وجود انفلاتات تمثلت بشكل خاص في شتائم متبادلة بين سياسيين أو اعلاميين.

 وتحولت شاشات تلفزية تونسية خاصة مؤخرا منابر للشتم والقدح في عدد من السياسيين وتراشق الاتهامات بينهم، فقد بثت قناة "نسمة" خلال الحملة الانتخابية برنامجا استقصائيا حول رجل الأعمال التونسي رئيس "الاتحاد الوطني الحر"، سليم الرياحي، المرشح الرئاسي أيضا، عرضت خلاله القناة مجموعة من التقارير التي خلصت إلى نتيجة أن كل ما عرضه على التونسيين من مشاريع كان "وهميا ولا أساس له من الصحة".

لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب لتأتي إطلالة الأمين العام للتجمع الدستوري المنحل (الحزب الحاكم في العهد السابق) محمد الغرياني في أول ظهور تلفزي له على قناة "حنبعل" الخاصة، قبل أيام، وصف خلاله حركة نداء تونس بأنها شبيهة بالتجمع المنحل، وشن هجوما على حزب الباجي قايد السبسي معتبرا إياها شبيهة بمنظومة التجمع المنحل وبأن انهياره سيكون بسبب الفساد واحتكار السلطة والانفراد بالرأي مؤكدا أن النداء يسير تماما في نفس الخط الذي كان يسير فيه التجمع.

أما برنامج "كلام الناس" على قناة التونسية الذي ينشطه الإعلامي نوفل الورتاني  فقد شهدت إحدى حصصه مؤخرا مشادة كلامية بين  نقيب الفنانين التونسيين مقداد السهيلي رئيس قائمة "صوت الفنانين" المرشحة المستقلة للانتخابات التشريعية ومقدم برنامج "لمن يجزؤ"على نفس القناة  سمير الوافي الذي تدخل بالهاتف للرد على السهيلي للرد على ما اعتبره استغلالا من  السهيلي لفرصة حضوره ليشن هجوما شخصيا عليه واصفا اياه "بالتمسح على عتبات رجال الأعمال".

وفي البرنامج نفسه، كان هناك تدخل لممثل حركة النهضة ورئيس إحدى قوائمها، زياد العذاري، الذي اتهم البرنامج بأنه يهاجم حركة النهضة على خلفية لقاءاته بعدد من الفنانين لبحث إشكاليات تهم المسائل الثقافية.

أما قبيل الحملة الانتخابية بأيام فقد حصلت مشادات كلامية في برنامج اليوم الثامن على قناة "التونسية" الخاصة بين كل من ممثلي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية طارق الكحلاوي والحزب الجمهوري اياد الدهماني مع ممثلة "الحركة الدستورية" عبير موسى التي كانت تمدح في خصال الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وتدافع عن النظام السابق، مما أدى إلى انسحاب الدهماني معتبرا أنها بذلك تهين الثورة التونسية.

وفي تصريح للاناضول، اعتبر الإعلامي التونسي بقناة "التونسية" الخاصة، الياس الغربي، أن "التجربة الإعلامية الحالية تعد أفضل من تجربة 2011 (انتخابات المجلس التأسيسي) على مستوى موضوعية المشهد الإعلامي والحرص على التوازن بشكل عام وعرض مختلف وجهات النظر من معظم وسائل الإعلام مكتوبة ومرئية ومسموعة."

وأضاف الغربي في تصريح للأناضول أن " هناك تحد كبير يواجهه الصحفيين الذي نجحوا من خلال البرامج السياسية والمناظرات الانتخابية في إيصال كل الأصوات على اختلاف توجهاتها على الرغم من الاستقطاب السياسي الموجود على الساحة."

غير أنه أردف قائلا: " التعاطي الإعلامي خلال فترة الحملة الانتخابية ابرز آفات خطيرة مثل اكتساح المال السياسي للفضاء الإعلامي وهو أمر مرتبط  بحمّى الانتخابات ولكن العديد من قوى المجتمع  المدني من نقابة صحفيين وهيئة عليا مستقلة للإعلام السمعي البصري تصدت لذلك وأصبح هناك نوع من الرقابة الجماعية فيما يتعلق بتلك السلوكيات". 

وتابع الغربي أن "المشهد الإعلامي اليوم عبارة عن مخبر كبير تتعدد فيه التجارب وتتطور ليفرز فيما بعد نوعا من السلوك الجماعي الذي سيعيد الجميع إلى أبجديات المهنة وأخلاقياتها."

وعن التشريعات المتعلقة بتنظيم القطاع الإعلامي قال " إنها تعد قليلة وليست في المستوى المطلوب وأنه من أولويات البرلمان القادم إعادة النظر والتفكير بعمق حول سياسة التعديل والتشريعات الخاصّة  بكراس شروط القنوات التلفزية."

ويقول المتخصص في مجال علوم الإعلام والاتصال الصادق الحمامي إن"الأداء التلفزيوني أصبح منظما بشكل دقيق وفق معاير المساواة والإنصاف التي ضبطتها كل من هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهو ما يعكس وجود تطور إيجابي كبير مقارنة بالتغطية الإعلامية لانتخابات 2011 وبالتالي هناك نضج وتعلم من دروس الماضي" 

وفي تصريح للأناضول، انتقد الحمامي في المقابل "سقوط بعض البرامج التلفزيونية في بعض الأحيان في فخ تقديم برامج المترشحين وفق الجهات وكأن الانتخابات التشريعية هي انتخابات بلديات وأقاليم" وبالتالي حسب الحمامي " لا يجب أن تقيّم البرامج الانتخابية ببرامج الجهات لان البرلمان يمثل الشعب والمجتمع بأكمله، وبذلك تم تغييب القضايا الكبرى كالصحة والتشغيل على حساب مطالب جهوية ومحلية".

وعن مسألة التزام القنوات التونسية بمسألة الحياد والموضوعية أكد الحمامي أن "أغلب وسائل الإعلام كانت محايدة بشكل عام إذ تجد كل التيارات والأحزاب والمتشرحين من المستقلين وأحزاب صغرى وكبرى وذلك نتيجة مراقبته من قبل الهيئات المعنية."

من جانبه قال عضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يوسف الوسلاتي إن "مثل هذه البرامج، وعلى الرغم من أنها لم تجلب الجديد بل كانت المحتويات متشابهة فيما بينها، من شأنها أن تؤثر في الرأي العام التونسي فبمتابعتها من الممكن للناخب أن يتمعن في البرامج الانتخابية التي يقدمها هؤلاء وأن يغير رأيه في اتجاه حزب معين وأن يقتنع بأفكاره ويتبناها وبالتالي فإن ذلك سيحفزه أكثر نحو التوجه إلى صناديق الاقتراع ويشجعه على الإدلاء بصوته، ما يمكن ان ييساهم في زيادة نسبة المشاركة".

وتضبط الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري في تونس شروطا معينة للتغطية المتوازنة والتي لا تحمل صراعات حزبية إذ تنص في وثيقة دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية على "أن طريقة التنشيط هي القلب النابض لعمل الصحفي وتوجد طرق جيدة وأخرى سيئة للتنشيط وإنما لكل طريقة نقاط قوتها و نقاط ضعفها ولكن يبقى التوازن هو المفتاح الذي يجب اعتماده أثناء أي حوار حول الانتخابات بين مترشحين من مشارب سياسية مختلفة."