في تطور مفاجئ الجمعة الماضي، أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم، عن إمكانية نشر قوات للمراقبة الأمنية في تونس احترازا مما سمته التحركات الروسية في ليبيا. الإعلان الأمريكي كان خلال اتصال هاتفي بين قائد الأفريكوم ستيفن تاونسند ووزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، وأعرب فيه الجانب الأمريكي عن قلقه مما سماه الأنشطة العسكرية الروسية، حيث تعتبر واشنطن أن روسيا مساهمة في الصراع الدائر وهذا يمثل قلق بالغ لها.

المتابع للشأن الليبي يعرف أن واشنطن وموسكو كانتا إلى وقت قريب تتحركان في الغرف الخلفية. لا أحد منهما كان يكشف عن دوره في المنطقة باستثناء بعض العمليات التي تشنها الأفريكوم بين الفترة والأخرى في علاقة بتحركات التنظيمات الإرهابية وفي ليبيا. في مقابل ذلك كانت التحركات الأوروبية مكشوفة خاصة بين فرنسا وإيطاليا الحالمتين بنصيب من الكعكة الليبية المغرية، الأمر الذي أدى إلى توتر بينهما في بعض الفترات.

وعلى الرغم من نفي السفارة الأمريكية بتونس للخبر، إلا أن قناة الحرة المقربة من دوائر القرار الأمريكي قالت إن "الولايات المتحدة تبحث استخدام أحد ألويتها للمساعدة الأمنية في تونس، وسط مخاوف بشأن نشاط روسي في ليبي". وأضافت القناة أن قيادة الجيش الأميركي بأفريقيا أشارت في بيان لها أنه "مع استمرار روسيا في تأجيج لهيب الصراع الليبي فإن القلق يزداد بشأن الأمن الإقليمي في شمال أفريقيا... نحن ندرس مع تونس طرقا جديدة لمواجهة القلق الأمني المشترك ويشمل ذلك استخدام لواءنا للمساعدة الأمنية".

السفارة الأمريكية بتونس وفي محاولة لاستدراك الخبر، أعلنت أن اتصال قائد الأفريكوم مع وزير الدفاع التونسي، اقتصر على إمكانية تركز وحدة تدريب أمني صغيرة للمساعدة العسكرية وليس قاعدة عسكرية مثلما يتم الترويج لذلك، والخطوة تدخل في إطار الشراكة بين البلدين.

الواقع أن الأمريكان أوفياء لتعويم مسائل مثل هذه، حيث يبدأون العملية بنوع من جس النبض قبل أن ينفذوا خطتهم، التي قد تجعل الجانب الروسي بدوره أمام حتمية التساؤل في ظل صراع إقليمي دولي حول أزمة لا يعرف متى حلّها، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا الجمعة الماضي، "اليوم يختلف الوضع على الأرض اختلافا كبيرا.. وبفضل المساعدة الخارجية لأطراف النزاع، أدى ذلك إلى تغير في ميزان القوى على الأرض".، والإشارات الروسية تذهب إلى التدخلات التركية التي سهلت على حكومة الوفاق حسم معركة قاعدة "الوطية" قبل أيام.

والأمر المثير للقلق خاصة في تونس أن الطرفين أصدرا بيانين مختلفين، ففي الوقت الذي اكتفت وزارة الدفاع التونسية بالقول أن اتصالا تنسيقيا جرى مع الجانب الأمريكي وتطرّق إلى "التعاون العسكري بين البلدين وأهميته وسبل تدعيمه والتأكيد التونسي على أن الولايات المتحدة شريك أساسي في تدعيم القدرات العملياتية للجيش التونسي، جاء بيان الأفريكوم متحدثا عن إمكانية نشر مجموعة أمنية للمراقبة في ظل تخوفات من التحركات الروسية في ليبيا، الأمر الذي يفتح المسألة على تأويلات مختلفة.

الطرف الأمريكي ومن خلال الموقفين الأول للأفريكوم والثاني للسفارة في تونس، أدرك أن المسألة ليست بتلك البساطة لا داخليا في ظل الصراعات السياسية الحادة ولا حتى خارجيا بالنظر إلى أن تونس تحاول أن تلعب دور الطرف المحايد في الأزمة الليبية، وعلى ذلك تم تعديل الموقف والصياغة واعتبار الاتصال تشاوريا حول إمكانية نشر قوة تدريب صغيرة للمساعدة وليس لأي هدف آخر.

والجدل في الداخل التونسي بدا واضحا من خلال البيانات الاحتجاجية لبعض الأحزاب، حيث أصدر حزب العمال اليساري المعارض بيانا احتجاجيا عبّر فيه رفضه الشديد لنشر أي قوات أمريكية، معتبرا أنها "خطوة خطيرة تمثّل انتهاكا سافرا لسيادة تونس وتوريطا لها في النزاع الليبي الذي ما انفكّ يتّخذ منعرجا خطيرا بتزايد التدخلات الإقليمية والدولية التي لا هدف منها سوى تحديد من سيسيطر في النهاية على الثروات الطبيعية الليبية وفي مقدمتها النفط والغاز"، داعيا القوى الوطنية في تونس "إلى التجنّد من أجل التصدي لهذه الخطوة ومنع تحويل تونس إلى قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية للتدخل في ليبيا و"تحويلها إلى سوريا جديدة، ما سيلحق مزيدا من الأضرار بالشعب الليبي ويهدّد أمن كافة بلدان المنطقة وفي مقدّمتها تونس".

الحزب الجمهوري في تونس بدوره عبّر عن رفضه "لأي وجود عسكري أجنبي، تحت أي غطاء كان، على التراب الوطني"، ومنبها إلى خطورة "التدخل الأجنبي في النزاع الليبي وتمسكه بإرساء نظام مدني ديمقراطي في إطار الشرعية الدولية ووحدة الدولة والأراضي الليبية". مطالبا رئيس الجمهورية، "باعتباره الضامن لاستقلال البلاد ورمز وحدتها، إلى تأكيد الثوابت التي سارت عليها تونس وغلق الباب نهائيا أمام كل محاولة لاستدراج تونس إلى سياسات المحاور واستباحة أراضيها واستعمالها كنقطة انطلاق للتدخل في شؤون الجارة ليبيا". كما دعا الحزب لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان إلى استدعاء الوزير لاستيضاح المسألة واتخاذ الخطوات المناسبة لذلك 

ووسط هذا الجدل الحاصل داخليا وخارجيا مازال الموقف الرسمي التونسي غامضا، حيث لم تصدر رئاسة الجمهورية التونسية ولا وزارة الدفاع التونسية أي توضيح حول المسألة مما يبقي الجدل قائما في ظل أزمة داخلية عميقة داخل الائتلاف الحاكم وبين القوى المعارضة التي تنتقد الأداء الحكومي من عدد من المسائل من بينها ضعف الدور في الملف الليبي الذي يعتبرا جزءا من الأمن القومي التونسي.