حتى أواخر عام 2016، لم يكن لروسيا في ليبيا دور يذكر خاصة في ما يتعلق بالشأن السياسي والعسكري. لكن منذ أوائل عام 2017 بدأ الدور بالعودة تدريجياً في عدة اتجاهات، وشهد خلال الفترة الماضية تصاعداً ملحوظا وبات مرشحاً للعب دور رئيسي في المرحلة القادمة في ليبيا .

علاقات روسية ليبية متنامية

شهد النصف الثاني من عام 2017، تصريحات روسية متتالية حول الشأن الليبي، منها ما كان على لسان رئيس فريق الاتصال الروسي حول ليبيا، نفى فيها آية مخططات روسية لشن ضربات جوية في ليبيا، وهذا كان عطفاً على تكهنات جدية بخصوص الاتفاقية التي تم توقيعها بين مصر وروسيا للاستخدام المشترك للقواعد الجوية والمجال الجوي لكلا البلدين، كان لرئيس هذا الفريق تصريح لافت منذ أشهر، أشار فيه إلى أن قائد الجيش الوطني طلب إنشاء قاعدة عسكرية روسية في المنطقة الشرقية لليبيا، وأبدى استعداد بلاده لبحث الموضوع وتقديم الدعم العسكري بمختلف أنواعه إذا ما طلبت ليبيا والأمم المتحدة.

 في ذات الإطار، صرح رئيس الأركان العامة للجيش الروسي بأن القوة الرئيسية لتنظيم داعش قد وصلت بالفعل إلى ليبيا، وتصريحات حول حظر التسلح المفروض على ليبيا جاءت في مناسبتين الأولى أثناء زيارة أمر الحرس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق الوطني إلى موسكو والثانية كانت على لسان السفير الروسي في طرابلس، وفي المناسبتين تم التأكيد على استعداد موسكو لتسليح وتدريب القوات الأمنية والعسكرية الليبية، والسعي لإلغاء حظر التسلح، إذا ما تم توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.

يشير مراقبون إلى أن النقطة الأهم في هذا الصدد تتعلق بالعامل الرئيسي في الاستراتيجية الروسية في ليبيا على المستوى السياسي، وهو الاحتفاظ بعلاقات مع كافة الأطراف الليبية، ما كان واضحاً  في استقبال موسكو أواخر العام الماضي لوفد تابع لحكومة الوفاق في طرابلس، وقيام روسيا بالوساطة بين قبائل محيط أوباري جنوبي ليبيا وحكومة الوفاق في نوفمبر من نفس العام، كذلك تولي روسيا الجانب الاقتصادي أهمية كبيرة، حيث تبحث مع كل الأطراف إمكانية عمل الشركات النفطية الروسية في ليبيا، وكذلك إعادة إحياء مشاريع مشتركة منها مشروع الخط الحديدي الرابط بين بنغازي وطرابلس الذي كان قد تم الاتفاق عليه مع الحكومة الليبية إبان حكم القذافي ولم ينفذ.

تجليات الحضور الروسي

سلط مدير مركز كارينجي موسكو الباحث والمحلل السياسي الروسي ديمتري فيتاليفيتش ترينين، الضوء على الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، في كتابه الجديد «ماذا تفعل روسيا في الرشق الأوسط»، مؤكدًا أن موسكو طبقت سياسات التفاوض لحل ما أسماه خلافات الحكومات المتخاصمة في طرابلس وطبرق، ومركزا على ابتعاد بلاده عن السياسات الغربية والأمريكية في مسألة التدخل الغربي في ليبيا.

يقول الباحث التونسي حمزة المؤدب لبوابة إفريقيا الإخبارية في هذا الصدد: "إثر مشاركتي في حوار روسي أوروبي حول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا بحضور مجموعة من الخبراء الروس الذين كانوا على قدر كبير من الصراحة، حين أشاروا إلى أنه لا توجد استراتيجية روسية واضحة الملامح في ليبيا.  فوجود روسيا يعكس سعيها للاستفادة من أخطاء الغرب من ناحية و رغبتها في التواجد في مختلف الساحات في المنطقة من ناحية ثانية. إذ أن المثير هو تأكيد الروس على أن جزءا من الفاعلين الليبيين يدفعون روسيا نحو لعب دور أكبر في إطار الرهان على القوى الخارجية لتعديل ميزان القوى في الداخل".

ويضيف الباحث:"عكس الكثير من الخبراء الذين يقولون بان تواجد روسيا في المنطقة اليوم يأتي في إطار ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة على اثر قرار اوباما بعدم التدخل المباشر فيما يحدث و تركيز الاهتمام على اسيا في إطار ما صار يعرف بالاستدارة نحو آسيا، يؤكد الروس انه لا يوجد فراغ. كل ما في الامر اننا بصدد اعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة وفق قواعد لعبة جديدة".

الملف الاقتصادي

أشارت الصحيفة الإيطالية إيل بوست إلى أن توجه روسيا إلى ليبيا، يعود إلى أسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية، ولكن قبل كل شيء بدافع رغبة موسكو في العودة كقوة عظمى، واستعادة المساحات التي كانت لديها قبل سقوط جدار برلين. وذكرت أن المصالح الاقتصادية الروسية في ليبيا تتعلق بالنفط وبيع الأسلحة، وقد وقعت، في العام الماضي شركة النفط الروسية روسنفت اتفاقات مع المؤسسة الوطنية للنفط، هذه الاتفاقات ليس لها أهمية كبرى من وجهة نظر طاقية بحتة، نظرا لأن ليبيا غير قادرة على استغلال مواردها بالشكل الكافي، جراء حالة الفوضى والحرب، لكن لها في نفس الوقت قيمة إستراتيجية كبرى. 

وقال المحلل الروسي بيتر كازناشيف لصحيفة موسكو تايمز إن " أي شيء له علاقة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هو أمر استراتيجي بالنسبة لروسيا،" مضيفا أن " أخذ مساحة في ليبيا، من خلال خليفة حفتر أو المؤسسة الوطنية للنفط، يمكن أن يعزز من وجود روسيا في ليبيا، من دون أن تلوث أياديها على غرار ما قامت به في سوريا".

 وفي ما يتعلق ببيع الأسلحة، يذكر أن شركة روسوبورون إكسبورت، الوكالة الحكومية الروسية المسؤولة عن بيع الأسلحة للخارج، قد وقعت في عهد القذافي عقودا كبيرة ( تصل قيمتها إلى 4 مليارات دولار ) مع النظام الليبي، ولكن في الوقت الحالي، لم تظهر حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج أي رغبة في تجديد تلك العقود وتفعيلها.

وحسب المحلل تيودور كاراسيتش، " تحاول روسيا دخول ليبيا والتأثير في المستقبل، ومن المحتمل جدا أن يتم حذف الديون الضخمة لديها من عهد القذافي، مقابل تنازلات، من المحتمل أن تكون مرتبطة بقطاع الطاقة وبيع الأسلحة".