بدأت العلاقات الموريتانية الليبية مع وصول العقيد الراحل معمر القذافي للسلطة في ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969، حيث بادرت موريتانيا  دون تأخير بالاعتراف بحكومة الثورة. 

بعد ذلك بفترة قصيرة في 11 من مايو 1970 قام الرئيس الراحل المختار ولد داداه بزيارة إلى ليبيا وهي الزيارة التي تلتها زيارة الزعيم الراحل معمر القذافي لموريتانيا في العام 1972، كما تقرر إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين لحظتها .تعززت إذا العلاقات الموريتانية الليبية في زمن الرئيس الراحل المختار ولد داداه وعقدت اتفاقيات ثقافية واقتصادية كبيرة من أهمها إنشاء "البنك العربي الليبي الموريتاني" "مصرف شنقيط حاليا" في العام 1972، والذي لا يزال قائما حتى اليوم.

كما قامت ليبيا بوضع وديعة قدرها 7 ملايين دولار في حساب اعتماد مالي لدى البنك المركزي الموريتاني وذلك لتعزيز مكانة الأوقية الموريتانية الناشئة حديثا، بعد أن رفض الفرنسيون إنشاء حساب خاص في الخزينة الفرنسية لصالح الأوقية في محاولة منهم لإجهاض فكرة الاستقلال الاقتصادي آنذاك.

كما تم إنشاء الشركة الموريتانية الليبية للصيد والشركة الموريتانية الليبية للزراعة، و تكفلت ليبيا ببناء "الثانوية العربية" وسط نواكشوط، والتي لا تزال أكبر ثانوية في موريتانيا حتى اليوم، كل ذلك كان قبل أن تدخل العلاقات الموريتانية الليبية في مرحلة مد وجزر بعد حرب الصحراء وما تلاها من انقلاب على حكم الراحل المختار ولد داداه، إذ دخلت الحكومات الموريتانية المتعاقبة في مراحل من سوء التفاهم مع الحكومة الليبية.

 

 

 

 

 

 

 

  القذافي وولد الطايع.. ذروة الفتور

عرفت السنوات الأخيرة من حكم ولد الطايع فتورا كبيرا في العلاقات بين البلدين كان سببها الأساسي التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي قام به نظام العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، الأمر الذي جعل القذافي يوجه انتقادات لاذعة للنظام الموريتاني، بعدها بلغت العلاقات الموريتانية الليبية ذروة التوتر، خاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها تنظيم "فرسان التغيير" في يونيو 2003 وما تلاها من محاولات لذلك التنظيم، اتهمت موريتانيا آنذاك نظام القذافي بالوقوف خلفها ودعمها. 

وقد تجسد ذلك التوتر في تفادي القذافي السلام على الرئيس الموريتاني في القمة العربية 17 بالجزائر –مارس 2005- واكتفى بإشعال سيجارته حال دخول الرئيس الموريتاني لقاعة المؤتمر.ومع هذا التوتر قبل الطرفان حينها بوساطة مغربية لرأب الصدع تلك الوساطة التي لم تكلل بالنجاح.

 

 

 

 

 

 

 

 ما بعد ولد الطايع ومحاولة إنعاش العلاقات من جديد

بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد الطايع في أغشت من العام 2005 كانت ليبيا أول المعترفين بحكام موريتانيا الجدد وأبدت رغبتها في بناء علاقات متميزة مع النظام الجديد.وفي 24 من ديسمبر 2005 أي بعد أشهر قليلة من الإطاحة بنظام ولد الطايع أجرى العقيد أعلي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري الحاكم آنذاك زيارة وصفت بالناجحة لليبيا حيث التقى بالقذافي وتباحثا في سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد تميزت الفترة التي تلت ذلك بانتعاش في العلاقات قبل أن يوجه القذافي انتقادات ساخرة للانتخابات التي نظمها المجلس العسكري مستهزئا بالديمقراطية الموريتانية، واصفا موريتانيا بالدولة الصغيرة والمجتمع القبلي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 فترة ولد الشيخ عبد الله والبحث عن الدولارات الليبية

رغم انتقاد الزعيم الليبي للتجربة الديمقراطية الموريتانية التي جاءت بولد الشيخ عبد الله إلى سدة الحكم، فقد كانت ليبيا من أبرز محطات البحث عن التمويل لدى ولد الشيخ عبد الله، حيث زارها بعد أشهر قليلة من انتخابه وكان من بين جدول أعمال الزيارة إضافة إلى النهوض بواقع العلاقات الثنائية، بحث سبل تنشيط اتحاد المغرب العربي، وقال الزعيم الليبي الراحل  اثناء استقباله للرئيس الموريتاني بأن العلاقات ستشهد نقلة نوعية مؤكدا حرص ليبيا على دعم وتعزيز علاقات التعاون مع موريتانيا.لكن الاستثمارات الليبية لم تر النور قبل الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله بعد مضي أقل من سنة على زيارته لطرابلس.

 

 

 

 

 

 

 

الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله وعودة الانتعاش للعلاقات بين البلدين

بعد الإطاحة بولد الشيخ عبد الله نسج القذافي علاقات وطيدة مع قادة الانقلاب الجديد الذي تزعمه الجنرال محمد ولد عبد العزيز، إذ كان القذافي من أوائل المعترفين بالنظام الجديد، بل وبذل مجهودا كبيرا في سبيل المصالحة بين أطراف الأزمة التي تلت الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله، حيث استدعى ممثلين عن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية وممثلين عن النظام لزيارة ليبيا قبل أن يقوم بزيارة لنواكشوط، اشترط لقيامها قطع النظام الموريتاني للعلاقات مع الكيان الصهيوني، وقد أم القذافي طرفي الأزمة الموريتانية في "صلاة المصالحة" التي أقيمت في الملعب الأولمبي بنواكشوط.

وحاول القذافي جاهدا جمع الفرقاء الموريتانيين حول مبادرته لكنه فشل في ذلك بسبب انحيازه الواضح لطرف الجنرال محمد ولد عبد العزيز حسب ادعاء الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية آنذاك.

ورغم فشل القذافي في حل الأزمة الموريتانية إلا أنه ظل يعمل على خلق موطئ قدم له في الساحة السياسية الموريتانية، ووعد باستثمارات ضخمة في موريتانيا بما يناهز 500 مليون دولار، في وقت كانت البلاد تعاني من مشاكل اقتصادية خانقة بسبب العقوبات المفروضة على قادة الانقلاب.

 

 

 

 

 

 

 

  الثورة الليبية ودخول العلاقات في نفق مظلم

مع بداية الثورة الليبية حاول الرئيس الموريتاني الوقوف إلى جانب صديقه معمر القذافي من خلال قيادة وساطة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية مدعوما في ذلك ببعض قادة الاتحاد الإفريقي، وساطة كان ولد العزيز يرى أنها قد تجنب ليبيا التدخل الدولي وتسمح بتنفيذ إصلاح سياسي شامل بأقل التكاليف المادية والبشرية.

وخلال تلك الفترة قام النظام الليبي بتحويل ملايين الدولارات إلى حسابات لجهات معينة في العاصمة نواكشوط، وقد اتهمت المعارضة الموريتانية بعض المسئولين الموريتانيين بإخفاء تلك الأموال بعد سقوط نظام القذافي.

وبعد فشل وساطة الرئيس الموريتاني وتسارع أحداث الثورة الليبية مطيحة بنظام القذافي، تعرض النظام الموريتاني لصدمة قوية بسقوط أحد أهم حلفائه في المنطقة، ورغم ذلك حاول ولد عبد العزيز التكيف مع واقع ليبيا الجديد في محاولة منه للانفتاح على حكام ليبيا الجدد، ومما أعطاه دفعة قوية في ذلك الاتجاه تسليم الصندوق الأسود لنظام القذافي عبد الله السنوسي هدية للسلطات الجديدة.

 

 

 

 

 

 

تسليم السنوسي.. الصفقة المثيرة

قبل تسليم السنوسي للسلطات الليبية صرح الرئيس الموريتاني "السنوسي في عهدة القضاء الموريتاني، ولدينا التزاما أخلاقيا تجاهه"، بعد ذلك يبدو أن الوفد الليبي الذي ضم وزير المالية جعل ولد عبد العزيز يتخلى عن التزامه الأخلاقي تجاه السنوسي إذ تم تسليمه للسلطات الليبية في صفقة مثيرة للجدل، فقد وصفتها المعارضة الموريتانية بالفضيحة، متهمة نظام ولد عبد العزيز ببيع السنوسي، بينما صرح ولد عبد العزيز في مقابلة أخيرة مع إذاعة فرنسا الدولية بأن ثمن تسليم السنوسي لا يتعدى تحسين العلاقات مع حكام ليبيا الجدد.

فيما تقول بعض المعلومات بأن صفقة تسليم السنوسي تضمنت تسليم 200 مليون دولار للنظام الموريتاني إضافة إلى التزام السلطات الليبية الجديدة برفع الحظر عن الاستثمارات الليبية في موريتانيا ومسح الديون الليبية على موريتانيا، إضافة إلى إكمال كل المشاريع الليبية في موريتانيا والتي تعطلت مع رحيل نظام القذافي.

 ويمكن القول أن العلاقات الليبية الموريتانية شهدت العديد من المد والجزر من أيام المختار ولد داداه إلى اليوم، ولا تزال الحكومة الموريتانية تسعى إلى إكمال المشاريع الليبية التي توقفت مع رحيل نظام القذافي والتي من أهمها:

-         زيادة رأس مال مصرف شنقيط

-         بناء فندق الفاتح في نواكشوط

-         بناء 500 وحدة سكنية

-         إنشاء مصنع للألبان ومشتقاتها في مدينة النعمة

-         استصلاح 32 ألف هكتار من الأراضي الزراعية على ضفة نهر السنغال

-         إنشاء مصنع للأسماك

-         مشروع بناء مستشفى الفاتح بمدينة روصو بولاية اترارزة

-         مشروع بناء جامعة القائد معمر القذافي بمدينة كيفه بولاية لعصابة

-         مشروع نقل وتوزيع المياه الصالحة للشرب من سد "فم لكليته" لصالح منطقة آفطوط الشرقي

-         مشروع بناء طريق تجكجة – كيفة - سيلبابي

-         مشروع ربط مناطق سيلبابي – كيفه بالتيار الكهربائي

-         مشروع بناء القطب المالي (مبان إدارية) في نواكشوط

 

ورغم حالة المد والجزر  التي طغت على علاقات البلدين , بقي الشعب الموريتاني دائما يحتفظ بود كبير لليبيين، بحكم علاقات الشعبين  الضاربة في التاريخ فقد حط العلماء الشناقطة بالديار الليبية في رحلاتهم إلى الحج وتركوا هناك أثرا كبيرا وفتاوى لا تزال مساجد ليبيا وزواياها حاضنة لها إلى اليوم، وهناك الكثير من العائلات الموريتانية التي ولد أبناؤها وتربوا في ليبيا بل إن البعض منهم رفض القدوم بعد الثورة.

ومع دوامة العنف التي تشهدها ليبيا الآن تبقى آمال الموريتانيين تواقة إلى عودة الاستقرار الى  بلد يكنون لأهله كل المحبة والتقدير.