في وقت تتواصل المعارك بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لحكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس، تتصاعد حدة التوتر في الجنوب الليبي وتحديدا مدينة مرزق التي تشهد ظروفا أمنية صعبة في ظل أنباء عن انتهاكات خطيرة تعيشها المدينة على يد العصابات التشادية التي تتحرك مؤخرا لزعزعة استقرار المنطقة.

شهدت مدينة مرزق خلال الأيام الماضية أحداثا دامية نفذتها العصابات التشادية ومجموعات متطرفة ضد سكان المدينة من العرب.وأسفرت مواجهات عنيفة منذ مطلع أغسطس/آب الجاري في المدينة، عن مقتل ما لا يقل عن 90 مدنيا، وإصابة أكثر من 200 شخص، بحسب بيانات نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط (أوتشا)، الخميس الماضي.

وتحدثت تقارير اعلامية عن أوضاع صعبة تعيشها مدينة مرزق في ظل الانتهاكات التي ترتكبها العصابات التشادية.ووصف حامد الخيالي عميد بلدية سبها الليبية، الأوضاع في مدينة مرزق الليبية بأنها وصلت الى مرحلة "كارثية"، حيث هجرها معظم أهلها بعد دخول المليشيات إليها، حسب وصفه.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، الاثنين عن الخيالي قوله: "الآن يسيطر على المدينة مجموعة من المرتزقة المدعومين من حكومة الوفاق التي دفعت لهم الملايين من أموال الشعب الليبي، حيث احتلت تلك المجموعات المدينة وقتلت الكثير من أهلها، وقد اعترفت حكومة الوفاق بأن المليشيات هي قوات شرعية تتبعها.

وتابع: "نطالب المجتمع الدولي بالنظر إلى الجريمة التي حدثت في مدينة مرزق، ونؤكد أن سببها حكومة الوفاق، خاصة أن تلك المجموعات تضم مليشيات تشادية، كما أن العناصر الليبية الموجودة بينهم هي عناصر مطلوبة على ذمة قضايا إرهابية وقانونية".وشدد على أن المجموعات التشادية شردت الأهالي في الجنوب وبالأخص من مدينة مرزق التي هجر جميع أهلها ما عدا من تم حصارهم، وأن حسن موسى زعيم الجماعة المهاجمة يقوم بعمليات حرق للمنازل وقتل وذبح للرجال في المدينة والجنوب.

ومدينة مرزق التي يقطنها 50 ألف ساكن أغلبهم من التبو تشتهر بقلعتها التاريخية التي شيدت قبل أكثر من سبعة قرون، وهي عبارة عن واحة في جنوب غرب ليبيا تبعد نحو 900 كلم جنوب طرابلس. وتقع المدينة في موقع جغرافي هام، مما جعلها موطن التقاء القوافل التجارية القادمة من أفريقيا حتى سواحل البحر المتوسط قديما، وأيضا نقطة وصل بين الغرب والشرق في شمال أفريقيا، كما ازدهرت الحضارة في مرزق بسبب كثرة مياهها الجوفية.

وأكد الخيالي أن مرزق كانت عاصمة الجنوب الليبي، وبها الكثير من التاريخ الليبي، وأن المجموعة ذات الأصول التشادية في ليبيا هم من يسعون إلى تخريب الجنوب، حيث اختفى الوقود والمياه والبنى التحتية والخدمات، إثر عمليات الحصار التي تفرضها المجموعات التشادية. وأبدى استنكاره لاعتراف حكومة الوفاق بالمجموعات التي وصفها بالإرهابية، وقولها أن تلك المجموعات ضمن قوات الجيش التابع لها.

وكان المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، أشار في بيان له، يوم الأحد الماضي، إلى أن ما صنعته العصابات المرتزقة التشادية، من العمل على تهجير أهالي مدينة "مرزق" وحرق منازلهم، هو محاولة تطهير عرقي مدعوم من حكومة الوفاق الغير شرعية.وتابع البيان قوله، "إن قوات الجيش الليبي، بقيادة المشير "خليفة حفتر"، تعتبر مدينة مرزق، مدينة منكوبة تعرضت للتهجير وحرق بيوت مواطنيها من قبل العصابات التشادية و قوة تحرير الجنوب، كما شدد على ضرورة ووجوب القضاء على هذه العصابات واستهدافها أينما وجدت".

ودفعت هذه الأوضاع الصعبة التي تعيشها مرزق مجلس النواب الليبي القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية بالتصدي لمن وصفهم بـ"العصابات المارقة" في المدينة.وقال المجلس، في بيان له، إنه "يدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي تتعرض له مدينة مرزق وتشارك فيه عدد من التنظيمات الإرهابية وعصابات المرتزقة من المعارضة التشادية الذي راح ضحيته عدد من الشهداء والجرحى".وطالب المجلس القوات المسلحة الليبية بالضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه المساس بأمن ليبيا وشعبها، داعيا الحكومة الموقتة إلى تقديم الدعم الكامل بشكل عاجل لأهالي المدينة التي تشهد توترا أمنيا منذ أسابيع.

ويشهد الجنوب الليبي في هذه الآونة حالة من زعزعة الاستقرار، سببها التنظيمات الإرهابية وبع الجماعات المسلحة والعصابات الأجنبية المتحالفة مع حكومة الوفاق، وأبرزها "قوات حماية الجنوب"، وهي مليشيا قوامها الرئيسي مقاتلين من قبائل التبو الليبية ومرتزقة من تشاد ودول أفريقية أخرى مثل نيجيريا، تقاتل تحت إمرة حسن موسى التباوي.

وارتكبت "مليشيات حماية الجنوب" عددا من الجرائم المسلحة في مدينة "مرزق" و"سبها" و"غدوة" وغيرها من المدن منذ إعلان الجيش الليبي إطلاق عملية "طوفان الكرامة" لتحرير العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي من المليشيات كنوع من تخفيف الضغط على المليشيات المتحالفة معها بعد اشتداد ضربات الجيش الليبي.

وكان النائب الليبي طلال ميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، قال إن "المليشيات التشادية"، التي أحرقت المنازل في مدينة مرزق تتلقى تمويلات مباشرة من "حكومة السراج"، حسب قوله.وأضاف في تصريحات لوكالة "سبوتنيك"، الأحد: "لدينا معلومات مثبتة على تلقي تلك المجموعات الإرهابية تمويلات من حكومة السراج والمصرف المركزي، حيث تأتي أموال النفط إلى المصرف المركزي، ويتم تمويل هذه المليشيات عن طريق أسامة جويلي".

وتحاول حكومة الوفاق ومن ورائها المليشيات المتطرفة في العاصمة التأثير على الجنوب الليبي الحلقة الأمنية الأضعف في جغرافية ليبيا المطلة على 6 حدود دولية، مستغلة في ذلك طبيعته الجيوغرافية والديموغرافية، إضافة إلى الانتشار الواسع للمليشيات والتنظيمات المتطرفة ومهربي البشر والوقود والسلاح.حيث تسعى لتشتيت الجيش الليبي وادخاله في مواجهات بعيدا عن طرابلس لتخفيف الضغط على المليشيات خاصة بعد أن كثف الجيش الليبي ضرباته مؤخرا.

وأعلن الجيش الليبي، في بيان سابق له، أن جماعة "الإخوان" تدعم المرتزقة التشادية لتهجير أهالي مدينة مرزق، لافتا إلى أن الجنوب منبع لثرواتها وجزء لن يتجزأ من البلاد.وتابع "ما قامت به العصابات المرتزقة للمعارضة التشادية في العمل على تهجير أهالي مرزق (جنوبي البلاد)، وحرق منازلهم هو تطهير عرقي مدعوم من تنظيم الإخوان الإرهابي المتستر بحكومة الوفاق غير الشرعية".

وشدد البيان على أن جماعة الإخوان تسعى لتقسيم المدينة وضرب نسيجها الاجتماعي ووحدتها الوطنية لأجندات خارجية تركية وقطرية، قائلا: "إن ذلك يجعلنا نضع أمام كل ليبي لا تزال على عينيه غمامة أن المعركة الحقيقية بين الوطنيين الشرفاء وأعداء الشعب الذين نهبوا خيراته ويسعون لتدميره".

ودأبت العصابات التشادية منذ سنوات على شن هجمات جنوبي ليبيا، في ظل الانفلات الأمني وعدم ضبط الحدود منذ عام 2011. وعقدت هذه العصابات تحالفات مع تنظيم القاعدة الإرهابي وجماعات تهريب البشر في الجنوب الليبي، وشاركت في الهجوم على الحقول والموانئ النفطية.وتؤوي ليبيا كثيراً من الفصائل التشادية المتمردة التي تمارس الخطف والنهب والتهريب. وحذرت تقارير سابقة من أن مئات المقاتلين من تشاد وإقليم دارفور السوداني يؤججون الاضطرابات في ليبيا ويحاربون لحساب فصائل متناحرة ويسعون إلى تشكيل حركات تمرد ويمارسون قطع الطرق وتهريب السلاح.

وفي ظل الأزمة التي مزقتها، تحولت ليبيا إلى ساحة مفتوحة أمام نشاط عصابات الإجرام، والتنظيمات المسلحة التي أسهمت أنشطتها في تعميق الانقسام وإذكاء الصراعات بين القبائل، وزيادة الفوضى الأمنية، في وقت لاتزال حدود فيه ليبيا غير مضبوطة إلى حد كبير، كما يشكّل تأمين الأطراف أحد أكبر التحدّيات التي تواجهها البلاد.حيث يتيح ضعف مراقبة الحدود لأسواق السلاح والبشر والمخدرات أن تزدهر، إلى جانب عمليات الاتجار غير المشروع اليومية بالوقود والبضائع، والتي تمارسها العصابات المنتشرة هناك، وهو مايترتّب عنه عواقب وخيمة على ليبيا والمنطقة ككل.