في الوقت الذي يسعى فيه الفرقاء الليبيون والمجتمع الدولي إلى التوصل إلى حل للأزمة الليبية، من خلال التأكيد على وقف التصعيد والعودة الى طاولة المفاوضات،يواصل النظام التركي عمليات نقل المرتزقة الى الأراضي الليبية لتأجيج الصراع في البلاد واطالة أمد الفوضى فيها وهو المناخ الذي يعتبر مثاليا لعودة التنظيمات الارهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش"،للتغلغل في البلاد مجددا.
 في مشهد يتكرر منذ أشهر،أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، رصد وصول دفعات جديدة من "مقاتلي الفصائل السورية الموالية لأنقرة"، إلى الأراضي الليبية، في إطار استمرار عملية نقل "المرتزقة" التي تقوم بها الحكومة التركية إلى ليبيا،في مسعى لاستمرار الحرب التي يطمح من خلالها أردوغان للسيطرة على الحقول النفطية في ليبيا ونهب ثرواتها.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن، في تصريح خص بوابة إفريقيا الإخبارية بنسخة منه، إن "دفعة جديدة وصلت ليبيا خلال الـ 48 ساعة الفائتة، يبلغ تعدادها نحو 300 مقاتل من فصائل "السلطان مراد وفرقة الحمزة والسلطان سليمان شاه".
ويأتي هذا استمرارا لعمليات نقل المرتزقة خلال الشهور الماضية،والذين وصل عددهم الى نحو 17300 "مرتزق" من الجنسية السورية من بينهم 350 طفلا دون سن الـ18،وفق إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان،الذي أكد أن تركيا تواصل جلب المزيد من عناصر الفصائل إلى معسكراتها وتدريبهم لدفعهم الى الأراضي الليبية خدمة لأجنداتها المشبوهة.


ويسعى النظام التركي لمواصلة التحشيد تحضيرا لمعركة سرت التي تسعى أنقرة لاحتلالها بهدف السيطرة على الموانئ النفطية.واشترطت تركيا في عدة مناسبات انسحاب الجيش الليبي من مدينتي سرت والجفرة لوقف اطلاق النار وهو ما يعتبر توجها تركيا نحو التصعيد والدفع بالبلاد الى حرب أكثر عنفا وفوضى تتمكن من خلالها التنظيمات الارهابية من العودة الى المشهد الليبي.
في تقرير حديث أورده موقع "ارم نيوز" الاخباري،نقلا إذاعة "أر أف إي" الفرنسية،أكد أن تنظيم "داعش" بات يطفو على السطح مجددا في غرب ليبيا، من خلال الاستقرار في مدينة صبراتة الساحلية.وأشار التقرير إلى أن عناصر التنظيم الذي طرد عدة مرات منذ عام 2014، عادوا إلى المدينة، معلقا:"إنهم يستولون على المدينة تدريجيا".
ونقل التقرير عن سكان في المدينة أن مسلحي "داعش" باتوا يعلنون عن وجودهم في صبراتة، وقد استقروا في مخيمي التليل والبراعم اللذين احتلوهما سابقا على أطراف المدينة.ويقول محللون، إن معظم هؤلاء المسلحين نقلتهم تركيا للقتال في صفوف قوات الوفاق، وهم من الجنسيات الليبية والسورية والمصرية والتونسية..
وأشار التقرير إلى عناصر آخرين أطلق سراحهم من سجني صبراتة وطرابلس بعد انسحاب قوات الجيش الليبي في أبريل/نيسان الماضي، فضلا عن عناصر القاعدة وداعش الذين فروا من سرت وبنغازي ودرنة.مضيفا أن: "الأمر الأكثر عبثية أن غرفة العمليات التي أنشأها خصيصا فائز السراج في صبراتة لمحاربة تنظيم داعش يشغلها الجهاديون حاليا".وفق ما أورد موقع "ارم نيوز".
الحديث عن وجود "داعش" في صبراتة ليس بجديد،ففي مايو/أيار الماضي،رصدت قوات الجيش الليبي عبدالحكيم المشوط، أحد أبرز قيادات "داعش" الإرهابي في المدينة، بصحبة عدد من عناصر التنظيم.ونقلت صحيفة "العين الاخبارية" حينها عن مصدر بغرفة عمليات محاربة تنظيم داعش في صبراتة سابقا،أن المشوط إرهابي خطير ووجوده في المدينة يعد تهديدًا كبيرًا للمنطقة ومقدمة لعودة التنظيم الإرهابي إلى المكان ودول الجوار.
يذكر أن تنظيم داعش الارهابي سعى منذ تواجده في ليبيا الى السيطرة على مدينة صبراتة في اطار خطط انتشاره وتمدده في البلاد.ففي 10 ديسمبر 2015،أعلن التنظيم أن صبراتة إمارة إسلامية وعاصمة له في ليبيا.وكانت المدينة شهدت قبل ذلك بساعات استعراض أرتال عسكرية قوامها 30 آلية مسلحة، ورفع خلالها المسلحون الرايات السوداء.وفي 19 ديسمبر 2015،قام عناصر من تنظيم داعش، بتفجير مبنى الاستخبارات في مدينة صبراتة ما أدى إلى إصابة شخصين.
وفي 19 فبراير 2016،قام الطيران الحربي الأمريكي بقصف أحد المواقع بمنطقة تليل في مدينة صبراته غربي العاصمة طرابلس،وأكد الجيش الأميركي،أن مقاتلاته استهدفت معسكرا لتنظيم داعش في ليبيا، مشيرا إلى أن الهجوم، الذي أدى إلى مقتل العشرات من التنظيم في صبراتة، كان يستهدف القيادي الداعشي نور الدين شوشان.
وفي مساء 23 فبراير 2016، قام 200 مقاتل من عناصر "داعش" بالسيطرة على وسط مدينة صبراتة لساعات، حيث احتلوا مركز الشرطة الرئيسي في المدينة، وقتلوا 12 شرطيا وقاموا بمراقبة هويات المواطنين في الشوارع، بحثا عن شرطيين وعسكريين لقتلهم، حسبما تؤكده الشهادات.
ومنذ 27 فبراير 2016،أعلن عن انه تم تحرير مدينة صبراتة،ورغم ذلك فإن المؤشرات تشير الى أن التنظيم مازال يشكل خطرا على المدينة التي تمثل بالنسبة اليه موقعا استرتيجيا فهي لا تبعد كثيرا عن تونس، كما أنها تُعتبر عصب المنطقة الغربية في الأراضي الليبية. وتتضمن صبراتة منطقة مليتة الغنية بالغاز ومركز إنتاج الغاز الذي يُصدّر لأوروبا.
وخلال الاشهر الماضية تحدثت تقارير اعلامية عن أنّ السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس.


وتكشف الأمر أكثر وأكثر مع ظهور العديد من الارهابيين خلال المعارك التي دارت في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس،ولعل أبرزها القاء وحدات القوات المسلحة القبض على الداعشي السوري محمد الرويضاني في محاور طرابلس،في مايو/ايار الماضي.ويعتبر الرويضاني المكنى "أبوبكر"، أحد أخطر عناصر داعش في سوريا، وانتقل إلى ليبيا برعاية المخابرات التركية كأمير لما يعرف بـ"فيلق الشام".وفق ما أكده حينها اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي.
وظهر خلال احتلال مدينتي صرمان وصبراتة خليط من العصابات والعناصر الارهابية والمرتزقة تحت غطاء الطائرات والاسلحة التركية.وكشفت مشاهد الفيديو لاحقا أن إرهابيي القاعدة من مجالس شورى المناطق الشرقية الفارين من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وأجدابيا، كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع مسلحي جبهة النصرة، ثم يتجهون إلى السجون لإطلاق نظرائهم في الإرهاب، تحت هتافات التكبير.ومنهم الإرهابي فرج شكو عضو مايسمى مجلس شورى ثوار بنغازي والمبايع لتنظيم داعش.
ويشير مراقبون الى أن تركيا تسعى لتحويل ليبيا الى ملاذ جديد للتنظيمات الارهابية وخاصة "داعش" خدمة لأجنداتها المشبوهة،ويؤكد هؤلاء أن التنظيم الإرهابي الذي فقد سيطرته في سوريا والعراق وانتهت أحلام خلافته المزعومة فيهما،يسعى إلى تعزيز وجوده في ليبيا، مستغلا في ذلك الفوضى السائدة في هذا البلد.ويبدو واضحا أن العدوان التركي ومساعي أنقرة لتاجيج الصراع في ليبيا، وفي المنطقة عموما،يشكلان بيئة مناسبة لداعش لتمكين نفسه ليس فقط فيما يتعلق بالتجنيد بل في امكانية اخضاع أراضي جديدة لسيطرته وتكرار جرائمه خلال السنوات الماضية.