يخيم شبح الحرب على العاصمة الليبية طرابلس، مع تجدد الاشتاكات بين المليشيات المسلحة،وسط مخاوف معلنة من العودة الى مربع العنف بعد أشهر من الهدنة في ظل عجز حكومي واضح عن كبح جماح الفوضى،برغم الحديث عن الترتيبات الأمنية الهادفة لانهاء دور المليشيات المسلحة في العاصمة.

ففي تطور جديد،اندلعت اشتباكات عنيفة،بين المليشيات المسلّحة، جنوب العاصمة طرابلس، وذلك بعد 4 أشهر من الهدنة،وقالت تقارير اعلامية أن عائلات نزحت من بيوتها في منطقة قصر بن غشير تخوفا من تصاعد التوتر في المنطقة، وأن الشوارع هناك أغلقت بالسواتر الترابية وجرى إخلاء إحدى المصحات الكبرى من المرضى.

وأعلنت قوات تسمي نفسها قوة حماية طرابلس، وتتبع حكومة الوفاق الليبية، الأربعاء، صد هجوم استهدف العاصمة من قبل مجموعات مسلحة لم تحدد هويتها.وقالت القوة إنها حاولت منع تلك المجموعات من إلحاق الضرر بالأرواح والممتلكات الخاصة والعامة.جاء ذلك في بيان نشرته القوة عبر صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك،بحسب وكالة الأناضول.

وأعلن الناطق باسم إدارة شؤون الجرحى مالك مرسيط ارتفاع حصيلة ضحايا اشتباكات جنوب طرابلس الى قتيلين و17 جريحا.ودعت وزارة الصحة بحكومة الوفاق مديري المستشفيات العامة والقروية والتعليمية والمراكز التخصصية رفع درجة الاستعداد.فيما أعلن جهاز الاسعاف والطوارئ حالة النفير العام بكافة فروعه داخل مدينة طرابلس وما جوارها.

وتنتمي قوة حماية طرابلس إلى كتيبة ثوار طرابلس والنواصي وغيرها من الكتائب التابعة لحكومة الوفاق.وبررت هذه القوة تحركها بعدم التزام "المجموعات المهاجمة لطرابلس"، في اشارة الى وحدات اللواء السابع مشاة،المعروفة باسم "الكانيات" بالانسحاب إلى خارج حدود منطقة طرابلس العسكرية.

وفي المقابل،نفى مصدر في اللواء السابع مشاة ان يكون اللواء طرفا في الاشتباكات التي اندلعت جنوب العاصمة طرابلس.وبين المصدر في تصريح لبوابة افريقيا الاخبارية، ان ما يشاع حول دخول اللواء السابع في اشتباكات ضد قوة حماية طرابلس لا أساس له من الصحة مرجحا أن تكون تشكيلات مسلحة تابعة لحكومة الوفاق هي التي دخلت في اشتباكات ضد قوة حماية طرابلس.

وكان اللواء السابع مشاة أكد،الثلاثاء استمراره في الالتزام باتفاق التهدئة الموقع في مدينة الزاوية والعمل وفق ما جاء في الترتيبات الأمنية التي صادق عليها المجلس الرئاسي.لكنه حمّل في بيان نشره عبر صفحته على "فيسبوك"، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج،"مسؤولية أي تصعيد، ويدعوه إلى لجم الميليشيات المسلحة، وإلزامها بتنفيذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها".

وبدورها أعلنت "قوة حماية طرابلس"، أنها "ملتزمة بحفظ الأمن داخل طرابلس، سواء للمواطن أو لمؤسسات الدولة، وسوف تدافع عن طرابلس وأهلها ضد كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن المواطن والسعي وراء إثارة الفتنة".وأعربت في بيان نشرته،الثلاثاء، على "فيسبوك"، أنها "على أتم الاستعداد للتعامل مع كل غازٍ لأمن طرابلس وأهلها"،ملوّحة بالاستعداد للمواجهة.

وكانت نذر التوتر عادت أمس إلى الضواحي الجنوبية للعاصمة الليبية طرابلس،وقالت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق،ان جنوب طرابلس وخاصة منطقة قصر بن غشير شهد منذ امس الثلاثاء تدهورا في الاوضاع الامنية وترديا في الاوضاع الانسانية "نجم عنه ايقاف الدراسة وترويع المدنيين بسبب حدوث اشتباكات مسلحة وتحشيد من قبل مجموعات مسلحة غير منضبطة في محاولة جديدة لفرض اجندتها على الدولة في الوقت الذي بدأت فيه الامور داخل العاصمة طرابلس تتجه الى الاستقرار.

وأعربت الوزارة عن قلقها البالغ " تجاه هذه الخروقات الامنية" مؤكدة انها "تستغرب حدوثها في هذا الوقت خاصة بعد مباشرتها بالتنسيق مع وزارة المواصلات في استلام منفذ مطار طرابلس العالمي من الغرفة الامنية المشتركة ترهونة وتسليمه بتاريخ 14يناير 2019 الى مديرية امن منفذ مطار طرابلس العالمي بحضور مدير عام المطار ونائبه ورؤساء الاجهزة الانية العاملة بالمنفذ".

وطالبت الوزارة "بوقف الاشتباكات والتحشيد " مؤكدة انها ستحيل "تقريرها عما حدث وما سيحدث من خروقات الى المجلس الرئاسي ليتحمل المسؤولين عنها تبعات افعالهم".

من جهتها،دانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشدة التحركات العسكرية الأخيرة جنوب العاصمة طرابلس.وحذرت البعثة في بيان لها "من مغبة خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في  سبتمبر الماضي محذرة من الإخلال بأمن العاصمة وتعريض حياة المدنيين وممتلكاتهم للخطر".وذكرت البعثة "كافة الأطراف في ليبيا بأن أي اعتداء مباشر أو غير مباشر على المدنيين وممتلكاتهم والمرافق العامة يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي".

وكانت الأحياء الجنوبية من طرابلس، شهدت في الـ 26 من آب/أغسطس  2018، اشتباكات مسلحة توقفت في الـ 4 من أيلول/سبتمبر من العام ذاته، بوساطة الأمم المتحدة، بعدما خلفت أكثر من 100 قتيل و383 جريحًا، حسب وزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني

وعقب اتفاق التزمت فيه الأطراف المتنازعة في طرابلس بوقف إطلاق النار تحت رعاية أممية،سارعت حكومة الوفاق الى تنفيذ الترتيبات الأمنية، بهدف إرساء الأمن داخل العاصمة عبر قوات نظامية من الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية في المنشآت الحيوية وإنهاء دور الميليشيات 

ويرى مراقبون أن تجدد الإشتباكات يحرج الحكومة التي تحاول التأكيد على نجاح الترتيبات الأمنية في العاصمة طرابلس.ويشير هؤلاء إلى أن هذه المحاولات لن تحل أزمة العاصمة الرهينة لقبضة هذه المجموعات المسلحة وعصابات المال العام،ويبقى الحل الأمثل في توحيد المؤسسة العسكرية وحل جميع المليشيات ونزع سلاحها.

وفي هذا السياق،نقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن رئيس لجنة التواصل الاجتماعي الليبية-المصرية، عادل الفايدي،قوله إن الترتيبات "مجرد ترقيع لما لا يرقع، الاعتماد على الميليشيات خطأ كبير.. الدولة تحتاج إلى جيش نظامي".

وفي الوقت الذي ينتظر فيه الليبيون انعقاد المؤتمر الوطني الجامع الذي يأمل من خلاله الذهاب الى انتخابات تهدف لارساء سلطة موحدة وانهاء الفوضى،ينذر تجدد الاشتباكات في العاصمة طرابلس بإدخال البلاد في متاهة الحرب من جديد،في مشهد يؤكد على الدور التخريبي للمليشيات المسلحة التي تسعى لاطالة أمد الأزمة.