هل الصراع الليبي اليوم هو صراع سياسي؟ أم هو صراع عسكري، أم مجرد أزمة دستورية وقانونية؟ وهل سيعمل المؤتمر الوطني الجامع لحلحلة الأزمة وتحقيق الجمع، ومقاربة الفرقاء، وتشكيل مؤسسات الدولة بعد الصراع، وهل ولد هذا المؤتمر بشرعية حقيقية منبثقة من قبل إرادة وطنية أم أنه نتاج توافقات دولية وصراعات أممية، وهل ستضفي مشروعيته نوعاً من التزاوج وتوأمةالسلطات؟

وهل أن ما يجري هو مجرد إرباك للمشهد الليبي وتعقيداً لمساراته، وتغليباً لمصالح الجماعات الخاسرة على حساب أخرى، وفي كل الأحوال، هل هو خطوة أخرى لإحياء "صخيرات" جديدة بعد تفتتها وتشظيها؟ أو هل هو طريق طويل تسلكه الأمم المتحدة إلى حين التوصل إلى اتفاق شامل وكامل؟ ألم يقم الشعب الليبي من خلال مناشطه وبعضاً من مؤسساته بعقد ملتقيات كبرى  وضم كافة الجهات لمثل هذا الملتقي؟ ألم يتم دعوة الأمم المتحدة لإجتماعات أكبر وأوسع داخل وخارج ليبيا بنسيج ليبي متنوع وشامل؟

الكثير من التساؤلات نضعها بين يدي القارئ علنا نجد لها جواباً واضحاً وشافياً.

الصراع الليبي

التنازع بين الشرعيات والمشروعيات أصبح المهيمن بصفة قوية علي كافة الصراعات السياسية، ولم يستقر بعد أو يتقدم، واضعا إطارا شرعيا دستوريا لتحديد ملامح القادم وتمكين تحول نستطيع من خلاله التوصل إلى صياغات نهائية لشكل الدولة ومؤسساتها وشرعيتها، كما يجب أن لا نضيق مفهوم التأسيس في طفرات وقفزات ومغامرات، بل نعمل من خلال حلقات تستكمل بعضها بعضا لتلبية متطلبات الإنتقال الواعي لكافة الفعاليات السياسية والمجتمعية وموائل القدرة.

مقترحات المؤتمر الوطني الجامع

نظرنا بعين قانونية، وبزاوية وطنية، وبفكر حيادي، وبشكل بحثي، وبدراسة للواقع المتأزم، إلى ما تم صياغته، فـــــ"النظام الأساسي للمؤتمر الوطني الجامع"، ووضعنا العديد من السيناريوهات "الحسنة" وأحياناً "السيئة"، علنا نجد ما يصلح للشأن الليبي، وعلنا نجد هدوءا ولو انتقاليا يرجع بنا الى مسارات أكثر  شفافية لما سيحدث في بلادنا من خلال مواده وافكاره، ولكننا لم نجد فيه الكثير، بل تعميق ضياع السيادة او ما تبقى منها، والدخول في منعطف المحاصصات والتي ستجذر الشقاقات والإختلافات بين أبناء الوطن، واستحالة تنفيذ خطواته الا عبر انتقائيات تقوم بها جهات غير شرعية، فاصبح هذا الأمر يؤكد منح من لا يملك ما لا يستحق، وتغييب كامل لمبدأ الشفافية، وارجاع كيانات انتهت صلاحيتها وكانت سبباً في أزمات ليبيا.

وقبل أن ندخل في نقاط تفصيلية لهذا النظام، فانه يتوجب ان نتعرف على مرتكز أساسي الا وهو؛ من يملك حق تعديل آخر للإعلان الدستوري المؤقت، ومنح صلاحيات كبري لهذا الكيان ليمثل رئاسة ليبيا، وهل من يملك حق التعديل هو أيضا يملك حق تعيين المشاركين واختيار المرحلة ولو كانت مؤقتة؟ وهل من قام بإنتخاب تلك الكيانات منحها حق التفاوض وصلاحيات التنازل عن الدولة؟، وفي حالة ما وجدت المبررات- وان لم تكن قانونية-، فلماذا يتم رفض تشكيل مجلس الشيوخ، أو مجلس الأمة، توافقاً مع أغلب دساتير العالم، وتماشياً مع دستورنا الليبي السابق؟

فوضى النظام الأساسي للمؤتمر الوطني الجامع

تجربة أخرى من تجارب الأمم المتحدة، نختلف من بداية ما جاء بها لنهايته، أي من منطلق تأسيسها وشرعيتها الى مخرجاته، كما نختلف أيضا عن الكيفية والطريقة التي رسمت بها، ومواده غير القابلة للنقض والرافضة للطعن او التغيير وهو ما يمثل عقود الإذعان وما في شاكلتها، وافتقاره القاعدة العريضة الافقية وليست الرأسية الضيقة لإرضاء الخاصة، وعدم التطرق لمدينة الإنطلاق التي كانت سبباً من أسباب الإنقسام وحجة من حجج المقاطعة، كما لم يشر الى الجداول الزمنية واستحقاقات المراحل القادمة،  ولكن الأهم  من كل هذا هو ما سنأتي عليه في جملة سريعة من النقاط وفق ما يلي:

- تحول دور المبعوث الأممي الممثل لمنظمة الامم المتحدة من كونه مراقب الي دور تنفيذي. وهذا يمثل خرقاً للسيادة الوطنية.

- تغييب الكثير من المؤسسات المجتمعية الليبية، واستبدال أدوارها بكلمة "النخبة"، إشارة واضحة للإنتقاء والتهميش والإقصاء  وعدم الشفافية.

- دخول الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور كشريك رسمي في العملية الإنتقالية، هذا ان سلمنا جدلا بشرعيتها ، فهو مزج لصلاحيات غير قانونية وخلط في السلطات التي يفترض فصلها.

- الأعداد المزدوجة، للكيانات والأشخاص، تشكل حجرة أساس المحاصصات.

- تمثيل الأقليات لا يتناسب مع حجم المرحلة الراهنة.

- الدور العسكري والأمني يجب أن يكون بمعزل من الانتقال السياسي حيث تقوم به لجان أخرى منذ زمن برعاية اقليمية، كما أن عملية خلق توازنات بين كيانات غير متكافئة من الناحية الشرعية او من الناحية الواقعية سيضع عراقيل صلبة وغير قابلة للكسر في مسارات التحول القادمة.

- إغراءات المشاركة للمناصرين لعهود سبقت، وكيانات أخرى، تعني وتوضح وتجزم بتفاهمات بعيدة عن شأن التأسيس، وتعبر عن شبه تفاهمات خارج الصندوق والإطار القانوني.

ختاماً فإن مؤتمر جامع في تشكيلته الانتقائية، دون الرجوع في حقيقة الأمر الى التوازنات الواقعية والرهانات المستحقة للدولة، هو محاولة لوضع خطة تقابلية او توافقية في شكل نظري، وليست محاولة لوضع أسس حقيقية لمرحلة الإنتقال والبناء، كما أن الفشل الدائم لمخططات الأمم المتحدة ومبعوثيها يحتم علينا قراءة الأحداث بشكل أدق واعمق ويكرس اهتمامنا بما وراء الحدث بشكل منهجي حفاظاً على توحيد الدولة و السيادة الوطنية.