لم يخرج واقع العمل الصحفي في ليبيا بعد 2011 عن السياق العام للبلاد ،فقد أمسى أمرا مرعبا لدى الكثير من المنخرطين في مهنة المتاعب، ففي واقع يستم بتفشي العنف المسلح والانهيار الاقتصادي و اللاإستقرار السياسي، تعيش الصحافة في ليبيا أحلك سنواتها نتيجة تفاقم حالات الانتهاكات والاعتقالات التعسفية التي تُمارس ضد الصحفيين، خاصة مع انتشار الميليشيات المسلحة التي لا تخضع لأي ضابط قانوني أمام دولة ضعيفة غير قادرة على إنفاذ سلطتها تجد هذه الجماعات الفرصة لممارسة سياسة تكميم الأفواه أمام كل صوت معارض.

في ظل هذا السياق الذي يسيطر عليه التسيّب فإنه  ليس من المفاجئ أن تكون ليبيا في أواخر قائمة التصنيف العالمي لمؤشر حرية الصحافة التي تصدرها العديد من المنظمات الدوليةفكل المعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام؛ كالضمانات الدستورية والقانونية للصحفيين، والإصلاح الهيكلي للإعلام، وتزايد أعمال العنف والهجمات الدامية، والاعتداءات الجسيمة، من الطبيعي أن تضع ليبيا في مؤخرة دول العالم.

هذا وجاءت ليبيا هذه السنة في المرتبة مائة واثنتين وستين عالميا في مجال حرية الصحافة، بحسب آخر إحصائية لمنظمة مراسلون بلا حدود.

وأوضحت المنظمة أن تراجع ترتيب ليبيا في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، سببه حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، وما صاحبه من نزاعات مسلحة وحروب انعكست سلبا على حياة الصحفيين، وأدت إلى مقتل عدد منهم، إضافة إلى اعتقالهم بشكل تعسفي.

وحلت ليبيا في العام 2019 على المؤشر نفسه بالمرتبة الـ164، ونالت في 2018 المركز نفسه للسنة الماضية أي 162 لأسباب أيضا تتعلق بالحالة الأمنية.

وتنشر المنظمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة سنويًا منذ عام 2002، ويعمل المؤشر على قياس حالة حرية الصحافة في 180 بلدًا، انطلاقًا من منهجية تُقيِّم مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحفيين ومستويات الرقابة الذاتية، فضلًا عما يحيط بعملية إنتاج الأخبار من آليات داعمة مثل الإطار القانوني ومستوى الشفافية وجودة البنية التحتية.

ويرى التقرير الدوري أن وسائل الإعلام باتت طرفاً في النزاع الدائر في ليبيا، وما يصاحبه من نزاع مسلح بين حكومتين، واحدة في شرق البلاد والأخرى في غربها، موضحا أن الأطراف المتناحرة تزج بالعديد من الفاعلين الإعلاميين في مستنقع الصراع، وبالإضافة إلى استخدام وسائل الإعلام كأداة دعائية.

من جهة أخرى يرى التقرير أن وسائل الإعلام الليبية تدفع ثمناً باهظاً جراء حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه ليبيا منذ ثماني سنوات، حيث تواجه وسائل الإعلام والصحفيين أزمةٌ لم يسبق لها مثيل، وأن الجهات السياسية والعسكرية الفاعلة في الصراع الليبي نصَّبت نفسها وصية على المنابر الإعلامية فارضة رقابة على ما تنشره من معلومات.

وألقى هذا الوضع الأمني والسياسي بظلال وخيمة على واقع الصحافة والإعلام في ليبيا، وساهم بشكل كبير في قمع حرية التعبير، بعد أن وجد الصحافيين أنفسهم عرضة للاغتيال والخطف والتعذيب دون حماية أمنية ولا قضائية ولا قانونية.

وسبق أن حذرت منظمة مراسلون بلا حدود في احد تقاريرها من إفراغ ليبيا من الصحفيين بسبب استمرار الانتهاكات المسلطة على الصحفيين وتفشي سياسة الإفلات من العقاب، في ظل فشل الحكومات الموجودة، سواء عن قصد أو عن عجز، على حماية الإعلاميين وتتبع الأطراف المتورطة في جرائم ضدهم.

وتتكرر حالات الاختفاء والاختطاف والتعذيب من قبل عدة أطراف في ليبيا، ما جعل من الصحفيين والإعلاميين الليبيين وغيرهم طرائد سهلة وأهداف قريبة لإطلاق النار.

في وقت سابق،قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا في بيان لها، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن هذه الذكرى السنوية العالمية، تأتي "في ظل استمرار الانتهاكات والتضييق على حرية الصحافة والإعلام والكلمة والوصول إلى المعلومة وعدم السماح للرأي المخالف بالتعبير الحر بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في ليبيا.

وأشارت اللجنة إلى تصاعد الاعتداءات والانتهاكات بحق الصحفيين الليبيين من جرائم الاختطاف والاعتقال والإخفاء ألقسري من قبل الجماعات والتشكيلات المسلحة بعموم البلاد في ظل استمرار حالة الإفلات من العقاب نتيجة انهيار الأجهزة الأمنية وضعف منظومة العدالة واستمرار حالة الإفلات من العقاب التي باتت عاجزة عن ملاحقة الجُناة ومحاسبتهم.

وأعربت اللجنة "عن تضامنها الكبير مع الصحفيين والإعلاميين الضحايا والمتضررين جراء هذه الجرائم والانتهاكات البشعة التي ارتكبت بحقهم". مطالبة "جميع السلطات الأمنية والعسكرية بعموم البلاد بضرورة بالالتزام بالقوانين والأعراف والمواثيق والإعلانات الدولية الضامنة لحرية الصحافة والإعلام، ووقف جميع أشكال الممارسات والانتهاكات التي تمس بشكل مباشر حرية الصحافة والإعلام وحرية الصحفيين والإعلاميين في ليبيا، وكذلك وقف ممارسة سياسة تكميم الأفواه أو تقييد العمل الصحفي والإعلامي في ليبيا".

وقد وثقت وحدة الرصد والتوثيق مابين يناير عام 2012 وديسمبر عام 2015 ، 384 جريمة واعتداء جسيم تعرض له الصحفيون ووسائل إعلام عدة مابين القتل العمد والشروع بالقتل أو الاختطاف والتعذيب والاعتقال التعسفي والاعتداء بالضرب فضلاً عن الملاحقات القضائية الجائرة بقوانين باهتة.

وفي العام 2016، تم تسجيل 107 حالة اعتداء عنيفة ضد الصحفيين، بحسب المركز الليبي لحرية الصحافةوهاجمت الجماعات المسلحة العاملين في وسائط الإعلام في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الاعتداءات البدنية وقتل صحفيين اثنين.  ووفقا للمركز، لقي تسعة صحفيين مصرعهم أثناء أداء واجبهم فى ليبيا منذ عام 2014

وفي مايو 2017، رصد قسم شئون الصحافة والإعلام وقسم تقصى الحقائق والرصد والتوثيق باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا منذ بداية عام 2017 وقوع 32 حالة اعتداء وانتهاكات بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية فى ليبيا تباينت بين الاختطاف والاعتقال القسرى ووقف بث الوسائل الإعلام المسموعة والاعتداءات على مقر قنوات فضائية وراديو مسموعة وتهديدات بالقتل والاختطاف لصحفيين وإعلاميين.

فيما أكد مقرر"اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا"، أحمد حمزة، في تصريح لوكالة "سبوتنيكالروسية، إن "عمليات الخطف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في ليبيا باتت شائعة وظاهرة بشكل كبير"، مشيراً إلى أن عدد الضحايا في العام 2017، بلغ 186 حالة خطف، و143 حالة اعتقال تعسفي، بالإضافةً إلى رصد 34 حالة اعتداء واعتقال غير قانوني وتهديدات ضد الصحافيين والناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان.

وفي مايو 2018، قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا في بيان لها، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن هذه الذكرى السنوية العالمية، تأتي "في ظل استمرار الانتهاكات والتضييق على حرية الصحافة والإعلام والكلمة والوصول إلى المعلومة وعدم السماح للرأي المخالف بالتعبير الحر بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في ليبيا.

ومازالت ليبيا مكانًا يتعسّر العمل فيه بالنسبة للصحفيين والإعلاميين والنّشطاء الذين لازالوا عرضة لحملات التّرهيب والتّشهير، والذين تتواصل الاعتداءات على منازلهم وأسرهم وسلامتهم الجسدية ، وتتمّ ملاحقتهم قضائيّا بشكل تعسّفيّ بسبب العمل الذي يمارسونهوقد أدى الصراع إلى تفاقم حدّة التهديدات التي تمسّ من حرية الإعلام في ليبيا.

من ذلك،يرى مراقبون أن الصحافة الليبية تمر بأحلك فتراتها منذ سنة 2011 حيث أن الجناة يقايضون جنود الحقيقة بحياتهم بدون أي تتبعات أمنية أو قضائية تذكر و لا إجراءات حكومية تدفع نحو توفير الحد الأدنى من ظروف العمل الآمن.

حيث لا تتعدى السلطة في ليبيا منطق الرثائيات و بيانات التضامن و التعاطف الذي يخرج عن طابعه المناسباتي و البروتوكولي البحت.