لا أحد يعترض طريقك، لكن من الصعب أن تواصل السير فيه. ولا يوجد في ليبيا من يقول لك عليك أن تتوقف عن ممارسة العمل الإعلامي، إلا أن هذا لا يعني أن مقرك سيكون محميا من قذائف الميليشيات. حدث هذا ضد صحف وقنوات تلفزيونية منذ الإطاحة بنظام القذافي في 2011 حتى الآن.

بحسب منظمات حقوقية وإعلامية محلية منها ودولية، فإن عامي 2013 و2014 كانا الأسوأ في تاريخ ليبيا على العاملين في مجال الإعلام والذين ترك الكثير منهم مجاله جراء الاعتداءات والتهديدات التي تطالهم في كل المدن لاسيما أكبرها طرابلس (العاصمة، غرب) وبنغازي (شرق). ومن بين تلك المدن كذلك التي يتعرض فيها الصحفيون للخطر درنة الواقعة شرقي البلاد، والتي أعلن متشددون من داخلها قبل أشهر موالاتهم لتنظيم داعش والتي صارت بلا إعلام تقريبا، فجل الصحفيين هناك تركوا مهنتهم لتهديدات متكررة وصلت للجميع. وهناك بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية والتي شهدت عام 2014 أكبر كم من الانتهاكات للعاملين بقطاع الصحافة من قتل وخطف وتغييب، الأمر الذي جعل المدينة من أخطر المدن في العالم على مزاولي مهنة الصحافة.

وفي  تقرير له، صدر في يناير/ كاون ثاني 2015، اعتبر المركز الليبي لحرية الصحافة (غير حكومي) سنة 2014 أسوأ عام للحريات الإعلامية منذ أربعة أعوام (منذ بدء أحداث فبراير في 2011)، مشيراً إلى أن مدينة بنغازي تصدرت المدن من حيث عدد الانتهاكات. وفي ظل وجود سلطات محلية تتصارع فيما بينها، فإن مرتكبي الجرائم والانتهاكات ضد الصحفيين الليبيين لم يطالهم القانون حتى الآن، رغم تنديدات محلية ودولية واسعة لما ارتكب ضدهم من جرائم.

عالميا، رصدت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية الدولية، خلال تقرير لها العام 2015، أن هناك 91 حالة على الأقل في ليبيا من التهديدات والاعتداءات ضد الصحفيين بلغ بعضها حد القتل، وذلك في الفترة الممتدة من منتصف 2012 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2014. وبينت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان في العالم، ومقرها نيويورك، أن 14 حالة من هذه الانتهاكات طالت النساء، مؤكدة أن الجماعات المسلحة التي قامت بمهاجمة وخطف وقتل العديد من الصحفيين الليبيين أفلتت من العقاب. وفي تلك الأثناء، بينت المنظمة العالمية أن حالات الانتهاكات شملت كذلك 30 عملية اختطاف أو اعتقال تعسفي لفترة قصيرة و8 حالات قتل.

كما وثق التقرير 26 هجمة مسلحة ضد مكاتب محطات تلفزيون وإذاعة، مبينا أن الجماعات المسلحة في ليبيا عملت على معاقبة الصحفيين ووسائل الإعلام على خلفية إعداد تقارير أو الإجهار برأي يخالف أجندات هذه الجماعات، دون تسمية تلك الجماعات. وأوضحت المنظمة أن ثمة صحفيين ليبيين من بين 250 شخصا قُتلوا فيما يظهر أنه اغتيالات سياسية في 2014 من بينهم الصحفي الشهير مفتاح بوزيد، رئيس تحرير صحيفة برنيق المستقلة والمعارضة للإسلاميين في بنغازي.

وعن ذلك، بين الصحفي معتز ونيس، رئيس تحرير صحيفة برنيق أن قتلة مفتاح بوزيد ارتكبوا تلك الجريمة في وضح النهار وفي شارع جمال عبد الناصر أكثر المناطق ازدحاما بالمارة، مؤكداً أن ذلك يدل على أن منتهكي حرية الصحافة في ليبيا لا يخافون من العقاب الذي لا يطالهم. وتابع أن الانتهاكات ضد الصحفيين ارتفعت حدتها بعد انقسام الليبيين إلى طرفين، طرف يوالي عملية الكرامة في الشرق والبرلمان المنعقد في طبرق (شرق)، وطرف آخر يوالي عملية فجر ليبيا في الغرب. وقال معتز ونيس إنه بسبب ذلك أغلقت جل الصحف المحلية، كما أن معظم مكاتب القنوات قد غادرت خارج البلاد تفاديا للخطر الذي أصبح يتعاظم كل يوم.

وفي أغسطس/آب 2013 قتل مسلحون مجهولون المذيع في قناة ليبيا الحرة، عز الدين قوصاد، أثناء خروجه من أحد المساجد بمدينة بنغازي، وهو ما أثار موجة كبيرة من النقد في ليبيا خاصة أن قوصاد لم يكن محسوبا على أي اتجاهات فكرية أو سياسية، بل كان يشتهر ببرامجه التنموية والاجتماعية البعيدة عن الصراع في ليبيا.

كما طالت جرائم القتل النساء العاملات في هذا المجال، ففي مايو/ أيار عام 2014 وُجدت المذيعة نصيب كرنافة، البالغة من العمر 23 سنة، مذبوحة مع سائق حافلة بشارع الذهب بمدينة سبها جنوبي البلاد، وكالعادة أثار ذلك موجة من السخط في الأوساط الليبية.

وفي العام 2014، أقدمت مجموعة ليبية مسلحة مجهولة الهوية على اختطاف إبراهيم هدية، مراسل وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) وشقيقه خلال تجولهما في أحد الشوارع الرئيسية بمنطقة الصابري ببنغازي، فيما تعرض المراسل للتعذيب قبل أن يترك سراحه ويطلب منه ترك المهنة بشكل نهائي.

كما تم اختطاف ثلاثة من الإعلاميين الليبيين في فبراير/ شباط من العام الماضي، وهم إبراهيم سعيد عبد الدائم، وصدام حسن الساكت، وإبراهيم عبد القادر الرضا، وهم من الإعلاميين الذين يعملون في مدينة سبها بليبيا وكانوا في طريقهم إلى المطار للسفر إلى طرابلس للقيام ببعض المهام الصحفية هناك.

كما أقفلت جل الصحف المحلية أبوابها وامتنعت عن الإصدار بعد تصاعد حدة العنف في البلاد ومنها صحيفة قورينا الجديدة وليبيا الوطن وفبراير والجديدة والأحوال ورؤيا والنور وغيرها من الصحف. ولم تشر المنظمات الحقوقية سواء الليبية المحلية أو الدولية إلى المتورطين في الجرائم التي تطال الصحفيين هناك، لكنها تذكر صفة المليشيات المسلحة التي لم تحدد هويتها.

ويقول الباحث والكاتب الليبي عبد الواحد حركات في تقرير له بعنوان التقرير السنوي لحرية الإعلام والصحافة والتعبير للعام 2017 ... عام قتل آخر أن 11 صحافيا ليبيا وأجنبيا تم اغتيالهم في ليبيا في الستة سنوات الأخيرة، 3 منهم سنة 2016 وصحافي سنة 2015 وصحافي سنة 2014 وصحافي سنة 2013 و5 صحافيين سنة 2011، وذلك في مناطق متفرقة من ليبيا بين طرابلس وبنغازي وسرت ومصراتة والبريقة.

يضيف التقرير أنه من بين الصحافيين اللذين تم اغتيالهم يوجد 4 صحافيين غربيين و6 ليبيين وصحافي عربي واحد. كما ندّدت منظمة مراسلون بلا حدود في هذا السياق باغتيال ثلاثة صحافيين بين سنتي 2016 و2017 من بينهم صحافي هولندي. 

وذكّر التقرير بالصحافي الليبي "ونام بن زابية" الذي تم اختطافه في يناير/كانون الثاني الماضي، ونقل عن منظمة مراسلون بلا حدود تنديدها بحرق إحدى الميليشيات لمقر قناة النبأ التلفزيونية وتسريب قائمة بأسماء 80 صحفيا على نحو يعرّض حياتهم للخطر. وأشار تقرير حركات إلى أن المناطق الأكثر خطرا على الصحافيين في ليبيا هي منطقة بنغازي حيث تصل نسبة الخطر فيها إلى 54,54 بالمئة وتليها منطقتي مسراطة وسرت بـ18 بالمئة ثم طرابلس والمرج بـ9 بالمئة.

على صعيد متصل نجت مديرة مكتب قناة ليبيا الاحرار التلفزيونية الخاصة من محاولة اغتيال في بنغازي بشرق ليبيا بعدما اطلق مجهولون عيارات نارية عدة باتجاهها، بحسب ما اعلن مصدر في القناة. وقال الصحافي رجب محمد ايبلبلو ان "خديجه العمامي، مديرة مكتب بنغازي في قناة ليبيا الاحرار تعرضت لعيارات نارية عدة وهي داخل سيارتها في طريقها الى مكتبها. وأضاف أن مجهولين اطلقوا عيارات نارية غزيرة باتجاه العمامي التي نجت بأعجوبة من محاولة اغتيال. وأوضح أنها وبعدما نجت من الاعتداء تلقت تهديدات هاتفية بالقتل مشيرا الى أنها تلقت ثلاثة تهديدات.

وجاءت محاولة الاغتيال هذه بعد أيام من اغتيال عز الدين قوصاد وهو مذيع برامج في قناة ليبيا الحرة الخاصة. وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه "قتل عز الدين قوصاد المذيع في تلفزيون ليبيا الحرة برصاص مجهولين اطلقوا عليه النار بعد ان استقل سيارته التي كانت متوقفة امام بنك للدم في بنغازي".